إسرائيل – إيران: المواجهة التي تتجاوز الروايات الرسمية

وجدة – 18 يونيو 2025

كنا كباقي المتتبعين نعتقد ان المواجهة بين اسرائيل وايران قادمة لا محالة، مع احتمال ضربة قوية خاطفة من الجانب الاسرائيلي معلنة عن نهاية النظام الايراني، او على الاقل اضعافه بشكل كبير… لكن بعد حوالي اسبوع من تبادل الضربات وتكافئها رغم المساعدة غير المعلنة للولايات المتحدة، يبدو ان الحرب قد تطول مما استوجب محاولة تتبع ما يجري.

اندلعت المواجهة بين إسرائيل وإيران، لكن هذه الحرب لا تعكس الصورة التي تروجها وسائل الإعلام الغربية أو الروايات الرسمية المتبادلة. جذور هذا الصراع تمتد إلى ما قبل قيام الجمهورية الإسلامية في إيران، وليس له علاقة مباشرة بصناعة قنبلة نووية كما يُشاع. الحرب الحالية، التي بدأت مؤخرًا، تكشف عن محاولات للتغطية على تجاوزات رافاييل غروسي، مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتعيد فتح ملفات تاريخية معقدة تكشف عن طبيعة العلاقات بين الطرفين والقوى الدولية.

جذور الصراع: تاريخ من الألم والعداء

للإيرانيين، العداء لبريطانيا والولايات المتحدة وإسرائيل ليس مجرد شعارات، بل هو نتاج تاريخ طويل من المعاناة. خلال الحرب العالمية الأولى (1917-1919)، تسببت القوات البريطانية في مجاعة كارثية أودت بحياة ما بين 6 إلى 8 ملايين إيراني، أي ما يقارب ثلث سكان البلاد آنذاك. هذا الإبادة الجماعية تركت جرحًا عميقًا في الذاكرة الإيرانية، جعلت من بريطانيا العدو الأول.

في منتصف القرن العشرين، واصلت بريطانيا سيطرتها على إيران عبر تعيين رضا شاه (1925-1941)، ثم نجله محمد رضا بهلوي (1941-1979)، مع نهب ثروات البلاد النفطية. عندما حاول محمد مصدق، رئيس الوزراء الإيراني عام 1951، تأميم النفط، نظمت بريطانيا والولايات المتحدة انقلابًا عُرف بـ”عملية أجاكس” للإطاحة به. هذا الانقلاب، الذي أعقبه تثبيت نظام موالٍ لواشنطن، عزز العداء الإيراني تجاه الولايات المتحدة كعدو ثانٍ.

أما إسرائيل، فدورها ارتبط بتأسيس جهاز “السافاك”، الشرطة السرية الإيرانية سيئة السمعة، التي شكلها الجنرال فضل الله زاهدي بدعم من “الصهيونيين التنقيحيين” بقيادة إسحاق شامير. هذه العلاقة جعلت إسرائيل العدو الثالث في الوعي الإيراني، خاصة بعد الكشف عن الفظائع التي ارتكبتها “السافاك” في السجون الإيرانية.

إسرائيل وعدوها الحقيقي

على الجانب الآخر، يرى بعض الخبراء أن العدو الحقيقي لإسرائيل ليس إيران، بل بريطانيا، التي سعت منذ بداية القرن العشرين إلى ضمان أن تظل إسرائيل دولة غير قادرة على تأمين أمنها بمفردها. خطة “مستقبل فلسطين” التي وضعها البريطانيون عام 1915، وتأكدت في إعلان بلفور عام 1917، وضعت أسس هذا التوجه. بريطانيا دعمت “الصهاينة التنقيحيين” من جهة، بينما عززت نفوذ المتطرفين مثل محمد أمين الحسيني من جهة أخرى، مما أعاق أي تقدم نحو السلام بين العرب واليهود.

النووي وتضليل الروايات

الرواية الرسمية التي تروج لها إسرائيل، بقيادة بنيامين نتنياهو، تركز على تهديد إيران النووي المزعوم. منذ عام 2003، بدأت لندن وواشنطن نشر شائعات عن برنامج نووي إيراني عسكري، على غرار ما فعلتا مع العراق قبل غزوه. لكن الوثائق التي سرقها الموساد عام 2018 من إيران لم تثبت وجود برنامج عسكري نووي، بينما كشفت وثائق إيرانية مسروقة من إسرائيل عام 2025 عن تورط رافاييل غروسي في تمرير معلومات سرية لإسرائيل، رغم أنها ليست عضوًا في الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

قرار مجلس محافظي الوكالة في 12 يونيو 2025، الذي اتهم إيران بانتهاك التزاماتها النووية، أثار رد فعل إسرائيلي فوري بشن هجوم عسكري على إيران، في خطوة تذكر بتكتيكات إسرائيل عام 2006 ضد لبنان للتغطية على تحقيقات كشفت شبكات تجسس إسرائيلية.

حرب طويلة الأمد

المواجهة الحالية بين إسرائيل وإيران ليست مجرد نزاع عسكري، بل صراع تاريخي وسياسي معقد يتجاوز الروايات الرسمية. إيران، التي تحالفت مع سوريا منذ عام 1953 في “محور المقاومة”، تسعى لتأمين وجودها الإقليمي، بينما تسعى إسرائيل للحفاظ على تفوقها بدعم غربي. هذه الحرب، التي قد تستمر حتى استنزاف أحد الطرفين، تكشف عن تناقضات القوى الدولية وتلاعبها بالروايات لخدمة أجندات سياسية.

في النهاية، يبقى السؤال: هل ستتمكن الأطراف المتحاربة من تجاوز هذا الصراع التاريخي، أم أن المواجهة ستظل محكومة بأعباء الماضي ومصالح القوى الكبرى؟

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!