محسن الإكرامي يتغنى بشغف وإرادة محمد برادة: رحلة عطاء في خدمة الصحافة والثقافة

مكناس – 14 يونيو 2025
في إطار المؤتمر الجهوي لفرع الفيدرالية المغربية لناشري الصحف بجهة فاس-مكناس، المنعقد يومي 13 و14 يونيو 2025 بمكناس، ألقى الإعلامي والناقد محسن الإكرامي كلمة بليغة خلال الندوة التكريمية للأستاذ محمد عبد الرحمن برادة، بمناسبة توقيع كتابه “شغف وإرادة: رهان في الإعلام والثقافة والسياسة”. وصفت كلمته بأنها “شهادة واقفة”، عكست إعجابًا عميقًا بشخصية برادة المركبة، التي جمعت بين الشغف بالصحافة، الإرادة في تدبير المقاولات، والالتزام بالثقافة والوطن.
استهل الإكرامي كلمته معبرًا عن “الخوف الصامت” الذي انتابه عند الحديث عن شخصية بحجم برادة، واصفًا إياها بأنها “مركبة وتحمل النوعية والتراكم العملي والثقافي”. لكن “ابتسامة الرجل الفيضة وصرامة الملمح”، كما قال، زادته إصرارًا على تقديم شهادة تليق بمسيرة هذا الرائد. ركز الإكرامي على أبعاد متعددة لشخصية برادة، معتبرًا كتابه وثيقة تاريخية تتجاوز السيرة الذاتية لتشمل تقاطعات مع تاريخ المغرب الحديث.
تناول الإكرامي بدايات برادة، مشيرًا إلى ولادته في وجدة عام 1941، حيث تشبع بـ”قيم الوطنية والفضيلة” خلال دراسته في وجدة والرباط، وحصل على دبلوم اللغة العربية من معهد الدراسات العليا. وصف وجدة بأنها “رمز للفداء والاستشهاد” في معركة التحرير، مما شكل وعي برادة الوطني. بدأ برادة مسيرته المهنية مدرسًا للغة العربية في وجدة، حيث أظهر “الأستاذية والمهنية”، متميزًا بهدوئه الحكيم وتوازنه.
أكد الإكرامي أن اسم برادة اقترن بميلاد وتطور “سابريس”، التي وصفها بـ”مغامرة العمر”، و”الشكل الرائع لعشقه للصحافة والنشر”. تأسست “سابريس” عام 1977 بدعم أحزاب المعارضة (الاتحاد الاشتراكي، الاستقلال، التقدم والاشتراكية)، وتبنت شعار “جريدة لكل مواطن”. ساهمت في إصدار صحف مثل “المحرر”، “البيان”، و”العلم”، وكسرت احتكار التوزيع، مستفيدة من خبرة برادة التي صقلها بدورات تكوينية في الصحافة والاقتصاد والتدبير المقاولاتي. وأبرز الإكرامي دور “سابريس” كفضاء ثقافي احتضن لقاءات فكرية، ووزع كتبًا بارزة مثل “ذاكرة ملك”.
اعتبر الإكرامي كتاب “شغف وإرادة” “زكاة علم مستفيض”، يوثق لمسيرة عمر أغنت المكتبة الوطنية بالتنوع والتعددية. وصفه بأنه “تاريخ ذاتي” يتقاطع مع ذوات سياسيين وقادة وطنيين وكتاب، مما يمنحه بعداً وطنياً. حلل عنوان الكتاب، موضحًا أن “الشغف” يعبر عن “الحماس الشديد والحب الأقصى”، بينما “الإرادة” هي “التصميم الواعي” لتحقيق الأهداف. وأشار إلى أن الكتاب لا يغطي كامل مسيرة برادة، بل يقدم “لمحات” من حياته المهنية والشخصية، مرتبطة بمراحل تاريخية حاسمة في المغرب.
تطرق الإكرامي إلى اهتمامات برادة المتعددة، التي شملت تطوير الإعلام العمومي وتنظيم المهنة، إلى جانب دوره في اتحاد الموزعين العرب، حيث امتدت علاقاته إلى المغرب العربي وأوروبا. كما أشار إلى شغف برادة بمدينة مكناس، الذي يشترك فيه مع عبد اللطيف الشرايبي، مما يعكس ارتباطه بالهوية المحلية. ولم يغفل الإكرامي الإشارة إلى إسهامات برادة الرياضية، خاصة كرئيس سابق للجامعة الملكية المغربية لكرة السلة.
أشاد الإكرامي بتكريم برادة، الذي حصل على الجائزة الوطنية الكبرى للصحافة عام 2003، ووسام ملكي عام 2004. واختتم كلمته بوصف شعري مؤثر: “يا من ملكت القلوب دون سطوة ملك وابتسامتك للناس تنسيهم كل ضيق، سخرت عمرك للخير حباً ووعداً فصرت مناراً وفكراً ومثالاً في الطريق”. وأضاف: “رضى عليك السيد محمد عبد الرحمن برادة ترضى عليك أمة الصحافة والإعلام والثقافة ومقاولات النشر والتوزيع بالإجماع”، معبرًا عن تقدير جماعي لإرثه.
كلمة محسن الإكرامي لم تكن مجرد شهادة، بل تحليل عميق لمسيرة محمد برادة كرائد في الصحافة والثقافة. من خلال “سابريس” وكتاب “شغف وإرادة”، ترك برادة إرثًا يجمع بين الحب للوطن، الإرادة في التغيير، والالتزام بالتعددية. شهادة الإكرامي عززت مكانة الكتاب كوثيقة تاريخية، ودعت الأجيال الصحفية لاستلهام قيم الشغف والإرادة في مواجهة تحديات الإعلام المعاصر.