الانحراف الخطير في تدبيرالمجلس الإقليمي لبركان

عبد المنعم محسيني*

مباشرة بعد دورة يونيو للمجلس الإقليمي لبركان، عقد رئيس2024 يونيو 10 المنعقدة، يوم االثنين المجلس الإقليمي محمد جلول ندوة صحفية مع بعض المنابر الإعلامية، تطرق فيها إلى العديد من الموضوعات التي تتعلق بتدبير الشأن المحلي، فضلا عن تطرقه لما أطلق عليه بشكايته الشخصية الموجهة ضد “م.ح” الذي يوجد الآن رهن الاعتقال الاحتياطي، والذي تم الحكم عليه في المرحلة الابتدائية بعقوبة حبسية نافذة مدتها شهرين، وهو الحكم القضائي الذي تم الطعن فيه أمام محكمة الدرجة الثانية، والقضية لاتزال رائجة.

وتفاعال مع هذه المبادرة المحمودة في تنوير الرأي العام، يتضح أن محمد جلول يمارس، بصفته رئيسا للمجلس اإلقليمي، اختصاصاته بشكل تتسم فيه بالانحراف الخطير والتعدي على جميع القوانين، بما فيها القانون التنظيمي رقم 112.14 المتعلق بمجالس العماالت والأقاليم، والقانون التنظيمي 113.14 المتعلق بالجماعات؛ بل وحتى مقتضيات مجموعة القانون الجنائي؛ وهو الأمر الذي سنوضحه كما يلي في محاولة للتأثير على سير العدالة :

أولا :في محاولة للتأثير على سير العدالة وقرارات رجال القضاء، والإخلال بمبادئ القيم:

تفاديا للتأثير على سير العدالة وتكريسا لحرمة القضاء واستقلاليته خلال نظره في القضايا المعروضة عليه، منع البند الأول من الفصل 266 من مجموعة القانون الجنائي إصدار أقوال أو أفعال أو كتابات علنية في قضية لم يصدر بشأنها حكم نهائي وبات غير قابل للطعن.

وفــي هــذا الإطـــار، وخـلال الــنــدوة الصحفية التي أقامها محمد جلول بصفته رئيس المجلس اإلقليمي، تطرق هذا الأخير إلى النازلة القضائية المشار اليها اعلاه، والتي تتلخص وقائعها في الشكاية التي تقدم بها محمد جلول بصفته الشخصية وليس بصفته الانتدابية بسبب ما أسماه سبا ومسا بالكرامة . استعملت عبارة أسماه، لأن تكييف الفعل أو القول في ما إذا كان سبا أو تشهيرا يعود للقضاء وحده).

بدون شك ولا ريب، فإن محمد جلول، باعتباره مواطنا مغربيا يكفل له الدستور كرامته الإنسانية وحقه في التقاضي للدفاع عن حقوقه وكرامته؛ ولا أحد يناقش ذلك أو يحرمه من هذه الحقوق.

لكن، عندما تعرض القضية أمام القضاء، فقد أحاطها المشرع الجنائي بعدة ضوابط قانونية كفيلة بضمان المحاكمة العادلة، وذلك بدءا بسرية البحث التمهيدي والتحقيق الإعدادي والاستنطاق التفصيلي، وانتهاء بمنع أقول أو أفعال أو كتابات علنية في قضية لم يصدر بشأنها حكم نهائي.

وهذا هو المقتضى الذي خرقه وانحرف بشأنه محمد جلول؛ فمن جهة أولى، فمادام أنه مارس حقه في التقاضي، ووضع القضاء يده على القضية وهي لاتزال جارية أمامه، فإنه كان حريا به عدم التطرق للقضية ويمتنع عن الجواب عن أي سؤال صحفي أو على الأقل يكتفي بالقول إن القضية أمام القضاء وهو من سيعلن من خلال أحكامه النهائية غير قابلة للطعن عن الحقيقة؛ وذلك كله صونا للالتزامات المانعة من مجموعة القانون الجنائي. بموجب مقتضيات الفصل 266.

ومن جهة ثانية، فمادام الأمر شخصيا ولا علاقة له بالمجلس الإقليمي وبشركة التنمية المحلية، فإنه كان عليه أن يجيب الصحفي صاحب السؤال بأن هذا السؤال خارج عن محاور الندوة الصحفية، و إلتزاماً منه بعدم استغلال مؤسسة المجلس الإقليمي في الجواب عن قضية شخصية لا تتعلق بصفته الانتدابية ولا بالمجلس الإقليمي الذي يترأسه؛ أو على الأقل الرد بانعدام الصفة في الجواب نيابة عن شركة التنمية المحلية، ويمتنع عن التصريح نيابة عنها بأي معطيات مالية تتعلق بالنزاع القائم بين المعتقل على ذمة القضية و شركة التنمية المحلية، حسب تصريح محمد جلول.

ومن جهة ثالثة، كان على محمد جلول أن يراعي الآداب الحميدة ومبادئ القيم التي تفرض عليه مراعاة وجود خصمه رهن الاعتقال الاحتياطي، مسلوب الحرية على النحو الذي يحول بينه وبين الرد على ما تطرق إليه بشأن نازلتهما القضائية خلال الندوة الصحفية.

ثانيا: التجاوز في استعمال الاختصاص وتحريفه

خلال الندوة الصحفية، التي نعتبرها بادرة محمودة، تطرق محمد جلول بصفته رئيس المجلس اإلقليمي لمساءلة السوق الأسبوعي ببركان، وأفاد بأنه سيتم تغيير مكانه، كما قال إن الأسواق الأسبوعية يجب اجتثاثها في المجال الحضري وأن تبقى فقط في المجال القروي.

إن هذه الافادة تنطوي على انحراف خطير في ممارسة الاختصاصات الموكولة له بصفته رئيسا للمجلس الإقليمي لبركان؛ فمن جهة أولى فالأسواق الأسبوعية، باعتبارها أسواقا جماعية؛ تبقى من الاختصاص الحصري للجماعات، وذلك بنص المادة رقم 83 المتعلق بالجماعات من القانون التنظيمي 113.14 ؛ كما أنه باستقراء مقتضيات القانون المتعلق بالعمالات والأقاليم، يتضح أنه لا يوجد أي مقتضى يعطي للمجلس الإقليمي دورا في تدبير أو نقل الأسواق الجماعية، بل وحتى سوق الجملة؛ اعتبارا لكون هذا الاختصاص يبقى حصريا على جماعة بركان، فمن أين أتى محمد جلول بصفته رئيس المجلس الإقليمي بهذا الختصاص؟

ومن جهة ثانية، وعلى مستوى القانون التنظيمي رقم 112.14 المتعلق بالعمالات والأقاليم، يتحمل محمد جلول بصفته رئيس المجلس الإقليمي لبركان مسؤولية محاربة الإقصاء والهشاشة الاجتماعية، من خلال القضاء على الحرمان والفقر؛ ولذلك فإن إزالة السوق الأسبوعي لبركان ستؤدي إلى تعميق الهشاشة الاجتماعية، اعتبارا لكون السوق الأسبوعي يعتبر مصدر عيش المئات إن لم نقل الآلاف وأكثر من العائلات، لكونه يوفر مناصب شغل ذاتية وإن كانت غبر مهيكلة للعديد من الفئات النشيطة المنتمية للطبقة الاجتماعية الهشة، التي تعيل تلك الأسر والعوائل، فأين ستذهب هذه العائلات؟

طبعا إلى جحيم الهشاشة الاجتماعية، في ظل غياب توفير البديل، والتي من المفروض على محمد جلول بصفته رئيس المجلس الإقليمي القضاء عليها عوض تعميقها بعفوية التدبير والرغبة الجامحة في إزالة السوق الأسبوعي لبركان.

وفضال عن هذا، فإن محمد جلول أراد القطع مع التقاليد والعادات، واعتبر الأسواق الأسبوعية هي تقاليد وعادات آبائنا وأن هذه التقاليد لم تعد صالحة وهذا أمر مردود عليه، اعتبارا لكون السوق الأسبوعي ليس مجرد تقليد محلي مقتصر على آبائنا وأجدادنا، فهو سلوك إنساني كوني في جميع بقاع العالم وعلى امتداد كافة الحضارات الإنسانية وإلى يومنا هذا، حيث قامت المجتمعات والدول بتطوير آلية الأسواق الأسبوعية؛ وهو الأمر الذي يمكنك ملامسته في مدن دول أوروبا حيث تنظم الأسواق الأسبوعية داخل المدن الكبيرة، ويحدد يوم واحد لكل مقاطعة؛ وذلك إيمانا منها بأن الأسواق الأسبوعية تساهم في تنشيط الحركية الاقتصادية والقضاء على الهشاشة االجتماعية.


(*)عضو المكتب السياسي لحزب االتحاد االشتراكي للقوات الشعبية

جريدة الاتحاد الاشتراكي، عدد 13.771

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى