الشراكة الاستراتيجية بين جنوب إفريقيا والمغرب: رؤية لوحدة إفريقية وتحرر اقتصادي

توصلنا من الاستاذ عبدالعزيز سارت مشكورا بوثيقة في غاية الاهمية عبارة عن بيان يعكس رؤية طموحة قدمها حزب أومخونتو وي سيزوي (MK Party) في جنوب إفريقيا، حيث تبرز الشراكة الاستراتيجية بين جنوب إفريقيا والمملكة المغربية كحجر زاوية لتعزيز الوحدة الإفريقية، السيادة، والتحرر الاقتصادي.

هذه الشراكة، حسب ما جاء في البيان، تتمركز على نضالات تاريخية مشتركة، قيم متشابهة، ومصالح جيوسياسية متبادلة، تهدف إلى إعادة تعريف التعاون داخل القارة الإفريقية، مقدمة نموذجًا لكيفية تعامل الدول الإفريقية مع تحدياتها وتطلعاتها بشكل جماعي.

يوضح بيان الحزب، المفصل في الوثيقة المقدمة، إمكانات هذا التحالف لتحقيق نتائج سياسية واقتصادية وثقافية تحويلية، مع اتخاذ موقف واضح بشأن قضايا حساسة مثل نزاع الصحراء الغربية. فيما يلي تحليل عميق لهذه الرؤية، مؤطر كتعليق سياسي واستراتيجي.

الأسس التاريخية والأيديولوجية المشتركة

تستند رؤية حزب أومخونتو وي سيزوي للشراكة بين جنوب إفريقيا والمغرب إلى التاريخ المشترك في النضال ضد الاستعمار والسعي لتحقيق السيادة الوطنية. واجهت كلتا الدولتين الاستعمار – جنوب إفريقيا من خلال كفاحها ضد الفصل العنصري، والمغرب ضد الهيمنة الفرنسية والإسبانية. تسلط الوثيقة الضوء على الدور المحوري للمغرب في دعم حركة التحرر في جنوب إفريقيا، مشيرة إلى أن المغرب كان أول دولة تقدم دعمًا ماليًا وعسكريًا لحزب أومخونتو وي سيزوي في عام 1962. هذا التضامن التاريخي يشكل أساسًا أخلاقيًا وأيديولوجيًا لهذا التحالف المقترح، حيث يصوره الحزب كاستمرار للالتزام المشترك بالتحرر الإفريقي والكرامة.

تشمل القيم الأساسية التي تدعم هذه الشراكة السيادة، الوحدة الترابية، الوحدة الإفريقية، ومناهضة الاستعمار. يؤكد الحزب أن كلا البلدين يتشاركان التزامًا “مقدسًا” بالدفاع عن الوحدة الترابية، وهو مبدأ له صدى قوي في جنوب إفريقيا، حيث حاولت قوى داخلية تاريخيًا تقويض الوحدة الوطنية. وبالمثل، فإن جهود المغرب لاستعادة وحدته الترابية، خاصة في سياق الصحراء الغربية، تتماشى مع موقف الحزب بشأن الحفاظ على سيادة الدول الإفريقية. هذا التوافق ليس مجرد خطاب؛ بل يُعتبر ضرورة استراتيجية لمواجهة الأجندات الخارجية التي تسعى إلى زعزعة استقرار القارة من خلال الانفصال والتقسيم.

التوافق الجيوسياسي والقيادة الإفريقية

يضع حزب أومخونتو وي سيزوي كلًا من جنوب إفريقيا والمغرب كقادتين طبيعيتين في الدفاع عن مصالح إفريقيا على الساحة العالمية. كلا البلدين مساهمان رئيسيان في جهود حفظ السلام في إفريقيا ويتشاركان التزامًا بالدبلوماسية متعددة الأقطاب وإصلاح المؤسسات الدولية لتعكس الأصوات الإفريقية. تؤكد الوثيقة على مخاوفهما المشتركة بشأن الحركات الانفصالية المدعومة خارجيًا، التي تُعتبر تهديدًا لاستقرار القارة. من خلال تعزيز التعاون الدبلوماسي عبر إطار عمل مثل الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي، تهدف الشراكة إلى تعزيز مبدأ “الحلول الإفريقية للمشاكل الإفريقية”، وهو جوهر رؤية الاتحاد الإفريقي.

دعم الحزب لموقف المغرب بشأن الصحراء الغربية يُعد جانبًا حاسمًا من هذا التوافق الجيوسياسي. يؤيد الحزب مبادرة الحكم الذاتي التي اقترحها المغرب كحل “واقعي” و”عملي” للنزاع، معتبرًا أنها توازن بين مبادئ تقرير المصير والمطالب التاريخية والقانونية للمغرب بالمنطقة. تصف الوثيقة المسيرة الخضراء عام 1975 كعمل سلمي لإنهاء الاستعمار، متجذر في ولاء القبائل الصحراوية للعرش المغربي. من خلال الدعوة إلى تسوية تفاوضية تحت السيادة المغربية، يضع الحزب هذا الموقف كدفاع عن الوحدة الترابية الإفريقية، داعيًا المجتمع الدولي والدول الإفريقية لدعم اقتراح المغرب لإنهاء النزاع المطول وتعزيز الاستقرار الإقليمي.

