انتخاب المغرب لرئاسة شبكة مكافحة الفساد: خطوة رمزية أم فرصة حقيقية لمواجهة الفساد؟

الرباط – 18 ماي 2025
في خطوة وُصفت بالتاريخية، انتخبت الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها في المغرب لرئاسة شبكة هيئات الوقاية من الفساد (NCPA) للفترة 2025-2026، في تكريس لدور المملكة كفاعل دولي في مكافحة الفساد.

لكن، وسط تصاعد التحديات التي تواجهها قضايا النزاهة والحكامة في العديد من المجتمعات، يثير هذا الانتخاب تساؤلات جوهرية: هل يمثل هذا التتويج فرصة حقيقية لتعزيز النزاهة، أم أنه مجرد خطوة رمزية تخفي وراءها إخفاقات بنيوية في محاربة الفساد؟

تأتي هذه الرئاسة في وقت يعاني فيه العالم من تفشي الفساد المؤسساتي الذي ينخر أسس الديمقراطية ويعيق تحقيق العدالة الاجتماعية. فالفساد، بكل أشكاله، من الرشوة إلى استغلال النفوذ، يظل عدوًا شرسًا يهدد استقرار المجتمعات ويُفقر الشعوب.

وفي هذا السياق، يُنظر إلى انتخاب الهيئة الوطنية المغربية كإشارة إيجابية تعكس “التقدير الدولي” لجهود المملكة في تعزيز الحكامة ومبادئ النزاهة، كما جاء في بلاغ الهيئة. لكن الواقع يفرض تحديات أكبر من مجرد الخطابات الرسمية والمناصب الدولية.

شبكة هيئات الوقاية من الفساد، التي تأسست عام 2018 وتضم حوالي أربعين هيئة من مختلف الدول، تهدف إلى تعزيز التعاون الدولي وتبادل التجارب للحد من الفساد. ومع تولي المغرب رئاستها، إلى جانب نائبين من ألبانيا وفرنسا، يُتوقع من الهيئة الوطنية أن تقود رؤية تشاركية تركز على بناء القدرات وتعزيز التنسيق بين الأعضاء.

وقد أعرب رئيس الهيئة، محمد بنعليلو، عن اعتزازه بهذه الثقة الدولية، مؤكدًا التزام الهيئة بجعل هذه الرئاسة “فرصة لتعزيز التقارب وبناء القدرات المشتركة”. لكن، هل ستتمكن الهيئة من ترجمة هذه الوعود إلى إجراءات ملموسة، خصوصًا في ظل الانتقادات المستمرة لضعف آليات المحاسبة وغياب الشفافية في العديد من القطاعات؟

إن محاربة الفساد ليست مجرد شعار يُرفع في المحافل الدولية، بل هي معركة يومية تتطلب إرادة سياسية حقيقية، واستقلالية مؤسساتية، ومشاركة فعالة من المجتمع المدني. فالمواطنون، الذين يعانون من تبعات الفساد في حياتهم اليومية، يتطلعون إلى نتائج ملموسة: محاسبة المفسدين، استعادة الأموال المنهوبة، وإرساء ثقافة النزاهة في كل مناحي الحياة العامة.

وهنا، يجب أن تكون رئاسة المغرب للشبكة منصة لإثبات الالتزام بهذه المبادئ، لا أن تتحول إلى مجرد إنجاز دبلوماسي يُضاف إلى سجل الإحصاءات.

إن الفساد ليس مجرد جريمة إدارية، بل هو انتهاك صارخ لحقوق الإنسان، يُعيق الحق في العدالة والمساواة ويُكرس الفقر والتهميش. وعليه، فإننا، كمدافعين عن حقوق الإنسان، ندعو الهيئة الوطنية إلى استغلال هذه الرئاسة لتبني إصلاحات جذرية، وتعزيز الشفافية، وتمكين المجتمع المدني من لعب دور رقابي فعال.

كما نحث جميع الأطراف المعنية على التعاون لوضع استراتيجيات مبتكرة تضمن القضاء على الفساد من جذوره، بدلًا من الاكتفاء بإجراءات شكلية.

في النهاية، يبقى السؤال المطروح: هل ستكون هذه الرئاسة بداية لعهد جديد من النزاهة والشفافية، أم أنها ستظل مجرد عنوان براق في زمن تتفاقم فيه أزمات الحكامة؟

إن المستقبل يعتمد على الإرادة الجماعية لتحويل الشعارات إلى واقع ملموس، وعلى قدرة الهيئة على تحمل مسؤوليتها التاريخية في هذا السياق الحرج.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!