جريمة الطرد التعسفي للمغاربة من الجزائر.. وصمة عار في جبين النظام الجزائري

في ديسمبر 1975، وفي عز احتفالات عيد الأضحى وبرد الشتاء القارس، ارتكب النظام الجزائري جريمة إنسانية بشعة لا تُمحى من الذاكرة: طرد حوالي 350 ألف مغربي، أو 45 ألف عائلة، من ديارهم في الجزائر بشكل تعسفي وعنيف. هذا العمل، الذي أُطلق عليه ساخرًا “المسيرة الكحلة”، لم يكن مجرد قرار سياسي، بل جريمة ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم، ووصمة عار تلاحق النظام الجزائري حتى اليوم. وبعد مرور خمسين عامًا، يبقى السؤال: متى ستتحمل الجزائر مسؤوليتها الأخلاقية والقانونية عن هذا الظلم الفادح؟

انتقام سياسي على حساب الإنسانية

جاء الطرد كرد فعل مباشر على المسيرة الخضراء، تلك الملحمة الوطنية التي قادها الملك الحسن الثاني لاستعادة الأقاليم الجنوبية. غير قادر على مواجهة هذا الإنجاز، لجأ النظام الجزائري إلى أبشع أشكال الانتقام: استهداف المدنيين المغاربة المقيمين بشكل قانوني على أراضيه. ظن النظام أن طرد مئات الآلاف سيخلق أزمة للمغرب أو يعرقل مسيرته، لكن حساباته كانت خاطئة. لم يكن المغرب ليتراجع، بل استقبل أبناءه رغم الألم، بينما كشف الطرد وجه الجزائر الحقيقي: نظام يضحي بالإنسانية من أجل نزوات سياسية.

ظروف لا إنسانية وانتهاكات صارخة

تم تنفيذ الطرد بطريقة تنم عن قسوة متعمدة. شاحنات تقتحم المنازل، أسر تُساق ليلاً إلى الحدود، ممتلكات تُصادر، وأطفال يُنتزعون من مدارسهم. لم تُحترم حرمة المنازل، ولا كرامة الحوامل والمرضعات، ولا ضعف المسنين والمرضى. أُلقي بالمطرودين على الحدود في ظروف شتوية قاسية، بملابسهم فقط، دون نقود أو مأوى. أُجبرت أسر مختلطة على التفكك، حيث طُرد المغاربة وبقي أزواجهم الجزائريون، في مشهد يعكس همجية لا تُبرر.

الأثر كان كارثيًا: نفسيًا، ترك الطرد “جرحًا نازفًا”، مع صدمات نفسية دمرت حياة البعض. ماديًا، خسر المغاربة ممتلكاتهم وأرزاقهم، ولم يُعوضوا حتى اليوم. بل إن النظام الجزائري، في استهتار واضح، أصدر مرسومًا عام 2010 لضم ممتلكات المطرودين إلى الدولة، في اعتراف ضمني بالجريمة مع استمرار الظلم.

خيانة التاريخ المشترك

ما يجعل هذه الجريمة أكثر بشاعة هو التاريخ المشترك بين الشعبين. لقرن من الزمان، عاش المغاربة في الجزائر كمواطنين شرعيين، يدفعون الضرائب ويساهمون في الاقتصاد. قاتلوا إلى جانب الجزائريين ضد الاستعمار الفرنسي، قدموا شهداء، واستقبلوا المجاهدين في بيوتهم. أئمة مغاربة أمّوا المصلين، وعلموا أطفال الجزائر القرآن. لكن بدلاً من الامتنان، رد النظام الجزائري الجميل بخيانة: طرد من ضحّوا من أجل استقلاله. هذا التصرف لا يناقض القيم الإسلامية والعربية فحسب، بل يكشف عن عقدة نفسية تجاه المغرب، كما يصفها الضحايا.

تناقضات النظام الجزائري

يدّعي النظام الجزائري الدفاع عن حقوق الإنسان، لكنه يصمت أمام هذه الجريمة. يتحدث عن التضامن العربي، بينما يمزق أواصر الشعبين. يرفع شعارات التحرر، لكنه يعاقب شعبًا جارًا بسبب خطوة سيادية مشروعة. هذا التناقض يكشف زيف الخطاب الجزائري، ويجعل قضية المطرودين ورقة ضغط تُحرج النظام أمام العالم.

مطالب العدالة: صوت لا يصمت

رغم مرور خمسين عامًا، يواصل الضحايا نضالهم عبر جمعيات مثل “جمعية المغاربة ضحايا الطرد التعسفي”. مطالبهم واضحة: اعتذار رسمي من الجزائر، تعويضات مادية ومعنوية، وجبر الضرر عبر رد الاعتبار. القضية طُرحت في مجلس حقوق الإنسان بجنيف، ويُطالب الضحايا بتبني الدولة المغربية لها دوليًا، مع الاستعانة بمحامين وخبراء لتقييم الأضرار. وثائق وشهادات الضحايا، بما فيها كتاب “قرارة الخيط” لجمال العثماني، تشكل أرشيفًا قويًا يدعم القضية.

دعوة للمغرب والعالم

على المغرب أن يرفع هذه القضية بقوة في المحافل الدولية، ليس فقط لإنصاف الضحايا، بل لفضح زيف ادعاءات الجزائر بحقوق الإنسان. على المجتمع الدولي أن يضغط لمحاسبة النظام الجزائري، خاصة مع وجود ضحايا يحملون جنسيات أوروبية يمكنهم رفع القضية في محاكم القارة. وعلى الإعلام والأكاديميين توثيق هذه الجريمة للحفاظ على الذاكرة الجماعية ضد النسيان.

خاتمة: جرح نازف وأمل في العدالة

طرد المغاربة من الجزائر ليس مجرد حدث تاريخي، بل جرح حي في قلب كل مغربي. إنه تذكير بأن السياسة قد تتحول إلى وحش يأكل الإنسانية إذا غاب العقل والضمير. النظام الجزائري، الذي يتبجح بالأخلاق والقيم، مدعو اليوم لمواجهة ماضيه: اعتذار رسمي، تعويض عادل، واستعادة التوازن تجاه جاره المغرب. حتى ذلك الحين، ستبقى هذه الجريمة شاهدة على خيانة تاريخ التعايش، وصرخة الضحايا لن تخمد حتى يتحقق العدل.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!