حديقة أمساك: لوحة معمارية ومجتمعية تنبض بالجمال في قلب وجدة

وجدة يونيو 2025

حوار : ذة. منى مريمي

في حي الزيتون الهادئ بمدينة وجدة، تتربع حديقة أمساك كواحة خضراء تروي عطش السكان للجمال والراحة، وتجسد روح الإبداع المجتمعي. هذه المعلمة الفريدة، التي تحولت من أرض جرداء مهجورة إلى فضاء معماري يحمل عبق التراث الأندلسي، تقف شاهدة على عزيمة سكان الحي بقيادة الدكتور محمد القاسمي، أستاذ كلية الآداب بجامعة محمد الأول ورئيس جمعية أمساك. في هذا المقال، نستعرض رحلة هذا المشروع الجمالي المعماري، تحدياته، وطموحاته المستقبلية.

من أرض قاحلة إلى تحفة معمارية

قبل سنوات، كانت حديقة أمساك مجرد قطعة أرض مهملة، مرتعًا للمتسكعين والفوضى، مما أثار قلق سكان حي الزيتون. بدافع الحفاظ على الأمن، قررت جمعية أمساك، بقيادة الدكتور القاسمي، تحويل هذا الفضاء إلى حديقة نموذجية. وبدون أي دعم حكومي، اعتمدت الجمعية على مواردها الذاتية، ممولة من فائض أجور حراس الليل، لتسييج الحديقة وتهيئتها تدريجيًا.

اليوم، تُذهل الحديقة زوارها بتنظيمها الدقيق وجمالها البسيط. تتوسطها نافورة أندلسية أنيقة، تبرعت بها السيدة نجيدة هسي، إحدى سكان الحي، لتضفي لمسة تراثية تُعيد الذاكرة إلى الأفنية المغربية التقليدية. النافورة، التي أُعيد ترميمها بعد تضررها أثناء النقل، تتلألأ ليلاً بألوان مبهجة، مزينة بزليج مغربي أصيل. إلى جانبها، تُظلل الأشجار المورقة الممرات، مانحة الحديقة رونقًا طبيعيًا يتناغم مع الهدوء المحيط.

لمسة أندلسية في قلب وجدة

يتميز تصميم حديقة أمساك بطابع معماري مغربي أندلسي، يجمع بين البساطة والأناقة. النافورة المركزية، المحاطة بالأشجار، تُشكل نقطة جذب بصرية تُضفي إحساسًا بالرقي والإبداع. هذا التصميم، الذي يُعد نادرًا في أحياء وجدة السكنية، يعكس رؤية الجمعية لخلق فضاء ليس فقط للراحة، بل لتربية الأجيال على حب الجمال والبيئة. كما تُضيف الأعمدة الكهربائية المستوردة، التي تبرعت بها السيدة هسي، لمسة عصرية تتناغم مع الطابع التقليدي.

تحديات مستمرة وإرادة لا تلين

رغم جمال الحديقة، تواجه جمعية أمساك تحديات جمة. أولها التمويل، حيث تعتمد الجمعية كليًا على مواردها المحدودة، بينما فشلت طلباتها المتكررة للحصول على دعم من السلطات المحلية. كما أن تنوع آراء السكان يُشكل عائقًا، حيث يرفض البعض أفكارًا مثل إنشاء مكتبة أو ملعب أطفال خوفًا من الضوضاء أو بسبب رؤيتهم للحديقة كفضاء خاص بالحي.

البنية التحتية تُشكل تحديًا آخر، فالأراجيح مُعطلة لأسباب تتعلق بالسلامة، وفكرة حفر بئر لري الحديقة لم تتحقق بسبب التكلفة الباهظة التي تُقدر بحوالي 300 درهم للمتر. كما أن مقترح تبليط الحديقة ومحيطها، مع مساهمة الجمعية بنسبة 50%، لم يلقَ تجاوبًا من السكان بعد. إضافة إلى ذلك، لم تتحقق أحلام تنظيم فعاليات ثقافية مثل عروض مسرحية أو إفطار جماعي في رمضان بسبب نقص التمويل والكادر البشري.

رؤية مستقبلية: واحة للجميع

تتجاوز طموحات جمعية أمساك حدود الحديقة لتشمل تحسين جودة الحياة في حي الزيتون بأكمله. تطمح الجمعية إلى إنشاء ملعب مصغر للأطفال، مكتبة للطلبة، واستضافة فعاليات ثقافية وترفيهية تعزز الانتماء المجتمعي. كما تسعى إلى تعبيد طرق الحي، تحسين إنارته ونظافته، وزيادة عدد الحراس لضمان الأمن.

على الرغم من التحديات، يؤمن الدكتور القاسمي بمستقبل واعد للحديقة، قائلاً: “غادي تمشي بعيد، لأننا انطلقنا من لا شيء لهذا الجمال كله”. وتظل الحديقة رمزًا للتعاون المجتمعي، إذ تُرحب بالزوار من أحياء بعيدة، مؤكدة أنها “متنفس للكل”.

نموذج للأحياء المغربية

تُعد حديقة أمساك نموذجًا ملهمًا لكيفية تحول فضاء مهجور إلى معلمة جمالية ومجتمعية بجهود ذاتية. إنها دعوة لتكرار هذه التجربة في أحياء المغرب، لخلق فضاءات خضراء تُعزز الجمال البيئي وتربي الأجيال على احترام الطبيعة بعيدًا عن إدمان الشاشات. تُجسد هذه الحديقة رؤية معمارية تجمع بين التراث والحداثة، وروحًا مجتمعية تتحدى الصعاب لتصنع الجمال من العدم.

شكر خاص
نتقدم بالشكر الجزيل للدكتور محمد القاسمي على قيادته الملهمة لهذا المشروع، ولجميع أعضاء جمعية أمساك وسكان حي الزيتون الذين ساهموا في تحويل حديقة أمساك إلى واحة مجتمعية تُشع بالجمال والأمل.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!