التآزر الاقتصادي لتحقيق الازدهار القاري

اقتصاديًا، تُتصور الشراكة كمحفز للاعتماد الذاتي الإفريقي والتحرر الاقتصادي. جنوب إفريقيا، كأكبر مستثمر في القارة، والمغرب، ثاني أكبر مستثمر، يمتلكان نقاط قوة اقتصادية متكاملة يمكن أن تطلق “إمكانات تجارية هائلة” ضمن إطار منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية (AfCFTA). يتصور الحزب مشاريع مشتركة في البنية التحتية، الصناعة، الطاقة، الزراعة، السياحة، والتحول الرقمي، إلى جانب اتفاقية تجارة حرة ثنائية لتعميق العلاقات الاقتصادية. تهدف هذه المبادرات إلى خلق أسواق مستدامة، توفير فرص عمل، دعم الفئات المهمشة، ومعالجة قضايا الأمن الغذائي، خاصة من خلال تطوير الزراعة.

التركيز على التحرر الاقتصادي يعكس الهدف الأوسع للحزب المتمثل في تحرير الدول الإفريقية من الاعتماد الخارجي. من خلال الاستفادة من الوزن الاقتصادي المشترك لجنوب إفريقيا والمغرب، تسعى الشراكة إلى تعزيز الاكتفاء الذاتي وتقليل الاعتماد على المساعدات أو الاستثمارات الأجنبية. تتماشى هذه الرؤية مع أهداف منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية لتعزيز التجارة داخل القارة والتكامل الاقتصادي، مما يضع البلدين كرواد في بناء اقتصاد إفريقي أقوى وأكثر مرونة.

الجسور الثقافية والاجتماعية

إلى جانب السياسة والاقتصاد، يدعو حزب أومخونتو وي سيزوي إلى تبادلات ثقافية واجتماعية قوية لتعزيز العلاقات بين جنوب إفريقيا والمغرب. يُعتبر تنوع كلا البلدين ميزة لتعزيز الهوية الإفريقية المشتركة. تشمل المبادرات المقترحة تبادل الشباب، برامج تعليمية ذات توجه إفريقي، ومهرجانات ثقافية تحتفي بالتراث المشترك للقارة. تهدف هذه الجهود إلى تعزيز المصالحة التاريخية، تعميق التفاهم المتبادل، وتمكين شباب البلدين لقيادة النهضة الإفريقية.

خارطة طريق للتعاون

يحدد الحزب خارطة طريق شاملة لتفعيل هذه الشراكة الاستراتيجية، تشمل:

  1. التعاون الدبلوماسي: إنشاء أطر حوار لمواءمة المواقف ضمن الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي، لضمان صوت إفريقي موحد في القضايا العالمية.
  2. التنمية الاقتصادية: دعم المشاريع المشتركة في القطاعات الرئيسية وتوقيع اتفاقية تجارة حرة لتعزيز التكامل الاقتصادي.
  3. السلام والأمن: التنسيق بشأن الاستقرار الإقليمي، مكافحة الإرهاب، واستراتيجيات منع النزاعات لتعزيز الأمن القاري.
  4. التعليم والبحث: إطلاق مراكز فكرية وبرامج تبادل أكاديمي لتمكين الشباب وتعزيز الابتكار.
  5. الدبلوماسية الثقافية: تنظيم مهرجانات، تبادل المناهج التاريخية، ومبادرات لغوية للاحتفاء بالتراث الإفريقي.

الآثار على النهضة الإفريقية

يؤطر الحزب الشراكة بين جنوب إفريقيا والمغرب كـ”فصل محوري في النهضة الإفريقية”. من خلال البناء على التاريخ المشترك للتحرر، الاحترام المتبادل للسيادة، والالتزام بالوحدة الإفريقية، يُقدم هذا التحالف كنموذج لكيفية تعاون الدول الإفريقية لمعالجة تحدياتها بشكل مستقل. تركيز الشراكة على التحرر الاقتصادي، التوافق الجيوسياسي، والتبادل الثقافي يتماشى مع الأهداف القارية الأوسع لتقرير المصير، الاستقرار، والازدهار.

دعم الحزب الواضح لموقف المغرب بشأن الصحراء الغربية يؤكد على أولويته للوحدة الترابية كحجر زاوية للوحدة الإفريقية. من خلال الدعوة إلى حل يحترم سيادة المغرب مع معالجة تطلعات الشعب الصحراوي، يسعى الحزب إلى المساهمة في السلام الإقليمي ووضع سابقة لحل نزاعات مماثلة في القارة.

الخاتمة

الشراكة الاستراتيجية بين جنوب إفريقيا والمغرب، كما يتصورها حزب أومخونتو وي سيزوي، تمثل مخططًا طموحًا وجريئًا لتعزيز الوحدة الإفريقية والتحرر. من خلال الاستفادة من القيم المشتركة، الروابط التاريخية، ونقاط القوة المتكاملة، يهدف هذا التحالف إلى تعزيز مكانة إفريقيا الجيوسياسية، دفع الاعتماد الذاتي الاقتصادي، وتعزيز التضامن الثقافي.

ومع تنقل القارة في المشهد العالمي المعقد، يمكن أن تكون هذه الشراكة منارة للوكالة الإفريقية، موضحة كيف يمكن لدولتين، موحدتين برؤية مشتركة، أن تقودا الطريق نحو إفريقيا أقوى وأكثر وحدة.

ندعى المجتمع الدولي، خاصة الدول الإفريقية، لدعم هذه المبادرة، مع الاعتراف بإمكاناتها لإعادة تشكيل مستقبل القارة “من قبل الأفارقة، ولأجل الأفارقة”.

MOROCCO-PARTNERSHIP

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!