نقاش: اليسار بين الانتظارية والتراجع… أزمة الحركة الاتحادية نموذجا

الحركة الاتحادية ليست مجرد انتماء لحزب سياسي، بل هي روح نضالية متجذرة في تاريخ اليسار المغربي، متماهية مع طموحات الطبقات الشعبية ومبنية على رؤية ثورية للتغيير الجذري. لم يكن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية مجرد إطار حزبي، بل كان حاملاً لمشروع تحرري شكل امتدادًا طبيعيًا لنضالات الحركة الوطنية التي قادها رموز بحجم المهدي بن بركة وعبد الرحيم بوعبيد والفقيه البصري. هؤلاء لم يكونوا مجرد سياسيين، بل كانوا ثواراً رفضوا كل أشكال المساومة والانتهازية، وظلوا مخلصين لمبادئهم حتى النهاية، حيث كان هدفهم الرئيسي هو بناء مغرب العدالة الاجتماعية والتحرر من الهيمنة الإمبريالية والتسلط المخزني.

لكن هذا الإرث النضالي تعرض، عبر مسار طويل من التراجعات والانحرافات، إلى عملية تدجين ممنهجة قادتها القيادات التي ورثت الحزب دون أن ترث روحه النضالية. واقع حال الحزب حاليا يمثل تجسيدًا صارخًا لهذا التحول السياسي، حيث اختزل العمل الحزبي في مناورات انتهازية وتحالفات هجينة أفرغت الحزب من جوهره التقدمي، وحولته إلى أداة طيعة في يد الدولة المخزنية. لم يعد الحزب فضاءً للنضال السياسي والفكري، بل تحول إلى جهاز بيروقراطي يسعى إلى تقاسم الكعكة السياسية دون أي التزام بمشروع تغييري حقيقي.

لقد شكلت حكومة التناوب لحظة فارقة في هذا التحول، إذ دخل الاتحاد الاشتراكي إلى مربع السلطة دون امتلاك شروط فرض مشروعه الإصلاحي، فتورط في التسيير البيروقراطي للدولة وأصبح شريكًا في إدارة أزمات النظام عوض أن يكون بديلاً ثورياً له. تراجعت الرهانات الاشتراكية، وانهارت مبادئ الصراع الطبقي، وتحول الحزب إلى مجرد رقم داخل مشهد سياسي عقيم تتحكم فيه التوازنات الهجينة. لقد كان الاتحاد الاشتراكي في مرحلة ما صوت الطبقات الكادحة، وحينما فقد هذا الدور تحول إلى مجرد أداة لتأثيث المشهد الحزبي، فاقدًا لكل شرعية نضالية.

إن هذا الانحراف لم يكن مجرد خطأ استراتيجي، بل كان نتاجاً لمسار طويل من التراجع الإيديولوجي. لقد تخلى الحزب عن ارتباطه بالماركسية النقدية وبالتحليل الطبقي الجذري، واستبدله بخطاب إصلاحي مهادن يتماهى مع النيوليبرالية المخزنية. تحولت قضية العدالة الاجتماعية إلى مجرد شعارات فارغة تُرفع في الحملات الانتخابية، بينما تم تفكيك أي محاولة لإحياء الحركات الاجتماعية من داخل الحزب. لقد صارت أولويات القيادة منصبة على الحفاظ على المواقع والمصالح الضيقة بدل النضال من أجل مغرب بديل.

اليوم، لا يمكن الحديث عن الاتحاد الاشتراكي بنفس الحمولات الفكرية التي حملها في مرحلة التأسيس. لقد انتهى كحزب اشتراكي بمفهومه الراديكالي، وتحول إلى جهاز حزبي بيروقراطي وظيفي ضمن بنية الحكم. لكن الحركة الاتحادية الحقيقية ليست رهينة بهذا التحول، لأن جوهرها سابق للحزب نفسه، وهو مرتبط بتاريخ النضال الاشتراكي في المغرب، ومرتبط برموز لم تساوم ولم تخضع لمنطق الترويض المخزني.

إن الانتماء للحركة الاتحادية اليوم يعني رفض هذا التشويه الذي لحق بحزب الاتحاد الاشتراكي، واستعادة الروح الثورية التي قام عليها. لا يمكن لليسار الجذري أن يقبل بهذا المسخ، ولا يمكن أن يسمح لقوى الانتهازية أن تحتكر تاريخاً لم تصنعه. لذا، فإن الارتباط الحقيقي بالمدرسة الاتحادية الأصيلة يقتضي مواجهة هذا الانحراف، واستكمال مشروع النضال الاشتراكي الذي أوقفه القمع من جهة والخيانة من جهة أخرى. إن إعادة الاعتبار للحركة الاتحادية تتطلب اليوم إحياء الفكر الاشتراكي الجذري، وإعادة ربط النضال السياسي بالقاعدة الجماهيرية التي تم إقصاؤها وتهميشها من طرف نخب حزبية تحولت إلى مجرد أدوات لخدمة الاستبداد المخزني.

  • الحسيمة في فاتح أبريل 2025.
  • أبوعلي بلمزيان.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى