هشام زهدالي: الصحافي محمد الزغودي، الحاضر في غيابه.

يبقى تكريم “سي محمد الزغودي” واجبا إنسانيا، والإلتفاتة إليه ضرورة أخلاقية، وإستحضار خصاله في كل وقت وحين فرض عين على كل من يعرف هذه الأيقونة الإعلامية، والتي ستكون الذاكرة جاحدة إن تجاهلتها بقصد أو بغيره.

فعرفانا بما أسداه الزغودي للإعلام الوطني عامة يوم كان مراسلا لبيان اليوم في نسختها الفرنسية، أو متعاونا مع ليكونوميست، وللإعلام الجهوي يوم كان يدير بحكمة وموضوعية قل نظيرها مواقعا، ويرسم خطوط تحرير وازنة لمجموعة من المنابر الجهوية، وجب إستحضار إسمه والذي سيبقى موشوما في الذاكرة الفردية والجمعية، والإحتفاء به كأيقونة تركت بصمة في حقل الإعلام، الذي إفتقده.
وحده الجاحد من ينكر دور الزغودي في التأسيس لمنطق الكتابة الرصينة، وأخلاقها، كونه لم يكن إنشائيا يستهويه تنميق اللغة، وطلائها بقواميس التجميل، بقدر ما كان أستاذا لفرنسية كان ينطقها بأناقة ويغازلها حين يباشر الكتابة متزودا بآليات ديداكتيكية كان يضبطها كتربوي تتلمذت على يده أجيال، صانعا منها أطباقا إعلامية بنكهات الفكر والسياسة والرياضة والإقتصاد.

موسوعيا كان السي الزغودي، وراعيا لثقافة الإعتراف والإحترام، وصدرا رحبا تعايش الإختلاف في تفاصيله، حتى غذا بوثقة كانت تنصهر فيها أطياف التضارب الفكري والسياسي، بشهادة من عرفه عن قرب يوم كان يمارس السياسة متشبعا بأفكار التقدم والإشتراكية، جاعلا من ممارسته مرآة لما كان يعتقده.
ملزم أن تثني على السي الزغودي بلغتي الضاد، و موليير، كيف لا وهو الذي كان يتقن صنعتهما، ويتفنن في ترتيب مفرداتهما بين ثنايا مقالاته وتحليلاته الوازنة والرصينة، لا يبغي مجاملة أحد، ولا يراهن على إستثمار ما ينتجه من مواد ومعرفة.
لم يتعاطى الزغودي مع الإعلام كهواية، أو عشيقة كان مجبرا أن يصبغ مشاعره بطلاء التزييف لينال رضاها، بل إستعمله آلية للدفاع عن جهة الشرق بكل بسالة وموضوعية وثقة واضعا كل ثقله المعرفي والتحليلي والبحثي تحت تصرف الجهة التي كتب الكثير من المواد والبحوث أيام تأهليها حضريا.

طاردته لعنة المرض، لتفرض عليه التواري والغياب، لكن يبقى غياب الزغودي حضورا، لأنه جعل لنفسه ذكرى لن تتجاهلها وإن حرصت، وسيتردد صدى إسمه في كل تفاصيل مدينة وجدة، التي أعطاها أكثر مما أعطته، وإحترق ليضيئ دروبها، وعاش رغم الداء والأعداء، شامخا بزاد الطيبة والجدال بالتي هي أحسن.
سنرفع أكفف الضراعة، للقدير، نسأله رجاءا أن يستبدل سقمك عافية، ونؤكد لك أن غيابك الإضراري هو حضور في يوميات كل من عرفك من محيطك القريب إلى زملائك الإعلاميين.
فألف تحية السي زغودي، وسلام عليك يوم ولدت ويوم تموت ويوم تلقى الله.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى