العالم الإسلامي “ظاهرة صوتية” والمستقبل تخريب واسع

إدريس الأندلسي

لا أعرف كيف تم إتخاذ القرار بأنني وغيري من أبناء وطني وجيلي ومن سبقنا ننتمي إلى جسم وفضاء جميلين اسمهما الأمة العربية وقيل لي أنها أيضا إسلامية دون أن أدري، من قبل، أن العرب فيهم الامازيغ والاندلسيين والمسيحيين واليهود وغيرهم.

لم أفهم كثيرا هذه الخلطة رغم دراستي لأدب وشعر المهجر وآداب أخرى فارسية وتركية وغربية. كنت أعتبر ميخائيل نعيمة وجبران خليل جبران من أتباع الأزهر أوالزيتونة أو القرويين.

سافرت مع جبران من خلال رحلة اليسوع في كتاب النبي وكان سفرا ممتعا. وسحرني جمال السرد الأدبي المنفتح على الجمال وعلى الشك وعلى الخرافة والأحلام. زاد تعلقي بجبران إبداع الرحابنة بصوت فيروز وتخيلت نفسي في أعلى الجبل. تتكاثر الأسئلة حول الأسماء والحب والأولاد قبل أن تبحر السفينة. ويجيب “المصطفى “على لسان جبران خليل جبران: “أولادكم ليسوا لكم… أولادكم أبناء الحياة”. وعن المحبة يتواصل السرد حيث يبدع جبران بإسم المسيح ” لا تملك المحبة شيئا ولا تريد أن أحدا يملكها… لأن المحبة مكتفية بالمحبة”.

تذكرت كتاب النبي ومن خلاله أغنية “المصطفى” التي غنتها فيروز. الأمر يتعلق بسيرة المسيح كما جاءت في الاناجيل. والأهم من هذا السرد هوالقطيعة التي بناها ضد صور الحرب والقتل والدمار التي تتغنى بها التوراة. لنا القرآن برحمته وبعدله ولهم كتاب كله عذاب ومكر وإنتقام واستعباد وتنكر لكل قيم الرحمة والود والتراحم. الرحمان الرحيم جعل منا نسلا لآدم وقال ” لقد كرمنا بني آدم ” ولم يفرق بينهم.

ومن حق كل إنسان عادي مؤمن بالديانات السماوية أوكافر بها أن يتساءل عن هذا العنف الذي يسكن ذلك البشر الذي قيل أنه آمن بالله  ملائكته ورسله واليوم الآخر. علمنا كتابنا القرآن أننا أحرارا وغيرنا حر في معتقده وأن الله يهدي من يشاء. وخاطب ألله رسوله بلغة فيها الكثير من التوجيه الإيماني ” إنك لن تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء”.

هذه الحرية المطلقة التي تربينا على اسسها تناقض ما جاء في كتاب التوراة التي كتبه أفراد من قبائل تناقضوا فيما بينهم، فاعتقلوا من اعتقدوا أنه ” يهوه” أي ربهم وكتبوا بإسمه بداية الكون ونهايته وتحولت، حسب زعمهم، كل القوة الحاكمة لهم لأنهم نصبوا أنفسهم ” شعب ألله المختار”. وكل من يوهم نفسه مختارا لا يمكن أن يفلت من كل النزعات العنصرية. وهذا ما يتأكد اليوم من خلال قتل الأطفال والرضع والنساء والشيوخ في غزة . هل إختار الله شعبا لكي يرتكب الجرائم ضد الإنسانية بإسمه. لا وألف لا… الجريمة فعل إنساني ضد الإنسانية. ” من قتل نفسا بغير نفس فكأنما قتل الناس جميعا…” وهذا يحدث بغزة تحت أنظار عالم لا يعرف القيم ولا القانون الدولي . الدول التي تدعي الحضارة والتحضر هي التي صنعت الإستعمار ونهب الشعوب والأسلحة الفتاكة ومحاكم التزوير. وهذا يحدث في غزة.

ورغم التقدم العلمي وتطور الحضارات استمرت الأديان والايديولوجيات في النفخ في كائن مفترض لكي يسيطر على الأرض و ساكنيها ويطبق شرعا كتبه اجداده بإسم اله أوآلهة لكي يستعبد كل البشر الموجود على الأرض.

هكذا يفكر من يحتل أرض فلسطين وهكذا يؤمن به من يدعمونه في أوروبا وأمريكا وحتى بعض ازلامه في البلاد العربية. بعد قرون من سيطرة الغرب،ظهرت الحركة الصهيونية في أوروبا بدعم من اؤلئك الذين لا علاقة لهم مع اليهود.

هؤلاء كان وجودهم يجزع القارة الأوروبية بكل مكوناتها. وكل من فضح اللعبة الصهيونية التي سقط فيها النظام النازي والتي فضحها المؤرخون  من اليهود ومن غيرهم يصبح هدفا لشرورهم التي لا تنتهي. روجي غارودي فضح المستور وجابهه صهاينة فرنسا بكل غياب للحيادية العلمية في مجال البحث التاريخي الموثق جدا.

كثير من دول الغرب تخلط المفاهيم والأوراق والمصطلحات. إلى زمن غير بعيد كانت الأمم المتحدة تعتبر الصهيونية حركة عنصرية. تدخلت الولايات المتحدة وناورت لكي تتراجع الجمعية العامة للأمم المتحدة عن اعتبار الصهيونية عنصرية. وبدأ التاريخ يشهد مسرحية أبطالها دول الغرب وخدامها دول عربية أغلبها صنعت بعد اتفاقيات سايس بيكوونتائجها صنع سجن كبير للفلسطينيين ومسرح لقتل الرضيع والشيخ والمرأة. لعبت أمريكا دور راعي سلام كاذب في الشرق الأوسط ثم تحولت إلى راعية لهدم العراق وسوريا وليبيا ولا زالت تستهدف الخليج وثرواته.

دول العالم الإسلامي تتفرج بذهول وتدعو وتصلي من أجل احقاق الحق. لديها ترسانة عسكرية قيمتها مئات ملايير الدولارات وتتفرج ” بأسف ” على جرائم الصهيونية. مظاهرات مليونية أكثرها تأثيرا نظمت في أوروبا وأمريكا. والفلسطينيون  في غزة بكل ما يملكون. الغرب المنافق يتغنى بالقيم ولا يقول كلمة في حق آلاف القتلى من الأطفال. ألمانيا تحاسب كل عربي عبر عن قلقه جراء قتل المدنيين ولوكان مسالما ولوكان لاعب كرة قدم من النجوم. فرنسا التي كانت بلد الأنوار تكيل التهم لثاني فرنسي من أصل جزائري يتوج بالكرة الذهبية. ووزير داخليتها الولد الذي لم يكبر في ظل حزب يقدس حرية الرأي ويدافع عن المستضعف بسلاح كثير يموله الغرب لصالح الصهيونية يحرم الدفاع عن طفل فلسطيني مغتال لأنه غير صهيوني . رغم أنه أصوله غير فرنسية،ككثير من دعاة معاداة المهاجريين من العرب والامازيغ والأفارقة وغيرهم، فإنه لا يجد لذة أكبر من الهجوم على من هم ذوي جذور مثل التي تنكر لها. الفنان ” بن زيما” لقنه درسا في معاداة العنف والتطرف.

ويظل أبناء المقاومة شوكة في حلق الصهيونية التي تحتل فلسطين. يحملون في قلوبهم إيمانا بعدالة قضيتهم ويضحون بكل شيء لمحوالعار. الفلسطينيون يجمعون اليوم على أنهم يدعمون المقاومة وأكثر من 90% من سكان العالم يساند قضيتهم وحقوقهم في العيش بأمان على أرضهم. إسرائيل لا يهمها سلام ولا تعايش ولا عمل من أجل بناء شرق أوسط للعيش المشترك. ولكن الشعوب وخصوصا تلك التي تستهدفها هذه الحرب لن تقبل هيمنة إسرائيل. الشعوب المصرية والسورية واللبنانية والأردنية والخليجية هي أكبر القوات رفضا للصهيونية ولإرادة التوسع التي تنهجها إسرائيل برعاية غربية أوروبية وأمريكية. سوق وعلم السلاح يتطور بشكل سريع جدا ومدمر جدا في الغرب. يحددون من يشتري السلاح ويضعون الشروط على الجميع بإستثناء إسرائيل. كرمهم كبير إتجاه الصهاينة وخوفهم من ضغطها الكبير عليهم يجعلهم طوع ايديها. ولأن الضغط يولد الانفجار الأعظم، فلا ضمانة لأحد لكي يسيطر على الجميع. من سيضغط غدا على زر الأسلحة الواسعة الدمار سيقول ” علي وعلى أعدائي”. وبما ان عصر المسؤولين العالميين الحكماء قد ولى، فإن كل الاحتمالات واردة بما فيها التخريب الشامل. وقد ختم مظفر النواب قصيدته الشهيرة بأبيات قال فيها ” كوني عاقرة أي أرض فلسطين…. فهذا الحمل من الاعباء ثقيل ومخيف… ولا بد لهذه الأمة أن تتعلم درسا في التخريب “. أموال المسلمين تمول شركات عالمية وميزانيات دول كبرى وتستثمر رغم عنها في بلدان تكرههم. حتى وإن باعتهم أمريكا الطائرة ف 35 ، فلن تمكنهم من استعمالها كما يشاؤون والأمر كذلك بالنسبة للمعدات الأخرى. ولكن سلاح الضعيف خطير لأنه يصنع لمدة طويلة بعزم المظلوم وليس لصخب الظالم.  

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى