محمد بنعبد القادر ؛ رجل المهام الصعبة – اصعب إصلاح هو إصلاح الادارة –

عبد السلام المساوي 
  نعم ان الأشخاص يمرون ، لكن بصماتهم تبقى ، نعم ان الأشخاص يعبرون ، لكن المؤسسات تبقى قائمة تراكم معطيات سيرورتها الخاصة ، نعم ان العمر لا يتسع لامرئ كي يحقق كل متمنياته ، لكنه يمكن أن يسعد قليلا بما تحقق له منها . نعم ان فترة المسؤولية على رأس اي مؤسسة عمومية لا تتسع بالقدر الكافي لشخص ما كي يستكمل نموذجه المثالي ، لكنه يمكن أن يطمئن على منجزه حين يصيب بعدوى أفكاره أناسا اخرين …ان الأفكار مثل الأشجار تماما ، تغرس وتنمو وتعطي ثمارها بعد حين …فلا أحد – الان وغدا – يمكن أن يجادل في ان وزيرا مناضلا اسمه محمد بنعبد القادر قد أنهض للمغرب منشأة عمومية اسمها وزارة إصلاح الادارة والوظيفة العمومية ، وأقام لها صرح وزارة فعالة بمواصفات حديثة ، متجاوبة مع الطموح التنموي لصاحب الجلالة ، وأرسى برصيد سياسي وتكوين اكاديمي ودأب مغربي اصيل ، لبنة كان المغاربة في أمس الحاجة إليها على طريق الانخراط في بناء مغرب قوي ، بإدارة عنوانها الحكامة في التسيير والتدبير ، وبمرافق عمومية تكون عامل اقلاع لا عامل عطالة …
  تقوم فلسفة محمد بنعبد القادر في الأداء الوزاري على مبدأ ” الانتماء ” ، فهو مشبع بهذا المبدأ ويرى أن الشعور بالانتماء هو مكمن الاحساس بالمسؤولية ومحرك المردودية وحافز الغيرة على الوطن وبطارية المبادرة والتفاني في القيام بالمهام المطلوبة ، بل إنه يعتقد واثقا ان الانتماء الحقيقي للوطن يبدأ من الانتماء الصادق للمؤسسة التي تمثل حقل خدمة الوطن . لا يفوت بنعبد القادر فرصة لتمرير هذا المبدأ الى نفوس طاقم الاطر والموظفين الذين يشتغلون الى جانبه …ويحرص كل الحرص على غرس هذا المبدأ في كل المواطنين والمواطنات …
   ومبدأ الانتماء للوطن هو عنوان كل الاوراش التي اطلقتها وتطلقها وزارة إصلاح الادارة والوظيفة العمومية ….ويسجل الراي العام ، ويسجل رجال السياسة والادارة ، رجال الاقتصاد والاعمال ، المهتمون والخبراء …ويسجل المواطنون والمواطنات ، ان هذه الوزارة في عهد بنعبد القادر اصبحت عبارة عن ورش كبير ، ورش مفتوح ؛ ميثاق اللاتمركز الاداري ، الجهوية المتقدمة ، ميثاق المرافق العمومية ، وضع آليات فعالة وناجعة لمحاربة الرشوة والفساد ، تاهيل وإعادة هيكلة المرفق العمومي …تصالح الإدارة مع المواطن وتصالح المواطن مع الإدارة …إصلاح الإدارة قاطرة النموذج التنموي الذي ينشده المغرب بقيادة صاحب الجلالة ….القطع مع اساليب الجمود والمقاومة …
  بجرأة سياسية وكفاءة أكاديمية ، بذكاء مهني واجتهاد علمي قارب محمد بنعبد القادر ملفات شائكة كانت الى وقت قريب تعتبر طابوهات وعصية على المقاربة …والان ، وعندما يعرض سعد الدين العثماني حصيلة حكومته ، فإنه يستشهد بإنجازات محمد بنعبد القادر ….
