ترشيح فلسطين التاريخي لرئاسة الجمعية العامة للأمم المتحدة: خطوة نحو العدالة أم رمزية سياسية؟

بغداد – 18 مايو 2025
في حدث يُوصف بالتاريخي، حظي ترشيح دولة فلسطين، ممثلة بمندوبها الدائم لدى الأمم المتحدة السفير رياض منصور، لرئاسة الدورة 81 للجمعية العامة للأمم المتحدة (2026-2027) بدعم عربي قوي خلال قمة جامعة الدول العربية في بغداد.

هذا الترشيح، الذي يُعد سابقة لدولة غير كاملة العضوية، يمثل لحظة فارقة في مسيرة النضال الفلسطيني لتثبيت حقوقه المشروعة على الساحة الدولية. لكن، وسط التحديات السياسية والعراقيل الدولية، يبقى السؤال: هل يمكن لهذا الترشيح أن يُحدث تغييرًا جوهريًا في مسار القضية الفلسطينية، أم أنه سيظل رمزًا دبلوماسيًا يُضاف إلى سجل الإنجازات الشكلية؟

يأتي هذا الحدث في سياق دبلوماسي متصاعد، حيث جددت الجمعية العامة في 10 مايو 2024 دعمها لطلب فلسطين الحصول على العضوية الكاملة بأغلبية 143 صوتًا، وهو قرار أوصى مجلس الأمن بإعادة النظر في الطلب رغم “الفيتو” الأمريكي السابق. كما أكدت الجمعية العامة أهلية فلسطين للعضوية وفق ميثاق الأمم المتحدة، مشيرة إلى التأييد الواسع من الدول الأعضاء. هذه التطورات تُبرز الزخم الدولي المتزايد لدعم الحقوق الفلسطينية، رغم العوائق التي تفرضها قوى مثل الولايات المتحدة وإسرائيل، اللتين صوتتا ضد قرارات مماثلة إلى جانب دول قليلة.

دلالات الترشيح: خطوة نحو العدالة

إن ترشيح فلسطين لرئاسة الجمعية العامة ليس مجرد إنجاز دبلوماسي، بل هو تأكيد على شرعية القضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره. لعقود طويلة، عانى الفلسطينيون من الاحتلال الإسرائيلي، والتهجير القسري، والانتهاكات المنهجية لحقوقهم الأساسية، في ظل صمت دولي مخجل أحيانًا. هذا الترشيح يُمثل صوتًا مدويًا ضد الظلم، وفرصة لإعادة القضية الفلسطينية إلى صدارة الأجندة الدولية.

من الناحية العملية، رئاسة الجمعية العامة تمنح فلسطين منصة للتأثير في جدول الأعمال الدولي، والدفع نحو قرارات تدعم حقوق الشعب الفلسطيني، بما في ذلك إنهاء الاحتلال وإقامة دولة مستقلة. كما أنها تُعزز من مكانة فلسطين ككيان سياسي معترف به، حتى في ظل محدودية صلاحياتها كدولة مراقب. ومع دعم عربي ودولي متزايد، يمكن لهذا الترشيح أن يُشكل ضغطًا على مجلس الأمن لإعادة النظر في عضوية فلسطين الكاملة، وهو الهدف الذي يظل حلمًا فلسطينيًا مشروعًا.

التحديات: بين الرمزية والواقع

رغم الأهمية الرمزية لهذا الترشيح، فإن التحديات التي تواجه فلسطين لا تزال جسيمة. الولايات المتحدة، التي استخدمت “الفيتو” لمنع عضوية فلسطين الكاملة في أبريل 2024، تُشكل عقبة رئيسية أمام أي تقدم جوهري. إلى جانب إسرائيل وبعض الحلفاء، تواصل واشنطن عرقلة الجهود الدولية للاعتراف بحقوق الفلسطينيين، مما يكشف عن ازدواجية معاييرها في الدفاع عن “حقوق الإنسان”. كما أن رئاسة الجمعية العامة، رغم أهميتها، تظل منصبًا رمزيًا إلى حد كبير، مع صلاحيات محدودة لا تُغير من واقع الاحتلال على الأرض.

علاوة على ذلك، فإن الترشيح يواجه تحديات داخلية وإقليمية. الانقسام الفلسطيني الداخلي، وضعف التنسيق العربي في بعض الأحيان، قد يُضعفان من قدرة فلسطين على استثمار هذه الفرصة. كما أن استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة والضفة الغربية، كما ورد في “إعلان بغداد” الذي دعا إلى وقف فوري للعدوان، يُبرز الحاجة إلى تحرك دولي عاجل يتجاوز الخطابات الدبلوماسية.

دعوة للتضامن: فلسطين تستحق أكثر

إن ترشيح فلسطين لرئاسة الجمعية العامة هو بمثابة صرخة في وجه الظلم، وتذكير للعالم بأن القضية الفلسطينية ليست مجرد ملف سياسي، بل هي معركة إنسانية وحقوقية. الشعب الفلسطيني، الذي يواجه الاحتلال والحصار والتهجير، يستحق أكثر من مجرد قرارات رمزية. إنه يستحق دولة مستقلة، وعاصمتها القدس، وحق العودة للاجئين، ومحاسبة المحتل على جرائمه.

نحن، كمدافعين عن العدالة وحقوق الإنسان، ندعو المجتمع الدولي إلى ترجمة هذا الدعم الرمزي إلى خطوات عملية: الاعتراف الكامل بدولة فلسطين، فرض عقوبات على الاحتلال الإسرائيلي، ودعم جهود المقاومة الدبلوماسية والشعبية. كما نحث الدول العربية على توحيد جهودها والضغط من أجل تمرير قرارات ملزمة في مجلس الأمن، وتعزيز دور المجتمع المدني في حشد التأييد العالمي.

ترشيح فلسطين لرئاسة الجمعية العامة للأمم المتحدة هو لحظة فخر لكل من يؤمن بالعدالة. إنها خطوة تُثبت أن صوت فلسطين، رغم كل العراقيل، لا يزال مسموعًا. لكن هذه الخطوة يجب أن تكون بداية، وليس نهاية.

فلتكن هذه الرئاسة منصة لتذكير العالم بأن فلسطين ليست مجرد قضية، بل هي شعب يناضل من أجل الحرية والكرامة. ولنعمل جميعًا، أفرادًا ودولًا، من أجل يوم ترفرف فيه راية فلسطين فوق سماء القدس، حرة ومستقلة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!