مناقشة اطروحة : الإعلام الجديد والهوية الثقافية المغربية… جدلية التثمين بين الفرص والتحديات

مقدمة
في عصر التحولات الرقمية المتسارعة، برزت قضية الهوية الثقافية المغربية كمحور مركزي للنقاش حول كيفية تعزيزها وحمايتها عبر منصات التواصل الاجتماعي. تناولت هذا الموضوع الحيوي، أطروحة الدكتوراه للباحث مصطفى الصالحي، تحت إشراف الدكتور مصطفى العربي سلوي، بعنوان “تثمين الهوية الثقافية المغربية في الإعلام الجديد: الشبكات الاجتماعية نموذجًا”. وقد تكونت لجنة المناقشة من الاساتذة: د.يحيى العمارة رئيسا، و د. محمد القاسمي عضوا و د. هشام كزوط عضوا و د. الطاهر بلحضري عضوا.
سلطت الأطروحة الضوء على دور الإعلام الرقمي في إبراز الهوية الثقافية المغربية، مع مناقشة الفرص والتحديات المرتبطة بهذا الفضاء. يستعرض هذا المقال التحليلي أبرز النقاط التي تناولتها الأطروحة ومداخلات لجنة المناقشة، مع توثيق كل تدخل، لفهم هذه العلاقة الجدلية واستشراف آفاقها المستقبلية.

المناقشة الأكاديمية: تحليل المداخلات
شكلت مناقشة أطروحة مصطفى الصالحي منصة غنية لتحليل العلاقة بين الإعلام الجديد والهوية الثقافية المغربية. فيما يلي استعراض لمداخلات أعضاء اللجنة، مع دمج نقاط القوة والضعف ضمن كل تدخل:
قدم الباحث مصطفى الصالحي أطروحته التي تهدف إلى استكشاف كيفية استثمار الشبكات الاجتماعية لتعزيز الهوية الثقافية المغربية. أشادت اللجنة بنفسه المعرفي ومهاراته اللغوية في العربية، الإنجليزية، والفرنسية، ووصف رئيس الجلسة هذا الجانب بأنه “شيء جميل جدًا”.
كما تم الثناء على العمق الأكاديمي، حيث وصف بأنه عمل “قوي جدًا على المستوى المعرفي” و”فريد من نوعه”. كما أبرزت المداخلات تركيز الأطروحة على “سؤال مغربي” يعكس التحولات المجتمعية، مع جهد نظري “احترافي” يعتمد على مراجع وازنة مثل عبد العزيز بركات.
كذلك، نال تقديم إحصائيات عالمية ومحلية إشادة كجزء من الفحص الوثائقي الذي يعكس قراءة واسعة في مناهج البحث الإعلامي .
ومع ذلك، واجهت الأطروحة انتقادات منهجية ولغوية. حيث أشير إلى افتقارها لهوية منهجية واضحة، مع خلط بين تقنيات البحث (مثل دراسة الحالة) وأدوات جمع البيانات (مثل المقابلات).
كما تم انتقاد ضعف دراسة الحالة حول سلوك الأفراد على فيسبوك، معتبرًا أنها ليست “قوية أو ممثلة”.
وقد لاحظ رئيس الجلسة وجود “الظاهرة المشرقية” في الكتابة، أي أسلوب يفتقر للدقة العلمية، وتحول المقدمة إلى توصيات بدلاً من تأطير الموضوع.
كذلك، تم التشكيك في مصداقية بعض المراجع، خاصة تلك المنسوبة إلى جامعة باتنة الجزائرية، مع التوصية بالاعتماد على مفكرين مغاربة مثل عبد الله العروي وحسن رشيق.
أخيرًا، نسجل الاشارة إلى أن النتائج اعتبرت وصفية وذاتية، دون تقديم “وصفة” واضحة لصناع القرار.
وبشكل عام التوصيات شملت تجويد العنوان، وتحسين المنهجية، وتوثيق المصادر بدقة أكبر .
مداخلة رئيس الجلسة : الدكتور يحيى اعمارة
قدم رئيس الجلسة مداخلة متوازنة، مؤكدًا أن الهدف هو “وضع الباحث على سكة صحيحة” من خلال النقاش العلمي. أشاد بالنفس المعرفي والنسق التحليلي للأطروحة، واصفًا إياهما بـ”شيء جميل جدًا”، ونوه بمهارات الباحث اللغوية في العربية، الإنجليزية، والفرنسية.
كما أبرز تماسك الأطروحة كـ”نسق منظم له بداية ونهاية”، وأثنى على تناولها “سؤالًا مغربيًا” يركز على الهوية في سياق التحولات المجتمعية. أضاف أن قدرة الباحث على الجمع بين حقول الإعلام والثقافة والتواصل تعكس بعدًا معرفيًا قويًا .
على الجانب النقدي، لاحظ رئيس الجلسة “الظاهرة المشرقية” في أسلوب الكتابة، داعيًا إلى تعزيز الدقة العلمية. كما انتقد غياب نقاش حول المؤسسات الثقافية المغربية، مثل المجلس الوطني للصحافة والهيئة العليا للسمعي-البصري، واقترح مراجعة المقدمة والإهداءات.
كما وجه انتقادًا للاعتماد المفرط على مراجع جزائرية مشكوك في مصداقيتها، داعيًا إلى الاستفادة من مفكرين مغاربة مثل حسن رشيق وعبد الله العروي. التوصيات تضمنت تعزيز الجرأة العلمية، مناقشة المؤسسات الثقافية، وتنوع المراجع لتعزيز المصداقية .
دور الأستاذ الدكتور مصطفى العربي السلوي
بصفته الاستاذ المشرف على العمل رحب الدكتور مصطفى العربي السلاوي بالاساتذة المناقشين كما اثنى على الطالب الباحث، مركزا على بعض مناقبه الحسنة، وبالمقابل نال تقديرًا كبيرًا كمشرف على الأطروحة.
أشاد رئيس الجلسة بأعماله المتميزة، مؤكدًا أن إشرافه أضاف قيمة نوعية للبحث وأن مساهماته العلمية تثري البحث الأكاديمي بشكل عام. ويعكس هذا التقدير الذي حضي به الاستاذ سلوي من قبل الاساتذة المناقشين الدور المحوري الذي لعبه في توجيه الباحث نحو إنجاز هذا العمل .
مداخلة الأستاذ الدكتور محمد بن عبد العالي القاسمي
ساهم الدكتور محمد بن عبد العالي القديم في إثراء النقاش بملاحظات عملية، مستخلصًا من سياق مداخلات اللجنة. أشاد بضخامة الأطروحة، واصفًا إياها بأنها “تتضمن كتبًا”، مما يعكس شموليتها وعمقها. كما أكد أن الأبحاث الكبيرة، حتى لو بلغت مئات الصفحات، يجب أن تؤدي إلى نتائج وخلاصات مفيدة للقارئ والمتلقي، مما يبرز تركيزه على العمالية.
ومع ذلك، دعا إلى تضييق نطاق الدراسة، مقترحًا التركيز على منصة واحدة مثل فيسبوك لتحقيق تحليل أعمق وأكثر دقة، بدلاً من التشتت بين منصات متعددة. التوصيات ركزت على تحقيق نتائج عملية وتعزيز التركيز المنهجي لضمان جودة البحث .
مداخلة الأستاذ الدكتور هشام كزوط
قدم الدكتور هشام كزوط إسهامات نظرية أثرت النقاش، مع إشارات إلى ملاحظاته عبر مداخلات الآخرين. أشاد بأهمية الاستشراف في البحث، مؤكدًا ضرورة توظيف النتائج لتقديم حلول مستقبلية. كما تناول مفاهيم العصر الحديث مثل “الحداثة السائلة” و”ما بعد الحداثة”، وربطها بتحولات الهوية الثقافية، مستخدمًا مصطلح “زياحات الهوية” للدلالة على ديناميكيتها.
كما أضاف أن توافق رؤاه مع رئيس الجلسة حول الدراسات السابقة في سوسيولوجيا الإعلام يعكس الحاجة إلى تحليل نقدي أعمق لهذه الدراسات.
على الجانب النقدي، أثار تساؤلات حول مصادر الإحصائيات المستخدمة، مشيرًا إلى ضرورة التحقق من موثوقيتها. التوصيات تضمنت تعزيز النقد المنهجي للدراسات السابقة، التركيز على تحديات العصر، وتوظيف بيانات دقيقة لدعم التحليل.
مداخلة الأستاذ الدكتور الطاهر بلحضري
قدم الدكتور الطاهر بلحضري مداخلة نقدية شاملة، وصفها رئيس الجلسة بأنها “قراءة عميقة” تهدف إلى تجويد العمل. أشاد بالنفس المعرفي للباحث، واصفًا إياه بأنه “جميل جدًا”، ونوه بمهاراته اللغوية في العربية، الإنجليزية، والفرنسية، مشيرًا إلى أنه “عاشق للغة العربية”.
كما أثنى على الجهد النظري “الممتاز” والاعتماد على مراجع وازنة، إضافة إلى تقديم إحصائيات عالمية ومغربية تعكس قراءة واسعة. وصف الأطروحة بأنها “عمل فريد” و”قوي أكاديميًا”، مع نسق تحليلي منظم “له بداية ونهاية” .
على الجانب النقدي، انتقد الخلط بين تقنيات البحث وأدوات جمع البيانات، واقترح اعتماد منهج مختلط أو تحليل الشبكات الاجتماعية.
شكك في دراسة الحالة حول سلوك الأفراد على فيسبوك، معتبرًا أنها غير ممثلة، وانتقد التداخل بين المقابلات المعمقة ومجموعات النقاش. كما لاحظ ضعف الفحص الوثائقي، مثل الاعتماد على حلقة واحدة من برامج تلفزيونية. أشار إلى “الظاهرة المشرقية” في الكتابة، ودعا إلى تجنب وصف البحث بـ”المتواضع”.
انتقد أيضًا قدم المراجع والاعتماد على مصادر غير موثوقة، مثل مواقع إلكترونية، وأوصى بالاستفادة من مفكرين مغاربة بارزين. أخيرًا، لاحظ أن النتائج كانت وصفية ولم تقدم حلولًا واضحة لإشكالية البحث.
التوصيات شملت تحديد المصطلحات، تجويد المنهجية، الاعتماد على دوريات محكمة، وتقديم نتائج مرتبطة بالإشكالية .

خاتمة: نحو مستقبل رقمي بهوية أصيلة
إن أطروحة الدكتوراه للباحث مصطفى الصالحي، التي حضيت بتقدير جيد جدا من قبل هيئة المناقشة مع توصية بالطبع، ومناقشتها الأكاديمية، لا تمثل مجرد إنجاز فردي، بل هي محطة فكرية مهمة تدفعنا إلى إعادة التفكير في علاقتنا بالتكنولوجيا وبمستقبل هويتنا الثقافية. فالعلاقة بين الإعلام الرقمي بكل تلاوينه والهوية الثقافية ليست علاقة أحادية الاتجاه، بل هي تفاعلية وديناميكية. وبينما توفر لنا الشبكات الاجتماعية أدوات غير مسبوقة للتعريف بتراثنا الثقافي، ونشره، والتفاعل معه، فإنها في الوقت نفسه تطرح تحديات معقدة تتطلب يقظة مستمرة وتخطيطاً استراتيجياً.
لذا فإن مستقبل الهوية الثقافية المغربية في الفضاء الرقمي يتوقف على قدرتنا على استثمار هذه الأدوات بذكاء وحكمة. وهذا يتطلب جهوداً جماعية من الأكاديميين، وصناع المحتوى، والفاعلين الثقافيين، وحتى الأفراد، لإنشاء محتوى رقمي أصيل وجذاب يعكس غنى وتنوع هذه الهوية. كما يستلزم الأمر تطوير سياسات رقمية تحمي الموروث الثقافي من التشويش والتحريف، وتضمن حضوره بقوة في المشهد الرقمي العالمي.
فالمستقبل الواعد هو الذي يجمع بين أصالة الماضي وإشراقة التكنولوجيا، ليصنع هوية ثقافية مغربية متجددة، قادرة على التفاعل مع العالم دون أن تفقد جذورها العميقة.
