الجزائر والمغرب،  أو عندما تتحول الهوية الى لعبة قاتلة

د.تدمري عبد الوهاب

عندما تتحول التعبيرات اللسنية والخصوصيات المختلفة التي تعد في الاصل فروعا  لهوية مشتركة  الى قنابل موقوتة تهدد وحدة الوطن الأم  الذي يعد  المجال الترابي المشترك لمختلف هذه التفرعات فاعلم ان خللا عميقا قد أصاب الوعي الجمعي لهذه المجتمعات .كما انه في النتيجة  يعكس   عدم قدرة الدول المعنية  على توفير الرفاه لشعوبها و وعدم قدرتها على  تنمية الإحساس  بالانتماء المشترك لهوية جامعة .مما يوفر جميع الشروط لإنتاج هويات محلية قاتلة، تنزع للتفتيت والتجزئة .ولا تحتاج في ذلك إلا لبعض الرتوشات و الدعم الخارجي الذي تغذيه اجندات دولية سواء بحسابات استراتيجية تخدم مصالح الدول العظمى .  أو بحسابات سياسية ضيقة كما هو الشأن بالنسبة للجزائر والمغرب. وذلك في محاولة لتصريف ازماتهما و فشلهما الداخلي . وهو ما يمكن اعتباره  لعب بالنار التي قد تؤدي بالدولتين الى  مزيد من الإفلاس .

أقول هذا انطلاقا مما اتابعه حاليا في اروقة الامم المتحدة بمناسبة الدورة 23   المنعقدة في نيويورك حول الشعوب الاصلية.  وحضور بعض الأمازيغ كممثلين لتعبيرات لسنية معينة من المنطقة  المغاربية واخص بالذكر الجزائر والمغرب. وليس كممثلين  عن أمازيغ المنطقة بمختلف خصوصياتهم المحلية سواء في المغرب، الذي يتشكل حاليا  من السن امازيغية متعددة سواسة ، شلوح ، ريافة ،جبالة  الخ… أو في الجزائر التي لا تختلف كثيرا عن المغرب في تعددها اللسني الامازيغي كمنطقة القبائل ، الشاوية ، بني مزاب و الطوارق الخ….

السؤال المطروح هو لماذا هذا الحضور  في محفل اممي   كأقلية عرقية  مضطهدة في بلدانها؟. وذلك    رغم أنها تنتمي لهوية غالبة تاريخيا و ثقافيا ولسنيا .خاصة  ان اضفنا  الدارجة المغربية والجزائرية  كتعبير لسني امازيغي   خاص بالشعبين المغاربيين اللذان  تعرضا للتعريب منذ دخول الإسلام   سواء عن طريق الزوايا والمدارس القرآنية  أو التعليم العتيق  المتشبع بمذهب الإمام مالك  الذي قال ”  من تكلم في مسجدنا بغير اللغة العربية خرج منه” .و قال فيها ابن تيمية أن معرفتها “فرض واجب ” بل واعتبر النطق باللغات الأخرى مكروه إن لم يكن لغير حاجة . وهو ما ذهب اليه مالك والشافعي  الخ…   او عن طريق التعليم العصري  بعد مرحلة الاستقلال الذي كرس اللغة العربية في المناهج الدراسية   كلغة رسمية  للتدريس والتداول الإداري الرسمي على حساب اللغة الأصلية  .وذلك  نتيجة   الاستلاب الايدلوجي  للقومية العربية   في مرحلة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي الذي وقعت ضحيته النخب الحاكمة في البلدان المغاربية رغم انتماء اغلبها الى الهوية الأمازيغية . 

ان السؤال الذي طرحناه سلفا يجرنا بالضرورة الى النظر في الاسباب التي دفعت بعض الامازيغ الى البحث عن حلول جزئية وذاتية لمجالات ترابية قزمية    ولو على حساب انتماءهم لأوطان امازيغية  شاسعة. شكلت عبر التاريخ  دولا و ممالك كبرى ،حاربت لقرون اعتى الإمبراطوريات في حوض البحر الأبيض المتوسط  بما فيها الامبراطورية  الرومانية. ان البحث في هذه الأسباب كذلك سيجرنا بالضرورة الى فهم الغايات والاهداف من هذه التحراكات التي تهدف الى التشتيت والتجزئة في زمن تتكتل فيه الدول لمواجهة التحديات التي تفرضها  التحولات التي يشهدها النظام   الدولي .  

ان الحضور الباهت لبعض التمثيليات اللسنية في فعاليات اممية ترمي البحث في قضايا الشعوب الأصلية   يأتي اذن في سياق بحث  هؤلاء عن مشروعية  دولية لمشاريع سياسية قومية قزمية  تجزيئية. وليس للترافع عن قضايا الشعوب المغاربية الأمازيغية الاصلية ضمن مشروع متكامل يرفع الحيف التاريخي الذي طال الهوية الأم  للشعوب المغاربية سياسيا و لغويا وثقافيا واجتماعيا وتنمويا. ويكرس حق   شعوب المنطقة في معرفة تاريخها الحقيقي و رد الاعتبار لرموزها التاريخية.مما يجعل من  المشروع رافعة للإجابة على إشكالات حقيقية تعاني منها شعوب المنطقة ليس كأقليات، بل  كشعوب اصلية غالبة رغم خصوصياتها الجهوية والمناطقية المختلفة .بالتالي  من حقها التمتع بحقوقها الثقافية واللغوية و بخيراتها و مواردها الطبيعية ،و أنظمة حكم ديمقراطية تمكنها من الحق في تقرير مصيرها الاقتصادي والاجتماعي والسياسي بالشكل الذي يستجيب لمطالب جهاتها التاريخية في اقتسام  السلطة  السياسية والثروة الاقتصادية مع المركز.  و ذلك ضمن مفهوم  الدولة المركبة البسيطة  القائمة  على  مبدأ الاوطونوميات الجهوية المتضامنة.وهو ما سيقطع مع الفساد والريع  والظلم الممارس من طرف اللوبيات السياسية والاقتصادية  المتحكمة في مفاصل الدولة المركزية  المسؤولة عن واقع التهميش الحيف الذي يطال جل المجالات الترابية الواقعة خارج داىرة المركز.وهو ما  يؤسس فعليا لمفهوم الدولة الديمقراطية القائمة على مفهوم الامة المتعددة بخصوصياتها الثقافية  والتاريخية  واللسنيىة وتعتمد المنهجية الكوانتية في اعمالها   للدموقراطية التشاركية  بالشكل الذي يمكن كل جهات الوطن ونخبها السياسية  في الحق في تقرير وصياغة السياسات العمومية جهويا و وطنيا .وذلك على خلاف الدولة اليعقوببة التي تعتمد المنهجية الديكارتية حيث تاخذ  النخب المركزية دور الاب او  الوصي الذي يقرر نيابة عن عموم الشعب. 

كما ان الحضور بهذا الشكل المقزم لمجموعات  امازيغية بمشاريع سياسية انتهازية  واخص بالذكر
اولا  “الماك ”  عن القبائل بالجزائر التي على غرار الحزب الوطني الريفي المطالب باستقلال الريف ولا ندري عن اي ريف يتحدثون كل هذا يحيل على اجندات تخريبية متبادلة تستعمل هذه المجموعات الصغيرة كحطب لتصفية حسابات سياسيى ضيقة. كما ان المؤسف له هو اتخاذ هذه المجموعات   لمراحل الضعف  وتفكك الكيانات  الأمازيغية الكبرى مرجعا تاريخيا لإضفاء الشرعية على  مطالبها الانفصالية . واعتبار هذه المراحل بكل ما شهدته من انحطاط وتشتت لامازيغ المنطقة المغاربية التي  نتج عنها   تشكل الكثير من   الامارات   الصغرى  كامارة النكور وغيرها من الإمارات في بلاد المغرب الأقصى  خلال القرون  الاولى للميلاد.  ولاحقا إمارة منطقة القبائل خلال القرن الرابع عشر ميلادي حين ضعفت الدولة الزيانية الأمازيغية  مبررا لاعلان الحق في الانفصال ..وهذا كله  قبل أن تتشكل من جديد دول  امازيغية كبرى في بلاد المغرب الاقصى ابتداء  من القرن العاشر الميلادي ك المرابطين والموحدين والمرينيين الذين  بالمناسبة يعدون ريفيون زناتيون الخ…والتي  امتد نفوذها على جزء كبير من جغرافية  شمال أفريقيا وشبه الجزيرة الإيبيرية وذلك لقرون . هذا دون إغفال الدول الامازيغية   التي تأسست قبل الميلاد بعشرات القرون. كمملكة المور بالمغرب حاليا التي يرجح تاريخ قيامها الى 500 سنة قبل الميلاد.   و مملكة نوميديا التي كانت تضم  الجزائر حاليا ومناطق من تونس و ليبيا. 


استحضر هذه المعطيات التاريخيىة للقول ان الكيانات الصغرى الي تشكلت عبر تاريخ بلاد الامازيغ ارتبطت دوما بمراحل انحطاط وضعف الممالك والدول الكبرى في المنطقة المغاربية. أو بمرحلة الاستعمار الأوربي   .وبالتالي  فإن محاولة اضفاء المشروعية التاريخية على  الكيانات التي يطالبون بانفصالها سواء في القبائل او في الصحراء أو في الريف، هي محاولات مآلها الفشل .وما يعكس حالة اليأس عند هذه المجموعات هو قبولها  الحضور   ضمن فعاليات الدورة 23  الخاصة بالشعوب الأصلية. ليس كهوية امازيغية غالبة  في المنطقة المغاربية لها مطالب ديمقراطية واجتماعية  وثقافية ولغوية  الخ  … بل  كحضور انتهازي يسعى للاستفادة من القانون  الدولي في جانبه  المتعلق بقضايا الشعوب الأصلية التي يؤطرها ضمن أقليات مضطهدة في أوطانها. وبالتالي يجب على المجتمع الدولي  حمايتها وتمتيعها  بالحق في تقرير مصيرها وحماية مواطنها الاصلية .


ان التشجيع على  الانفصال سواء في المغرب او في الجزائر هي مسألة خطيرة، خاصة مع حالة  الهشاشة والإحباط واليأس ،وارتفاع منسوب فقدان الثقة  في المؤسسات والاحزاب  لدى شعوب الدولتين ،وذلك نتيجة لغياب الديمقراطية و الحكامة الرشيدة ، و تدهور الحريات  واستفحال الريع و الفساد المالي.   
بالتالي على الدولتين الكف عن اللعب بالنار ،و تصحيح علاقاتهما  ،و فتح باب الحوار لحل المشاكل العالقة بين الجانبين. والدخول في شراكات استراتيجية تعود بالمنفعة على الشعبين. كما  على انظمة الحكم في البلدين توفير شروط الممارسة الديموقراطية المقرونة بمبدأ المساءلة وعدم الإفلات من العقاب .وسن سياسات تنموية  تروم لتحقيق التنمية المستدامة ، وتنقية الأجواء السياسية والحقوقية بالإفراج على جميع معتقلي الرأي ومعتقلي الحركات الاحتجاجية .ورد الاعتبار للغة و الثقافة والتاريخ الأمازيغي للمنطقة المغاربية الذي يعود لآلاف السنين. وكذا للجهات التاريخية في كلا البلدين مع تمكين هذه الجهات من حقها في تقرير مصيرها ،وتسيير شؤونها  في  إطار الوطن الواحد والدولة الديموقراطية  البسيطة والمركبة.  
د.تدمري عبد الوهاب
طنجة في 22 أبريل 2024                          

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى