وجدة والجزائر والوصف القدحي “المروكي”

وأنا أتتبع كغيري شأن الشعب الجزائري الشقيق إذ أتواجد في الخط الحدودي وما يؤلم الجار يؤلمني، أتتبع ما يقال عن حكم الأجنحة الثلاث، جناح قائد الجيش، الجناح الرئاسي الذي يرأسه أخ الرئيس، وجناح قائد المخابرات، في غياب رئيس من المشهد لا يدير ولا يحكم البلاد فعليا، يقال إن الانتقال من المفروض أن يكون سلسا وإن هناك دعوة إلى انتقال السلطة خلال مدة أقل من سنة وتعديل الدستور وإطلاق حوار وطني وإصلاحات اقتصادية، علما أنه تم صرف ألف مليار دولار خلال مدة الحكم الذي تجاوزت عشرين سنة، الشيء الذي دفعني إلى البحث في مقتضيات الدستور عن حالات القوة القاهرة، منها المرض الذي يفقد القدرة والمكنة على الحكم، التي تحدث عنها الرئيس إبان عنفوانه..

أتتبع المقاطعين والمنتفضين ضد استمرار حكم رئيس لا يدير ولا يحكم، ومن سحبوا ترشيحهم، والمنادين بعدم استمرارية الرئيس المنتهية ولايته، وأنا أتأمل وأتتبع الأحداث كأي مواطن يهمه الشأن المغاربي، من مدينة لها بعد إقليمي وبعد مغاربي، مدينة وجدة، لست أدري كيف أعادتني الذكرى إلى استحضار التاريخ، واستحضار شهادات عائلات وجدية ما زال بعض أفرادها على قيد الحياة، وأخرى من تلمسان ومغنية وندرومة والغزوات، تذكرت أحداثا عاشتها وجدة إبان محنة الجزائر ونضالها من أجل الحصول على الاستقلال.

تتذكر عائلاتنا أنه سنة 1961، أي سنة قبل حصول الجزائر على الاستقلال، قام كوماندو فرنسي بتخريب محطة البت الإذاعي الجهوي لمدينة وجدة الكائنة بطريق سيدي يحيى، كرد فعل وعقاب وجدة على مساعدتها وإيوائها للمجاهدين آنذاك، كما أنه بتاريخ 18 فبراير 1962 عمدت طائرتان فرنسيتان (T6) انطلقتا من قاعدة وهران وقصفتا عبر علو غير مرتفع مقر جبهة التحرير الوطني الكائن بمدينة وجدة، والكل يتذكر هذا القصف الرهيب ووقعه على الساكنة.

كل ذلك كرد فعل وانتقام للمستعمر الفرنسي من مدينة وجدة بسبب مدها العون والتضامن مع المجاهدين الأشقاء، كانت المدينة الألفية لا تفرق بين ساكنتها والمجاهدين الجزائريين، لإيمانها الراسخ بوحدة الشعبين ووحدة المصير، على اعتبار أن الروح الوطنية المغاربية الصادقة لم تكن تطرح التكامل الاقتصادي المغاربي آنذاك، بل كان الهاجس هو التلاحم والتآخي وحصول المغرب الكبير على استقلاله.

محمد سيفاوي، صحافي وكاتب جزائري معارض للدكتاتوريات والإسلام السياسي، ألف كتابا مستلهما من الراحل بوضياف تحت عنوتن: “الجزائر إلى أين؟ (ou va l’Algérie?)، أكد أن النظام غرس في المواطنين فيروس الشك، وأشار إلى أنه حبذ المظاهرات السلمية ضد عهدة خامسة للرئيس، باستثناء ملاحظة واحدة هي مسألة استعمال الوصف القدحي للرئيس بوتفليقة ونعته بالمروكي، وهي عبارة قدحية يستعملها البعض في إشارة إلى المغاربة، وتذكرت يوم كنت أدرس بوهران؛ إذ كان يناديني البعض بالمروكية.

أشار الكاتب إلى أن المغرب ساعد المجاهدين وآزرهم إبان حرب التحرير، وأنه لا يعقل أن تستمر هذه العقلية المتحجرة التي تستعمل هذه العبارات القدحية في حق بلد شقيق في الوقت الذي يجب فيه مناهضة الفساد ونظرية المؤامرة والعقليات المتحجرة، وعوض ذلك الاحتكام إلى صناديق الاقتراع، وإيجاد البديل دون أن يتم الترهيب من البديل الاسلاماوي.

وجدة الألفية احتضنت الرئيس وغيره من مجاهدين وأقطاب حرب التحرير وجبهة التحرير الوطني، مدينة حدودية شاء لها القدر أن تعيش وتواكب الثورات وأن تكون سدا منيعا في مواجهة القدر والبشر، سكانها حراس الحدود، تعلم أنه مهما كبرت التحديات، فإن الإرادة جديرة بالتغلب عليها، في احترام تام للوطن وثوابته وسيادته.

لذلك، فإن استعمال العبارة القدحية: بوتفليقة يا المروكي، لا تتماشى مع التاريخ الذهبي للمدينة، ولا مع مبادئ اللباقة وحسن الجوار والمحن المشتركة.

ما هكذا يا سعد تورد الإبل!

سليمة فراجي


اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى