إسرائيل وفوبيا فلسطين

د. سعيد بنيس

تقتيل- ترويع- تشريد- دمار- مقاومة- دفاع عن النفس- إبادة هذه بعض المفردات التي تعاود أذاننا وعيوننا وعقولنا على مر ساعات اليوم الواحد في الجرائد، على الشاشات، وفي عزلتنا ومع أصدقائنا وذوينا. كيف لنا أن نرتب علاقات وروابط هذه المفردات؟ هل الدفاع عن النفس يستدعي الإبادة والتقتيل والوحشية والدمار والتشريد والترويع والإرهاب ؟ ماذا لو لم تكن هناك مقاومة؟ أيخيل للمرء أنه سينتفي الدمار والإبادة أم أنهما خاصيتين إسرائيليتين؟أفعلا يمكن أن نتصور أن إسرائيل تريد أن تعيش في سلام ! إن ما نشهده من تقتيل وإبادة وجرائم لا ينم عن نية صريحة أو استعداد لقبول بوضع مسالم مع الفلسطينيين.

وبصورة عامة يمكن أن نحسم بأن إسرائيل تعيش على “إكسنوفوبيا” أو مرض عداء الآخر وعلى رفضه ومحاربة كل ما هو فلسطيني أو يدافع على فلسطين. فكيف تعمل الآلة الإسرائيلية على تثبيت دعائم هذه البروباغندا داخل وخارج إسرائيل؟ للإجابة على هذا التساؤل يمكن أن نقارب بعض ركائز هذه الإكسنوفونيا ومن الركائز الأساسية يمكن أن نسرد : نموذج الضحية وأسطورة السلام والتعايش وأسطورة الديمقراطية وأسطورة الدفاع عن النفس.فيما يخص أسطورة “الضحية” فإسرائيل تقدم نفسها على أنها “ضحية” جميع” الحركات الرديكالية والمتطرفة” كما يسميها منظروا إكسنوفوبيا فلسطين.

وهذه الحركات تتخذ جميع الأشكال الممكنة فهي تارة “إسلامية”- “إرهابية”-“ضد السامية”-“مقاومة”-انتحارية”-“متطرفة”-“أصولية”- “إيرانية”- شيوعية – “شعبية”- “شيعية”…

ولتيقنها بأنها أولى الضحايا والضحية المفضلة فإن دولة إسرائيل تستثمر في جميع المجالات لمناهضة هذه الحركات كالمجالات الاستخباراتية والمجالات العلمية والمجالات الإعلامية والمجالات الثقافية ….أما أسطورة السلام والتعايش فلا سلام إلا سلام إسرائيل ولا تعايش إلا تعايش إسرائيل. فهي المنظومة التي تأثث وتحكم السلام وكل ما يمكن أن يقترحه الآخر ومفهوم الآخر عند إسرائيل والذي يحيل أساسا على فلسطين ومن يقف في صفها أضحى عداء وظلما وجورا في حق “الضحية” إسرائيل. إنها “ضحية تاريخية” أما فلسطين فهي “ضحية ظرفية” وجب عليها قبول السلام والتعايش لكي يجبر ضرر “الضحية”.

فيظهر أن على فلسطين أن تتقمص دور “ضحية الضحية” دون أن تحرك ساكنا أو تصدر صوتا أو أنينا.

كل ما تريده “الضحية” فهو صواب لأنه يدخل في إطار التعويض عن الحرمان وجبر الضرر.

وهل فلسطين هي المجرم ؟ أهي من ألحق الضرر بإسرائيل؟ وهل إسرائيل هي” ضحية” فلسطين؟ فماذا لو عكسنا هذه الأسئلة؟ ما إمكانية السلام والتعايش؟ في سياق هذه التساؤلات القديمة، الجديدة، المتجددة، ترتدي بروباغندا العداء للآخر “فلسطين” رداء وقناع الديمقراطية. فنسمع من داخل ومن خارج محيط إسرائيل إن هذه الأخيرة تشكل النموذج الأسمى للديمقراطية بالمنطقة. فكيف لها ذلك وهي تنفي جميع مقومات الديمقراطية وحق الحياة على الآخر.

فالإسرائيلي له الحق في اختيار ممثليه كانوا رجال دين متطرفين-ليبراليون-يمينيون-يساريون-شيوعيون… وله الحق كذلك في التمدرس والسكن والتنقل.أما الآخر الفلسطيني فلا حق له في اختيار ممثليه فإذا تم له ذلك وجب على اختياراته أن تلائم تطلعات “الضحية” التي لا ترى لديمقراطية فلسطين إلا ذلك الوجه الذي يفي بحقوقها في التحكم في الشؤون الداخلية والخارجية لفلسطين.

إنها تريدها “ديمقراطية بالتفويض فممثلو الشعب الفلسطيني هم في الأصل ممثلو تطلعات إسرائيل فإذا لم يلتزموا بدورهم وجب إزاحتهم بجميع الأشكال الممكنة : قتل وخطف واغتيال وتسميم وتفجير وسجن وترحيل…وأخيرا تبقى أسطورة الدفاع عن النفس هي الأكثر تجسيدا لإكسنوفوبيا فلسطين لأنها تكشف الجانب النفسي والتشنجي لهذه المنظومة الفكرية حيث تتجلى عقدة الآخر وذلك من خلال تنصيبه في وضع ومكانة” العدو” “المهاجم” “الإرهابي” المستبسل.

فكل أشكال مقاومته ودفاعه تصنف على أنها هجوم وتعدي على إسرائيل وتهديد لسلمها وأمنها فهي “إرهاب وخرق لكل المواثيق الدولية لحسن الجوار والتعايش”ويخيل للمرء أن “الضحية” هي التي لها الشرعية المطلقة واللامتناهية في التقتيل والترويع والوحشية لأنها تدافع عن نفسها. وكأن الدفاع عن النفس لا يستتب إلا باستعمال الأسلحة المحظورة والغازات السامة والحارقة بل وتجربة بعض الأسلحة الأمريكية على “ضحية الضحية”. فتعدو فلسطين المحاصرة كمختبر للتجارب والفلسطينيين بمثابة “كوباي”.عن أي دفاع عن النفس تتحدث إسرائيل وأي سلام يراود مناصريها والمطبعين معها؟ إن منطق كل فكر يحب ويحترم الإنسان لا يمكن إلا أن يرفض هذه الإكسنوفوبيا بعيدا عن الحسابات الدبلوماسية والسياسية و الإستراتيجية والدينية والعرقية.

فبين الدمار والإبادة والمقاومة تبقى أشلاء وجثت أطفال ونساء وشيوخ ومدنيو غزة مدخلا لا إنسانيا للقرن الواحد والعشرين. ولكي يتيقن كل من يحب ويقدر العنصر البشري أن إسرائيل تجسد بسلوكاتها نوعا متشنجا لمرض العداء للآخر والإكسنوفوبيا المرضية أورُهاب وفوبيا فلسطين «Palestinophobie ».

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى