بعد دخول القضية قبل البرلمان: وزير التعليم العالي يتعهد بارسال لجنة تحقيق لحل أزمة شواهد المهندسين بين مدير ENSAO ورئيس جامعة محمد الأول بوجدة

أزمة شواهد المهندسين بالمدرسة الوطنية للعلوم التطبيقية بوجدة.. نزاع إداري يهدد مستقبل الطلاب

مقدمة

تستمر أزمة شواهد المهندسين في المدرسة الوطنية للعلوم التطبيقية بوجدة (ENSAO)، التابعة لجامعة محمد الأول، في إثارة الجدل، حيث يجد عشرات الطلاب أنفسهم عالقين بين مطرقة الخلافات الإدارية وسندان التأخير في الحصول على دبلوماتهم.

هذه الأزمة، التي بدأت منذ عام 2020 وما زالت مستمرة حتى يونيو 2025، تكشف عن خلل إداري يتعلق باتفاقيات الحركية الدولية، وتطرح تساؤلات حول مصداقية الشراكات الأكاديمية وتأثيرها على سمعة التعليم العالي في المغرب.

في هذا المقال الاستقصائي رقم 2، نغوص في تفاصيل المشكلة، مستندين إلى النقاش البرلماني الأخير، بيانات رسمية، وتحليل سابق نُشر في جريدتنا [راجع المقال]، لنسلط الضوء على أسباب الأزمة، تداعياتها، وسبل حلها.

خلفية الأزمة: الحركية الدولية والخلاف الإداري

بدأت المشكلة عندما سافر طلاب من ENSAO إلى فرنسا ودول أخرى، في إطار برامج الحركية الدولية، لإكمال سنتهم الدراسية الأخيرة والحصول على دبلوم الماجستير بالتوازي مع دبلوم المهندس.

هذه البرامج، التي تُعد جزءًا من اتفاقيات تعاون مع جامعات مرموقة مثل جامعة سوربون باريس نورد، تهدف إلى تعزيز كفاءات الطلاب وفتح آفاقهم الأكاديمية والمهنية.

لكن، عند عودتهم، واجه الطلاب عقبة كبيرة: رفض مدير المدرسة ورئيس الجامعة التوقيع على شهادات النجاح أو الدبلومات، بسبب نزاع إداري حول شرعية الاتفاقية التي سمحت بهذه الحركية.

النائب البرلماني مصطفى إبراهيمي، من مجموعة العدالة والتنمية، وصف الطلاب وأولياء أمورهم بـ”الرهائن” لهذا الخلاف، مشيرًا إلى أن الأزمة مستمرة منذ خمس سنوات وأثرت على عشرات الطلاب الذين أنفقوا مبالغ طائلة على دراستهم في الخارج.

الخلاف يدور حول ادعاء الأساتذة ومجالس المؤسسة والجامعة بأنهم لم يُستشيروا ولم يعلموا بوجود اتفاقية التبادل، بينما يؤكد طرف آخر أن الاتفاقية موقعة من مدير المدرسة ورئيس الجامعة. هذا التناقض أدى إلى تعليق توقيع الشهادات، مما ترك الطلاب في حالة من الحيرة والقلق على مستقبلهم.

تحليل الوثائق والشراكات الدولية

في تحقيق سابق أجرته جريدتنا [راجع المقال]، تم الاطلاع على وثائق اتفاقيات التعاون بين ENSAO وجامعات فرنسية مثل جامعة فرانش-كونتيه، بروتاني الغربية، ليتورال كوت دوبال، وسوربون باريس نورد. هذه الوثائق تؤكد أن الشراكات رسمية وموثقة، وتنظم برامج الدبلوم المزدوج بشكل واضح.

الطلاب يقضون الفصل الأول من سنتهم الأخيرة في دراسة مقررات نظرية (30 وحدة ECTS)، والفصل الثاني في تدريب عملي أو مشروع نهاية الدراسة (30 وحدة ECTS)، مع تقييم مشترك بين ENSAO والجامعة الشريكة.

هذه البرامج معترف بها رسميًا من قبل المدرسة، مما ينفي الادعاءات السابقة حول “تزوير الشهادات” أو حصول الطلاب على دبلومات دون حضور أو امتحانات.

رد وزير التعليم العالي، في جلسة برلمانية، عزز هذا الطرح، حيث نفى بشكل قاطع وجود أي شهادات مُنحت دون استيفاء المتطلبات الأكاديمية. وأكد أن جامعة محمد الأول لديها اتفاقيات تعاون مع جامعات دولية، وأن الحركية الدولية تُعد “شرطًا أساسيًا” لتطوير كفاءات الطلاب، بل وأصبحت معيارًا لتوظيف الأساتذة في جامعات عالمية مرموقة مثل هارفارد وأوكسفورد.

الوزير شدد على أن أي خطأ في هذه العملية هو مسؤولية الإدارة، وليس الطلاب، وطمأن الأهالي بأن أبناءهم سيحصلون على دبلوماتهم.

تداعيات الأزمة: تأثير على الطلاب وسمعة المؤسسة

أزمة توقيع الشهادات لم تؤثر فقط على الطلاب، بل امتدت تداعياتها إلى سمعة ENSAO وجامعة محمد الأول. الطلاب، الذين أنفقوا مبالغ كبيرة على دراستهم في الخارج، يواجهون تأخيرًا في الحصول على دبلوماتهم، مما يعيق تقدمهم المهني والأكاديمي. هذا الوضع أثار استياء أولياء الأمور، الذين يرون أن أبناءهم أصبحوا ضحايا نزاع إداري خارج عن إرادتهم.

النائب إبراهيمي أكد على أهمية حماية مصداقية الدبلومات، لأنها تمثل “صورة المغرب” في الخارج، مشددًا على ضرورة حل المشكلة بتحكيم عاجل.

في المقابل، أثارت الادعاءات الإعلامية السابقة حول “تزوير الشهادات“، التي ناقشناها في تحقيقنا السابق [راجع المقال]، قلقًا إضافيًا بين الطلبة وأولياء الأمور.

جمعية طلبة ENSAO ردت ببيان رسمي، مؤكدة أن هذه الادعاءات “زائفة” وتهدف إلى التشويش، وأن الشراكات الدولية تعزز من قيمة الدبلوم وتساهم في إعداد مهندسين مؤهلين عالميًا.

لكن استمرار النزاع الإداري يهدد هذه السمعة، ويزيد من الضغط على المؤسسة لإثبات التزامها بالشفافية والجودة الأكاديمية.

مسؤولية الإدارة ودور الأساتذة

الوزير أوضح أن المشكلة إدارية بحتة، وأن الأساتذة ليسوا معنيين مباشرة بها، حيث تنحصر المسؤولية في الإدارة (مدير المدرسة ورئيس الجامعة).

وأشار إلى أن الاختصاصات واضحة: الأساتذة يركزون على التدريس والتقييم، بينما تتولى الإدارة تنظيم الاتفاقيات والشراكات.

لكن ادعاء الأساتذة ومجالس المؤسسة والجامعة بأنهم “لم يُستشيروا” يكشف عن خلل في التواصل الداخلي.

الوزير دعا إلى احترام “الضوابط والحدود” لكل طرف، واقترح إمكانية إرسال لجنة تحقيق بناءً على طلب رئيس الجامعة لحل النزاع.

حيث قال إنه سيتحدث مع رئيس الجامعة، ووصفه بأنه “ومن فاتح” (يعني متفتح) و”وعقله كبير“، بالإضافة إلى هذا الوصف المباشر لصفاته، الوزير أظهر أيضاً ثقة ضمنية فيه وفي مدير المدرسة، حيث قال: “غادي نثق فيهم”.

كما أشار إلى أنه سيحترم الإجراءات القانونية المتعلقة بإرسال لجنة، موضحاً أن اللجنة لن تُرسل إلا “بطلب من رئيس الجامعه لان كنحتارم القانون”، مما يدل على احترام الوزير لصلاحيات رئيس الجامعة وإجراءات العمل المتبعة.

حلول مقترحة

لحل هذه الأزمة، التي وُصفت بأنها جعلت الطلاب “رهائن” الخلافات الإدارية، يمكن اقتراح الخطوات التالية:

  1. التحقيق الرسمي: تشكيل لجنة مستقلة، كما اقترح الوزير، للتحقيق في تفاصيل الاتفاقية المتنازع عليها، مع التحقق من توقيعات المدير ورئيس الجامعة، ومدى إشراك الأساتذة والهياكل الإدارية.
  2. توضيح الاختصاصات: إعادة تأكيد الأدوار بين الإدارة، الأساتذة، ومجالس المؤسسة والجامعة، لضمان الشفافية في اتخاذ القرارات المتعلقة بالحركية الدولية.
  3. تسريع توقيع الشهادات: الإسراع في توقيع دبلومات الطلاب، مع ضمان استيفائهم لجميع المتطلبات الأكاديمية، كما أكدت الوثائق والوزير.
  4. تعزيز التواصل: إنشاء قنوات تواصل فعّالة بين الإدارة والأساتذة لتجنب تكرار مثل هذه الخلافات، مع توثيق جميع الاتفاقيات بشكل واضح وشفاف.
  5. حماية سمعة المؤسسة: تكثيف الجهود للرد على الشائعات الإعلامية، كما فعلت جمعية الطلبة، مع نشر تقارير دورية عن نجاح برامج الحركية الدولية.

خاتمة

أزمة شواهد المهندسين في ENSAO ليست مجرد نزاع إداري، بل هي قضية تهدد مستقبل عشرات الطلاب وتضع مصداقية التعليم العالي المغربي على المحك.

الوثائق الرسمية وتصريحات الوزير تؤكد أن برامج الحركية الدولية منظمة وموثقة، وأن الطلاب ليسوا مسؤولين عن أي تقصير إداري.

لكن استمرار الخلاف بين مدير المدرسة، رئيس الجامعة، والأساتذة يكشف عن حاجة ملحة لإصلاحات إدارية تضمن الشفافية والتنسيق.

مع التزام الوزارة بحل المشكلة، يبقى الأمل معلقًا على تدخل عاجل يعيد الحق للطلاب، ويحمي سمعة ENSAO كمؤسسة رائدة في إعداد المهندسين.

إن حماية الدبلومات، كما أكد النائب إبراهيمي، ليست فقط مسألة أكاديمية، بل هي مسؤولية وطنية تمثل صورة المغرب في العالم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!