  عانق محمد بنعبد القادر الوجود سنة 1961 بتطوان ايقونة الشمال …بهذه المدينة الساحرة والفاتنة خطا خطواته الاولى ونما في دروبها شاهدا على  بهائها وجمالها …ليصبح منذ طفولته ونعومة اظافره رجلا ممسكا بزمام مسار حياته . حمل في صدره عشق البحر واصرار الانهار على المضي قدما مهما صعبت المسالك ، تشق مجراها بصبر وثبات ، إذ لم يكن سهلا على يافع مثله ان يلتحف أحلامه وينتعل طموحه ، ويتعطر بإرادته ، ويثب الى المستقبل في مرحلة حرجة من تاريخ المغرب …
  محمد بنعبد القادر ابن تطوان الجميلة ، ابن البحر الأبيض المتوسط ؛ من هنا نفهم انفتاحه على الغير وعلى العالم ؛ تشبعه بثقافة الحب والتسامح…قوي بهدوئه ، هادئ في قوته..يفكر ولا ينسى انه يتكلم ، يتكلم ولا ينسى انه يفكر….يتكلم بعقلانية وهدوء …لا يصرخ ، لا حظته في اللقاءات والتجمعات الحزبية ، في المنتديات والجلسات البرلمانية …لا يصرخ ؛ يعلم أن من يصرخ لا يفكر ، ويعلم ان تأثير الصراخ مؤقت في الزمان والمكان …يومن بسلطة الحجة والمعرفة لا حجة ومعرفة السلطة…انه فيلسوف ، انه عقلاني ، انه ديكارتي…
  بعد طفولة هادئة باللون الأبيض والاسود ، بالجدية وشيء من الشغب ، يصطحب ظله لمواجهة المجهول …لمجابهة المثبطات ، لعناق الامل ، ودائما يحمل في كفه دفاتر وورودا ، وفي ذهنه أفكار ومبادرات ، وعلى كتفه مهام ومسؤوليات ، فهو يكره الفراغ ..ان الزمان الفارغ يعدي الناس بفراغه ..وحين يكون الشعور هامدا والاحساس ثابتا ، يكون الوعي متحركا ..وعي بأن الحياة خير وشر …مد وجزر ..مجد وانحطاط …ولكن هناك حيث توجد الإرادة ويكون الطموح …تكون المبادرة ويكون التحدي…تكون الطريق المؤدية إلى النتائج المتوخاة..ويقول بنعبد القادر : ” لا تهمني الحفر ولا اعيرها اي انتباه ” …
  منذ بداية البدايات كشف عن موهبة تمتلك قدرة النجاح، في الدراسة والنضال ، ويظل دائما ودوما متمسكا بطموح النجاح في الثالوث الذي يؤثث مساره ؛ الفكر ، السياسة ، المهنة …لا يزاحم احدا على ” مساحة ” أو ” تفاحة ” بارادته واصراره ينسج نسيجه المميز …
  مسار تعليمي ناجح ومتميز ؛ حاصل على الاجازة في الفلسفة من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط ؛ الم اقل لكم انه ديكارتي !  وحاصل على ماستر في علوم الاتصال والإعلام من الكلية ذاتها …
  حاصل على ماستر في الدراسات الدبلوماسية المعمقة من كلية الحقوق بالرباط ، وهو بصدد تحضير أطروحة دكتورة حول استراتيجية الاتصال لدى منظمة اليونيسكو…
  اذا كان رجال السياسة رجال فعل لا رجال فكر ، فإن الإنصاف للحقيقة يقتضي التأكيد على أن بنعبد القادر يشكل احد الاستثناءات في هذا المجال …انه فكر يمارس وممارسة تفكر…ومعروف عنه انه قارئ جيد ؛ فهو لا ينتمي إلى زمرة المسؤولين والوزراء الذين استنزفتهم مهام واشباه مهام المسؤولية …انه ليس منهم لانه مرتبط أنطولوجيا بالكتاب وبالفكر …ليس منهم لانه محصن بالمصادر ذات المرجعيات الكونية …من هنا النجاح ، انه فكر حي وكفاءة متجددة….
  بعد مسار تعليمي ناجح ؛ اشتغل محمد بنعبد القادر مفتشا ممتازا بوزارة التربية الوطنية ، كما اشتغل منذ  2009 مديرا للتعاون الدولي وتدبير الشراكات بالوزارة …
  محمد بنعبد القادر خبير تربوي لدى العديد من المنظمات الدولية ، وعضو المجلس التنفيذي لمنظمة الايسيسكو ، وأمين عام مساعد للجنة الوطنية المغربية لليونسكو…
  تعطر بوعي سياسي مبكر ، وضرب في الأرض في مرحلة حرجة من تاريخ المغرب …في سن مبكرة بدأ تشكل الوعي السياسي والانخراط في الاختيار الصحيح ..انه ينتمي إلى جيل ما بعد الاستقلال ، الجيل الذي راهن عليه المغرب لبناء المستقبل ، وكان بنعبد القادر في الموعد …من هذا الجيل الوطني والديموقراطي ، الذي كان يضم مناضلي اليسار ، يستمد محمد بنعبد القادر وسائله واغراضه وأدواته السياسية ، فالرجل يختزل المرحلة الحرجة من تاريخ المغرب ، فهو المفكر والسياسي والحقوقي والخبير …نشيط حقوقيا ، سبق له أن تحمل المسؤولية في المكتب الوطني للمنظمة المغربية لحقوق الإنسان ، ومنسقا وطنيا لمشروع الوقاية التربوية من التطرف العنيف ، كما شغل مسؤولية القطب التربوي لاطار عمل الأمم المتحدة للمساعدات الإنمائية بالمغرب ، ومندوبا لمنظمة وزراء التربية للبلدان الناطقة جزئيا أو كليا بالفرنسية …يعتبر نموذجا حيا لظاهرة الوزير المناضل…
