المعرض الجهوي للاقتصاد الاجتماعي والتضامني: وجدة تحتفي بالتنمية المستدامة

في قلب مدينة وجدة، عاصمة الشرق المغربي، تنبض الحياة الاقتصادية والاجتماعية بإيقاع التضامن والإبداع خلال النسخة السادسة من المعرض الجهوي للاقتصاد الاجتماعي والتضامني، الذي يُقام من 23 إلى 27 مايو 2025. تحت شعار “الاقتصاد الاجتماعي والتضامني رافعة أساسية لتنمية شاملة ومستدامة”، يتحول هذا الحدث إلى منصة حيوية تجمع بين الفاعلين المحليين والدوليين لعرض المنتجات المجالية المبتكرة، وتعزيز التواصل، ودعم التنمية المستدامة، في إطار يعكس روح التضامن والمسؤولية الاجتماعية.
فضاء للتضامن والإبداع
يُنظم المعرض، برعاية صاحب الجلالة الملك محمد السادس، من قبل مجلس جهة الشرق بالتعاون مع وزارة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني، ويمتد على مساحة 8000 متر مربع تضم 270 رواقًا يشارك فيها أكثر من 540 عارضًا من تعاونيات وجمعيات ومقاولات. هؤلاء العارضون، الذين يمثلون مختلف أقاليم جهة الشرق، يجسّدون روح الاقتصاد التضامني من خلال منتجاتهم المحلية التي تجمع بين الأصالة والابتكار. من مسحوق نوى التمر وبديل السكر من تمور أزّوز، إلى مستحضرات التجميل المستخلصة من هلام الحلزون والزيوت الطبيعية، يعكس المعرض قدرة المجتمعات المحلية على استثمار مواردها الطبيعية بطرق مبتكرة تُسهم في التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
هذه المنتجات ليست مجرد سلع تُعرض للبيع، بل هي قصص نجاح لتعاونيات مثل “حالز الحوز” التي تستغل هلام الحلزون لإنتاج مستحضرات تجميل تعالج مشاكل البشرة وتُجدد الخلايا، أو تلك التي تُبدع في تقديم “زيت المعجزة” المكون من سبعة زيوت طبيعية. هذه المبادرات تُبرز دور الاقتصاد الاجتماعي في تمكين النساء والشباب، وخلق فرص عمل مستدامة، مما يعزز النسيج الاجتماعي ويُقلل من الفوارق الاقتصادية.
الثقافة والتكوين: أبعاد تنموية شاملة
لا يقتصر المعرض على العرض التجاري، بل يتجاوزه ليصبح فضاءً ثقافيًا وتكوينيًا متكاملًا. من خلال برنامج موازٍ يتضمن ندوات فكرية وورشات تكوينية، يسعى المعرض إلى بناء قدرات الفاعلين في القطاع وتعزيز مهاراتهم. كما يُخصص المعرض فضاءات للموروث الثقافي المحلي، وسهرات فنية تحتفي بالتراث الشرقي الأصيل، مما يعكس التزامه بإبراز الهوية الثقافية كجزء لا يتجزأ من التنمية الشاملة.
في خطوة طموحة، يُخطط المعرض لإنشاء أكاديمية جهوية للاقتصاد الاجتماعي والتضامني، تهدف إلى تكوين متخصصين قادرين على قيادة هذا القطاع نحو آفاق أوسع. هذه المبادرة تُؤكد أن التنمية المستدامة لا تقتصر على الجوانب الاقتصادية، بل تشمل بناء رأس المال البشري وتمكين الأفراد من أدوات المعرفة والابتكار.
تنمية مستدامة: رؤية تضامنية
يُشكل المعرض نموذجًا حيًا لكيفية تحقيق التنمية المستدامة من خلال الاقتصاد الاجتماعي والتضامني. بتثمين المنتجات المجالية، مثل العسل المحلي ومشتقات السدر، يُساهم المعرض في الحفاظ على الموارد الطبيعية وتعزيز الاقتصاد المحلي. كما أن مشاركة دول إفريقية ومؤسسات دولية تُبرز البعد العالمي لهذا الحدث، وتؤكد أن التضامن لا يعرف حدودًا جغرافية.
في زمن تتزايد فيه التحديات الاقتصادية والاجتماعية، يأتي المعرض ليؤكد أن الحلول المستدامة تكمن في تعزيز التضامن ودعم المبادرات المحلية. من خلال تمكين التعاونيات والجمعيات، وتوفير منصة لتسويق منتجاتها، يُسهم المعرض في خلق اقتصاد شامل يُعطي الأولوية للإنسان والبيئة.
خاتمة: وجدة منارة التضامن
في وجدة، حيث تلتقي الأصالة بالحداثة، يُشكل المعرض الجهوي للاقتصاد الاجتماعي والتضامني لحظة فارقة في مسار التنمية المستدامة. إنه احتفاء بالإبداع المحلي، وتكريم لروح التضامن التي تجمع المجتمعات. من خلال أروقته المزدحمة بالمنتجات المبتكرة، وفضاءاته الثقافية النابضة بالحياة، يبعث المعرض رسالة واضحة: الاقتصاد الاجتماعي ليس مجرد خيار، بل هو السبيل نحو مستقبل مزدهر وعادل للجميع. وجدة، بهذا الحدث، تُثبت أنها ليست فقط عاصمة الشرق، بل منارة للتضامن والتنمية في المغرب وخارجه.