شغف وإرادة: تكريم محمد برادة في كلمة محمد شوقي بمؤتمر فاس-مكناس

مكناس – 14 يونيو 2025
في إطار المؤتمر الجهوي لفرع الفيدرالية المغربية لناشري الصحف بجهة فاس-مكناس، المنعقد يومي 13 و14 يونيو 2025 بمكناس، ألقى السيد محمد شوقي، عضو مجلس رئاسة الفيدرالية ومدير النشر السابق لجريدة “الاتحاد الاشتراكي”، كلمة مؤثرة خلال ندوة تكريمية للصحفي المخضرم محمد عبد الرحمن برادة، بمناسبة توقيع كتابه “شغف وإرادة: رهان في الإعلام والثقافة والسياسة”. وصفت الكلمة، التي عكست قرب شوقي من برادة كـ”رفيق درب”، مسيرة الأخير كرمز للشغف والإرادة في خدمة الصحافة الوطنية.

استهل شوقي مداخلته بالإشادة بكتاب “شغف وإرادة”، واصفًا إياه بـ”شيّق وممتع”، ومصنفًا ضمن كتب المذكرات التي توثق مسارًا مهنيًا وحياتيًا متعدد الأبعاد. يروي الكتاب رحلة برادة من وجدة إلى الدار البيضاء، مرورًا بعواصم عالمية مثل القاهرة وباريس، ليعكس تجربة عصامية ارتبطت بتطور الصحافة المغربية منذ الاستقلال. وأكد شوقي أن الكتاب لا يقتصر على سرد شخصي، بل يكشف عن “مرحلة تاريخية متميزة” شهدت إنجازات كبرى في المشهد الإعلامي.

تناول شوقي بدايات برادة في التعليم، حيث عمل مدرسًا للغة العربية، ثم دخوله عالم الصحافة بكتابة مقالات في جريدة “المحرر” تحت اسم مستعار “أبو دبيلة”. لكنه أشار إلى تجربة برادة في شركة “سوسبريس” كمحطة حاسمة. وصف برادة هذه الشركة، الموروثة من الحقبة الاستعمارية، بأنها خدمت الصحافة الأجنبية على حساب الوطنية، مما أثار صراعًا داخليًا بين قيمه الوطنية وواقع الشركة. هذا الصراع، كما أوضح شوقي، دفع برادة لترك “سوسبريس” والشروع في تأسيس “سابريس”.

أبرز شوقي تأسيس “سابريس” عام 1977 كـ”مغامرة العمر”، التي بدأت بإمكانيات متواضعة من “جراج”، لكنها تحققت بشراكة مع أبرز مكونات الصحافة الوطنية مثل “المحرر”، “ليسيوم”، “البيان”، و”العلم”. وتحت شعار “جريدة لكل مواطن”، ساهمت “سابريس” في مضاعفة مبيعات الصحف الوطنية، ودعم القراءة، ونشر اللغة العربية. كما وسعت توزيع الصحف العربية، مثل الجرائد العراقية والكويتية، ونجحت في إيصال الصحافة إلى الأقاليم الصحراوية رغم التحديات.

وأشاد شوقي بدور برادة في تشجيع الصحافة المستقلة، رغم تأسيس “سابريس” بدعم الصحافة الحزبية. لكنه أعرب عن أسفه لتأثير إنشاء بعض الصحف لشركات توزيع خاصة على “سابريس”. وأضاف أن الشركة لم تكن مجرد مؤسسة تجارية، بل فضاءً ثقافيًا احتضن ندوات ووزع كتبًا بارزة مثل “ذاكرة ملك”، مما عزز دورها في التنوير الثقافي.

لم يقتصر طموح برادة على التوزيع، كما أوضح شوقي، بل امتد إلى تطوير الإعلام العمومي وتنظيم المهنة. قدم برادة مقترحات لتحسين الصحافة في العهد الجديد، لكنها ظلت حبرًا على ورق. كما لعب دورًا في اتحاد الموزعين العرب، ممتدًا بعلاقاته إلى المغرب العربي وأوروبا. وأكد شوقي أن برادة كان يتحرك على “جبهات” متعددة: التوزيع، الإعلام، الثقافة، وحتى الرياضة، حيث كان رئيسًا سابقًا للجامعة الملكية المغربية لكرة السلة.

في تحليل للواقع الإعلامي، أشار شوقي إلى “تردي” المشهد الحالي مقارنة بالمرحلة التاريخية التي وثقها برادة. ودعا إلى استخلاص دروس من تجربته، خاصة “الشغف والإرادة” اللذين أسسا “سابريس” وجعلاها رمزًا للالتزام الوطني. كما دعا الدولة إلى دعم الكفاءات بدلاً من “البراقشية”، واصفًا كتاب برادة بـ”ذاكرة متحركة ومرجع” يستحق القراءة.

كلمة محمد شوقي لم تكن مجرد إشادة بصديق، بل تكريمًا لرمز صحفي ساهم في تشكيل هوية الصحافة المغربية. من خلال “شغف وإرادة”، يترك برادة إرثًا يلهم الأجيال لمواجهة تحديات الإعلام الرقمي بالتزام وطني وأخلاقي، فيما يظل كتابه وثيقة حية لمرحلة ذهبية من تاريخ المغرب الحديث.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!