الاقتصاد الاجتماعي والتضامني: رافعة للتحول الشامل ومحرك للتنمية المستدامة في المغرب

بقلم: فريق التحرير
بالاستناد إلى رؤى الدكتور عادل راشدي
في سياق النقاشات الأكاديمية والمجتمعية حول النموذج التنموي الجديد في المغرب، برز الاقتصاد الاجتماعي والتضامني كقطاع استراتيجي يتجاوز دوره التقليدي كأداة لإصلاح الأزمات، ليصبح محركًا حقيقيًا للتحول الشامل على المستويات الاقتصادية، الاجتماعية، والبيئية. وفي هذا الإطار، قدم الدكتور عادل راشدي، أستاذ باحث بجامعة محمد الأول ومنسق الندوة الدولية السنوية حول الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، رؤية شاملة تؤكد أهمية هذا القطاع كفاعل مدني ومجتمعي، مشددًا على دوره في تحقيق التنمية المستدامة وتعزيز العدالة الاجتماعية.
الاقتصاد الاجتماعي والتضامني: من الإصلاح إلى التحول
يُعرف الاقتصاد الاجتماعي والتضامني بأنه ليس مجرد “اقتصاد جبر أو تعويض”، بل قطاع يمتلك القدرة على إحداث تغيير نوعي في النسيج الاقتصادي والاجتماعي. يعتمد هذا القطاع على مبادرات القرب والمبادرات المحلية، مستندًا إلى قيم التضامن، العدالة، التعاون، والديمقراطية، التي تجعله شريكًا طبيعيًا لأهداف التنمية المستدامة. ويُسهم بشكل مباشر في تحقيق ثمانية أهداف تنموية، تشمل العمل اللائق، الاستهلاك المسؤول، التعليم، الصحة، الحد من عدم المساواة، التكيف مع التغيرات المناخية، والمساواة بين الجنسين.
في سياق المغرب، يقترح النموذج التنموي الجديد اعتبار الاقتصاد الاجتماعي “طريقًا ثالثًا”، أي قطاعًا اقتصاديًا قائمًا بذاته، قادرًا على مواجهة التحديات الاجتماعية والبيئية بمقاربة شمولية. وقد عززت أزمة كوفيد-19 من أهمية هذا القطاع، حيث أظهرت الحاجة إلى نموذج تنموي يوازن بين العدالة الاجتماعية والاستدامة.
الشبكة المغربية: فاعل مدني وإقليمي
تلعب الشبكة المغربية للاقتصاد الاجتماعي والتضامني دورًا محوريًا كفاعل مدني وإقليمي، حيث تربطها شراكات قوية مع الجامعات، الباحثين، المؤسسات الرسمية، وبرامج التعاون الدولي. وتُعد هذه الشبكة منصة حيوية لتنسيق الجهود وتعزيز المبادرات المحلية، خاصة في المنطقة الشرقية، التي تشهد مبادرات مثل الشراكة مع “ريميس” لإنشاء حاضنة أعمال بالمدرسة الوطنية للتجارة والتسيير بوجدة، إلى جانب تقديم شهادات متخصصة تهدف إلى تمكين الفاعلين الإقليميين.
تحديات هيكلية وشروط النجاح
على الرغم من الإمكانات الكبيرة للاقتصاد الاجتماعي، يواجه القطاع تحديات هيكلية تعيق تطوره. أبرزها الضبابية القانونية، حيث يفتقر المغرب إلى تعريف موحد وقانون شامل (مثل القانون رقم 4) يضمن الأمان القانوني للفاعلين. كما يعاني القطاع من ضعف الحوكمة، نقص التنسيق بين المتدخلين، وغياب صندوق تمويل موحد، إلى جانب ضعف تمويل البحث العلمي الذي يحد من فهم دقيق لاحتياجات القطاع.
لتحقيق التحول المنشود، يتطلب الأمر:
- رؤية استراتيجية توجه السياسات العامة وتحدد أولويات القطاع.
- إطار قانوني واضح يعزز الثقة ويوفر الأمان للفاعلين.
- تمويل مستدام عبر إنشاء صندوق موحد وتعزيز آليات المواكبة.
- هيئة استشارية تجمع الفاعلين المؤسسيين والمدنيين لضمان التنسيق.
- تطوير البحث العلمي لدعم اتخاذ قرارات مستنيرة.
جهود إقليمية ودور المنطقة الشرقية
على المستوى الإقليمي، تبرز المنطقة الشرقية كنموذج لتعزيز الاقتصاد الاجتماعي من خلال مبادرات مثل تنظيم ملتقيات ومعارض جهوية، وتطوير شراكات أكاديمية تهدف إلى بناء القدرات المحلية. وتُعد الجهوية المتقدمة إطارًا مثاليًا لترسيخ مبادرات القرب، حيث تُعتبر المنطقة فضاءً لتفاعل الفاعلين وتجسيد التميز الإقليمي، الذي يعتمد على دينامية الاقتصاد الاجتماعي.
نحو مستقبل مستدام
يُمثل الاقتصاد الاجتماعي والتضامني في المغرب فرصة حقيقية لتحقيق تنمية شاملة وعادلة، لكنه يتطلب إرادة سياسية قوية وإصلاحات هيكلية لتحقيق إمكاناته الكاملة. وفي هذا السياق، تُعد جهود الشبكة المغربية والمبادرات الإقليمية خطوات واعدة، شريطة أن تُدعم بسياسات واضحة وتنسيق فعال. إن هذا القطاع، بقيمه الإنسانية ونهجه التحويلي، يحمل مفتاح بناء مستقبل يجمع بين العدالة الاجتماعية والاستدامة البيئية.