المجلس الوطني لحقوق الإنسان يقدم مذكرة شاملة لتعزيز تنظيم الصحافة بالمغرب

الرباط، 16 شتنبر 2025
في خطوة هامة نحو تطوير المشهد الإعلامي بالمغرب، قدم المجلس الوطني لحقوق الإنسان مذكرته حول مشروع القانون رقم 026.25 المتعلق بإعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة. جاءت هذه المذكرة استجابة لطلب رأي تلقاه المجلس من رئيس مجلس النواب بتاريخ 16 يوليوز 2025. وتهدف المذكرة إلى تعزيز وتطوير التجربة المغربية في مجال التنظيم الذاتي للصحافة والنشر، مرتكزة على إطار مرجعي يضم الدستور والمواثيق الدولية التي صادقت عليها المملكة المغربية، خاصة المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، بالإضافة إلى استحضار التجارب المقارنة في هيئات التنظيم الذاتي لمهنة الصحافة.
مبادئ مؤطرة وتوصيات دقيقة
خلص المجلس في مذكرته إلى أن هيئات التنظيم الذاتي لمهنة الصحافة تنتظم، فيما يخص تركيبتها وطريقة اختيار أعضائها وصلاحياتها، وفق خمسة مبادئ أساسية هي: حرية التعبير، التمثيلية، التعددية، الاستقلالية، والشفافية. وقد عمل المجلس على تحليل مقتضيات مشروع القانون رقم 026.25 في ضوء هذه المبادئ الخمسة.
ملاحظات ومقترحات المجلس من حيث الشكل والمضمون:
من حيث الشكل، أوصت المذكرة بـ:
• إدراج ديباجة للنص تؤطر مشروع القانون بمقتضيات الدستور والمواثيق الدولية المتعلقة بحرية التعبير والصحافة.
• إعادة بناء هيكلة النص لضمان تسلسل منطقي لمحاوره.
• تعريف بعض المفاهيم الأساسية مثل “الخطأ المهني” و”أخلاقيات المهنة” لتجنب التأويل الفضفاض.
• أهمية مناقشة مشروع القانون بشكل متزامن مع إصلاح باقي القوانين المكونة لمدونة الصحافة والنشر لضمان التقائيتها وانسجامها.
أما من حيث المضمون، فتضمنت مذكرة المجلس توصيات تهم:
• توضيح الطبيعة القانونية للمجلس الوطني للصحافة بما يعزز اختصاصاته ويضمن حقوق العاملين به.
• ترسيخ الاستقلال المؤسساتي والوظيفي للمؤسسة والفصل بين هيئتي التسيير الوظيفي وهيئة البت في القضايا المرتبطة بالأخلاقيات.
• تعزيز التوازن في تركيبة المجلس وتمثيلية فئتي الناشرين والصحفيين، مع الدعوة إلى اعتماد صيغة توازن ثلاثي صريح.
• تعزيز التمثيلية النسائية برفع العتبة الجندرية إلى 40% كحد أدنى داخل كل فئة، وعدم حصرها في ممثلي الصحافيين فقط.
• إدماج المنصات الرقمية والأشكال الجديدة للإعلام في مفهوم الصحفي والناشر.
• إحداث آلية للتدخل الاستعجالي في حالات التجاوزات الجسيمة كخطاب الكراهية أو التحريض على التمييز.
• تعزيز الإطار الحمائي للحقوق الدستورية للصحافيين خاصة فيما يتعلق بالسلطة التأديبية للمجلس، بما يكفل ضمان مبادئ التناسب والضرورة والتدرج.
• ضبط المسطرة التأديبية وضمانات “المحاكمة العادلة”، بما في ذلك ضمانات استقلال اللجنة التأديبية عن أجهزة المجلس، وفصل الوظائف داخل المسطرة التأديبية، وتقوية ضمانات الدفاع والمؤازرة.
• ضبط الطبيعة القانونية للأفعال التأديبية وتأطير مبدأ التناسب في العقوبات.
• منح الطعن القضائي أثراً موقفاً تلقائياً في القرارات التأديبية.
• تجنب ازدواجية العقوبات بين المسطرتين التأديبية والقضائية.
• حذف عقوبة توقيف إصدار المطبوع الدوري أو الصحيفة الإلكترونية وحجب الصحف والمواقع الإلكترونية، وحصر هذا الاختصاص في السلطة القضائية مع اعتباره استثناءً مشروطاً.
توصيات عامة لتعزيز حماية الحق في حرية التعبير
إضافة إلى التوصيات الخاصة بمواد مشروع القانون، تتضمن المذكرة 10 توصيات عامة، من أبرزها:
1. الحاجة إلى اعتماد قانون لتداول المعلومات كضرورة تشريعية ملحة لدعم حرية الصحافة والنشر.
2. تقليص التدخل التشريعي في مجال الصحافة وتغليب منطق التنظيم الذاتي.
3. حتمية توسيع نطاق حرية التعبير من حرية الصحافة إلى حرية الميديا، لاستيعاب المنصات الرقمية وأشكال الإعلام الجديدة.
4. دعم استقلالية المقاولات الصحفية اقتصادياً كمدخل لتعزيز حرية التعبير.
5. مناهضة خطاب الكراهية في إطار التنظيم الذاتي ووفقاً للمعايير الحقوقية.
6. إلغاء القوانين الجنائية المتعلقة بالتشهير واستبدالها بقوانين مدنية منسجمة مع المعايير الحقوقية.
7. إرساء مبدأ مسؤولية المستشهر وإعداد ميثاق خاص بأخلاقيات الإشهار.
منهجية إعداد المذكرة والتزام المجلس
لإعداد هذه المذكرة، قام المجلس الوطني لحقوق الإنسان طيلة شهر كامل بالاطلاع على جميع المواقف المعبر عنها بشأن مشروع القانون ودراستها. كما استمع بشكل مباشر للفاعلين المعنيين، ونظم 8 جلسات استماع وتفاعل خاصة، بالإضافة إلى مائدة مستديرة حضرها مهنيون وإعلاميون وخبراء ومستقلون. وقد حرص المجلس على دعوة كافة الهيئات المهنية والنقابية واللجنة المؤقتة لتسيير شؤون قطاع الصحافة والنشر ووزارة الشباب والثقافة والتواصل. وبالرغم من التقاطب الحاد في وجهات النظر بين الهيئات المشاركة، فقد حرص المجلس على تمكين الجميع من إبداء آرائهم، بما ينسجم مع دوره كمؤسسة وطنية تعددية ومستقلة.
ويأسف المجلس لعدم تمكين أعضاء مجلس النواب من الاطلاع على المذكرة قبل وأثناء مناقشة مشروع القانون 026.25 والتصويت عليه. ومع ذلك، يرى المجلس أن الفرصة لا تزال سانحة أمام مجلس المستشارين للاطلاع على توصياته في سياق مناقشة مقتضيات مشروع القانون، مؤكداً التزامه بمهامه في نطاق الصلاحيات الموكلة إليه.