  اختار محمد بنعبد القادر ان يكون اتحاديا ؛ اختيار النضال المؤسس على الإيمان بالمشروع الاشتراكي الديموقراطي الحداثي ، والمؤسس على نكران الذات والانفتاح على العالم …محمد بنعبد القادر منتوج اتحادي ، ارتشف السياسة في مدرسة الشبيبة الاتحادية، مناضل وقائد اتحادي بامتياز الكفاءة والتجربة ؛ مسؤول لجنة العلاقات الخارجية وعضو لجنة التحكيم والأخلاقيات في حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ، وفي المؤتمر الوطني العاشر تم انتخابه بامتياز وتميز ، بتقدير واعتراف المناضلات والمناضلين ؛ عضوا للمكتب السياسي …
  رقم وازن ومتميز…يتميز محمد بنعبد القادر بكل خصال المناضل الملتزم …وبكل خصال القائد السياسي التواق الى الديموقراطية والحداثة ، التواق الى الاصلاح والمستقبل ؛ بخصال نظرية وسلوكية كاليقظة العالية والاحتراز ، والتقدم بخطوات محسوبة دون تسرع ودون مراوحة ، وتجنب السقوط في الاستفزاز ورد الفعل ، والانسياق وراء الأهواء والعواطف مهما كانت نبيلة ، وتحرر الفكر من عقاله وتخلصه من عاداته ، وتاهب دائم لخوض غمار تحليل اصيل ومبدع لالتباسات الواقع ، واقتراح حلول ومخارج مطابقة ، وامتلاك الوعي التاريخي الذي ينظر إلى المدى البعيد والنظرة الشاملة التي تتجنب التجزئ ….بخصال إنسانية ؛ بسيط ومتواضع ، كريم وصادق ، مخلص ووفي ؛ وفي للوطن ، وفي للتاريخ ،للأصدقاء ، …نزيه فكريا وأخلاقيا …طاقة جبارة على الاشتغال في مختلف الواجهات ، المهنية والسياسية والفكرية ….
  اعتماد الدقة المنهجية والصرامة المنطقية ، البرهنة العقلانية ورفض الأحكام المسبقة والقوالب الجاهزة والمعتقدات المسلم بها ، معانقة الوضوح والشفافية ، محاربة اللبس والغموض ، محاربة الخلط والتضليل ، اعتماد الاجتهاد والإبداع …اعمال العقل وتشغيل الفكر ، رفض الاتباعية الجامدة والمحاكاة العمياء…….
  يكره اللغة السوداوية والنزعة العدمية …يكره المناورات والتسويات …يكره الاسلوب المتشائم ولغة الياس والتيئيس ..لا…هو انسان جد متفائل ، والعينان تعبران بالابتسامة عن هذا التفاؤل …وهذا الطموح .،.انسان بشوش في طيبوبته ، وطيب ببشاشته …هكذا كما نعرفه ، اسمه محمد بنعبد القادر ، اسم أنجبته تطوان بسحرها وجاذبيتها …اجتماعي بطبعه …وما اسهل تاقلمه في المجال اذااراد بمحض إرادته دون أن يخضع لأي أمر او قرار …يقول ” لا لإعطاء الدروس بالمجان ” ….يحب الحرية بمسؤوليتها ومروءتها….
  عانق النضال وهو تلميذ ، وهو طالب ،وهو اطار مهني مقتدر ، وهو وزير ….تحاصره اسراب البوم كليالي النفاق طالعة من جحور القبيلة فتلقاه معتصما باختياره….وقف بنعبد القادر فوق خشبة الحياة فأعلن رفضه للرداءة …انه صاحب اشكالية ملحاحة ، وملح في اقتراح الحلول لها ، اشكالية تنمية المغرب ودمقرطة مؤسساته  والعنوان إصلاح الادارة ..
  تربية نضالية نزعت من بنعبد القادر للابد الإحساس بالخوف والاستسلام …زرعت فيه الإمساك بزمام مسار حياته مهما كانت العراقيل والعوائق …تربية زرعت فيه الصمود والتحدي …تنفس عبق تربية هادفة ومسؤولة …ترببة تعتمد الجدية والصرامة مرات وتعلن الليونة والمرونة مرارا….
  بالرغم من انه غادر عمر الزهور ، فإنه ما زال محتفظا ببريقه وديناميته  ، فبنعبد القادر الذي تمرس بنضالات الالتزام السياسي والحقوقي ومسؤوليات العمل المهني والحكومي ما زال متمسكا بوهج الحياة…صفة الشباب تلازمه اينما حل وارتحل …فاعل ديناميكي …يتمتع بخاصية فريدة في المرح التي لا تخفي جديته وصرامته ، يتميز بحسن الدعابة بالرغم من انه يقتصد في ابتسامته…وفي للوطن ، وفي للحزب …وفي للنشيد ؛ ( منبت الأحرار …) ، ( اتحادي اتحادي …)….

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى