الأضحية بين التحرر التاريخي وتحديات الحداثة… على خطى د.عبدالصمد بلكبير
قراءة في مقال د. عبدالصمد بلكبير : الأضحية والأنثروبولوجية

عبدالعالي الجابري – وجدة، 8 يونيو 2025
في زمن تتصارع فيه الأفكار حول الهوية والتراث، يأتي طقس الأضحية ليثير نقاشًا عميقًا حول دلالاته التاريخية والاجتماعية. يرى الدكتور عبد الصمد بلكبير، في تأملاته الأنثروبولوجية، دونها على على صفحة ملتقى النظر في الفايسبوك تحت عنوان الأضحية والأنثروبولوجية، والتي اعدنا نشرها (راجع المقال الأصلي بالضغط هنا)، أن الأضحية ليست مجرد شعيرة دينية، بل لحظة فارقة في مسيرة الإنسان نحو التحرر من الوثنية والجهل. لكن، في مواجهة حداثة ترفض التراث واستعمار يستغل الجهل، كيف يمكننا إعادة قراءة هذا الطقس في سياقنا المعاصر؟
الأضحية: ذبح الجهل لا الدم
يؤكد بلكبير أن الأضحية تمثل نقطة تحول في تاريخ شعوب المتوسط، حيث انتقلت من عبادة الكبش والتضحية بالبشر إلى وعي بالمطلق العقلاني. هذا التحول لم يكن طقسًا دينيًا فحسب، بل ثورة فكرية ضد الأوهام التي كبلت العقول.
الأضحية، في هذا السياق، هي ذبح للجهل، رمز للانعتاق من الأساطير التي خدمت نخبًا استغلالية، كما يوضح من خلال نقد المؤرخ الناصري لموقف أبناء الكاهنة، حيث كان الهدف اختبار إيمانهم، وليس إذلالهم.
الاستعمار وإدامة الوثنية
لكن هذا التحرر التاريخي يواجه تحديات معاصرة. ينتقد بلكبير الاستعمار الذي، بدعوى “حرية العقيدة”، يشجع استمرار الوثنية في مناطق مثل الهند، حيث تُعبد البقر والفئران. هذا التشجيع، في نظره، ليس تسامحًا، بل استراتيجية لتسهيل استغلال الشعوب عبر إبقائها في “عبودية محبذة”. هذا النقد يمتد إلى الرأسمالية المتوحشة التي، تعيد قيم “الغاب”، مما يهدد بالردة إلى الخرافات.
الحداثة العدمية: رفض التراث أم إعادة إنتاجه؟
في المقابل، يوجه بلكبير نقدًا للتيار الحداثي العدمي الذي يرفض الشعائر التقليدية مثل الأضحية، معتبرًا إياها رجعية. هذا الرفض، في رأيه، يتجاهل الحاجة البشرية إلى التقاليد التي تعزز التماسك الاجتماعي والعقدي.
الأضحية ليست مجرد طقس قديم، بل وسيلة لإعادة إنتاج المنجز التحرري للبشرية، كما تفعل شعوب تستخدم الحجر أو الشجرة في سياقات رمزية، مثل الحج أو الثورات.
التاريخ كمرآة: دروس من الماضي
يستحضر الكاتب لحظات تاريخية لتدعيم رؤيته، مثل تردد الصحابة في تكسير الأصنام في الكعبة، خوفًا من العواقب، قبل أن يبادر النبي بنفسه. هذا المشهد يعكس صعوبة التحرر من المعتقدات المتجذرة، حتى لدى المؤمنين. كما يشير إلى موقف الناصري من إرغام أبناء الكاهنة على نحر الأكباش، وهو موقف أسيء فهمه كإهانة، بينما كان محاولة لتحريرهم من الوثنية.
هذه الأمثلة تؤكد أن التحرر يتطلب شجاعة فكرية، سواء في مواجهة التقاليد أو في إعادة تفسيرها.
إعادة قراءة الأضحية اليوم
في عالم يواجه تحديات الهوية والعولمة، تصبح الأضحية رمزًا للتوازن بين التراث والحداثة. إنها ليست مجرد طقس ديني، بل احتفاء بالتحرر الفكري والاجتماعي. لكن استمرارها يتطلب وعيًا يحميها من التحول إلى مجرد روتين، ويواجه محاولات استغلال الجهل تحت شعارات التسامح أو الحداثة.
كما يدعو بلكبير إلى إعادة إنتاج هذه الشعائر بما يخدم الحاضر، من خلال تعزيز الفرح والتجمع الأسري، دون الانزلاق إلى الخرافات.
خاتمة: التراث كأداة تحرر
يتركنا بلكبير أمام سؤال جوهري: كيف نحافظ على التراث كأداة تحرر، لا قيدًا؟ الأضحية، في هذا السياق، ليست مجرد ذكرى تاريخية، بل دعوة للتفكير النقدي في علاقتنا بالماضي والحاضر. إنها تحدٍ للحداثة العدمية التي ترفض التراث، وللاستعمار الذي يستغل الجهل، ولنا جميعًا كي نعيد إنتاج تقاليدنا بوعي يعزز إنسانيتنا.
في عيد الأضحى، وإن كنا هذه السنة لن نحتفل فقط بالذبيحة، فالاكيد أننا سنحتفل بالعقل الذي يحرر وبالتراث الذي يوحّد.