حرب باردة جديدة في مقرّ الأمم المتحدة!

محمد الشرقاوي – نيويورك

لم يكن السّومريون القدامى خلال سعيهم لتأسيس الكتابة والتدوين يعتقدون أنّ ألواحهم ستتحوّل إلى كتب تمتد على طول أربعين مترا في عهد ملك فرعون رمسيس الثالث. ولم يتوقّع المصريون القدامى أنّ خيال الرومان سيتفوق عليهم بازدهار صناعة الكتب وتأسيس المكتبات في القرن الأول قبل الميلاد. ولم يعلم تشي لون Cai Lun الموظف في البلاط الإمبراطوري خلال حكم دولة هان في الصين في القرن الثالث قبل الميلاد والذي اخترع أول لفيف ورق صنعه من نبات التوت وألياف أخرى مع ما يعلق بشباك الصيد والخرق القديم ونفايات القنب، لم يعلم أن هناك من سيتجاوز حدود ألمعيته عندما ذاع صيت يوهانيس غوتبروغ عقب ابتكاره آلة الطباعة المتحرّكة عام 1450، فانطلقت بذلك عملية إصدار وطبع الكتب بآلاف النسخ في أوروبا.

لم يعلم هؤلاء المخترعون لأدوات الكتابة والنشر ولم تتوقّع هذه الأمم التي احتضنت ثقافة القراءة عبر التاريخ أن الكتاب سيغدو أداة حرب نفسية داخل أهم منتدى دولي في القرن الحادي والعشرين. إنّها نقمة الكتب وليدة التشنج والتصعيد في حقبة الأزمات والصراعات بين الدول.

فقد قرّرت دانييلا رودريغز Daniela Rodríguez الموظفة في السفارة الفنزويلية في واشنطن اليوم مطالعة كتاب عن تاريخ الزعيم بوليفار وهي تجلس في مقعد فنزويلا في الجمعية العامة للأمم المتحدة كاستخفاف ضمني بخطاب الرئيس ترمب، وهو يقول “إن الدكتاتور مادورو دمية كوبية يحميها الحراس الشخصيون الكوبيون ويختبئ من شعبه بينما تنهب كوبا الثروة النفطية لفنزويلا للحفاظ على حكمها الشيوعي الفاسد.”

حرب باردة جديدة في مقرّ الأمم المتحدة!插图

حرب الكتب ذاتها اتّسمت بها الجمعية العامة عام 2006 عندما وقف الرئيس الرّاحل هيوغو تشافيز وقتها في المنصة يصليّ من أجل إبعاد “الأرواح الشريرة” كناية عن الرئيس جورج بوش الإبن، ثم قرّر اقتباس مقاطع من كتاب “الهيمنة أو البقاء على قيد الحياة: سعي أمريكا للهيمنة على العالم” Hegemony or Survival: America’s Quest for Global Dominance للمفكر اليساري نعوم تشومسكي في انتقاد الامبريالية الأمريكية وخطاياها في أمريكا اللاتينية في الثمانينات.

حرب باردة جديدة في مقرّ الأمم المتحدة!插图1

نعمة المعرفة والتنوير التي كرّسها الكتاب عبر العصور تحوّلت إلى محلّ تلاعب دبلوماسي عبثي ونقمة سياسية سخيفة. وقد توحي بضرورة وضع حدّ لهذا الاستخدام غير الشريف للكتاب.

أجدني أفكّر في حملة دولية جديدة شعارها “يا كتّاب العالم ويا قرّاء الكتاب في العالم، اتّحدوا.”

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى