كورونا دروس وعبر

الطيب الشكري

الله وحده يعلم حجم الألم الذي حل بنا ونحن نرى نساء ورجال يتساقطون كالذباب بعد أن عجز الطب عن فك شفرة الداء الذي أصاب البشرية جمعاء، مآت الجثة كل يوم وآلاف الإصابات، خوف وهلع وترقب بعد أن أضحت الأرض بؤرة موبوءة من أقصاها إلى أقصاها ولا حديث إلا عن الكورونا، أغلقت المساجد والكنائس ونكست الأعلام وتقلصت فرص النجاة من الإصابة بالداء الفتاك ، كل يوم يزداد منسوب الخوف من إحتمال وجود إصابات ، بيانات هنا وهناك ترصد الحالات وتبلغ العالم بالمزيد من الوفايات والإستعداد لأسوء الإحتمالات، إنتهت معها حلول الأرض ولم يبق للبشرية إلا حلول السماء .
في وطني المغرب الأمر إختلف عن عدد من الدول التي شهدت إنفجارا في عدد الإصابات والوفايات في غياب فرص للنجاة، أخذنا معها جرعة كبيرة من الأمل في أننا قادرون على رفع التحدي رغم قلة الإمكانيات وضعف منسوب الوعي وإنعدامه لدى شريحة كبيرة من المواطنين التي إتخذت من الداء الفتاك مجالا للتنكيت قبل أن تحزم أمرها بعد الإعلان عن تسجيل أول الحالات أصبح معها التعامل جدي وغير قابل للمزح قط، فنحن ومعنا ملايين البشر في مواجهة عدو يتنقل بسرعة البرق، عدو خفي يزحف في صمت مستغلا لامبالاتنا وإستهتارنا بخطورته فكان لزاما أخذ الحيطة والحذر و الإستفادة من أخطاء عدد من الدول التي أعلنت بؤرا للفيروس وتعامل مواطنوها بشيء من اللامبالاة فكانت النتيجة مآساة إصابات بالآلاف وجثت بالمآت، لن أبالغ إذا قلت أن قراراتنا ملكا وحكومة وشعبا كانت فاصلة وحاسمة وغير قابلة للتردد ولا للحسابات الإقتصادية إختلفنا مع الآخرين رغم محدودية وسائلنا وضعف بنيتنا الصحية التي طالب البعض سامحهم الله بأن ترفع الدولة يدها عنها، وضعنا الإنسان والوطن في مواجهة المال والإقتصاد فاخترنا بشجاعة الإنسان تلتها حزمة من الإجراءات التي أعتبرها شخصيا تاريخية وتحتاج لأن تدون بمداد من فخر، فلأول مرة نكون يد واحدة وصوت واحد في مواجهة هذا الغول الذي ركع أعتى الدول وأقواها وجعلها ضعيفة وعاجزة أمام زحفه وانتشاره بهذا الشكل المفزع ، فكنا سادة قراراتنا وإجراءاتنا وتدابيرنا التي كانت حاسمة وغير قابلة للتردد ولا للحسابات الدولية أو الإقليمية التي كشفت عورة عدد من التحالفات والإتحادات التي جعلت كل دولة مصابة تتخلى عن حليفاتها وتتركها تواجه مصيرها المحتوم .
المرحلة كشفت لنا أن الرهان الكبير الذي علينا جميعا كسبه مستقبلا والعمل على تحقيقه كل من موقعه هو تأهيل الإنسان قبل تأهيل المكان ، مهمتنا تكمن في إعداد مواطن يكون في مستوى الأزمات وينضبط للقرارات دون أن نحتاج لدعوات عبر مكبرات الصوت .
نحتاج إلى أحزاب حقيقية فاعلة مبادرة تأطر وتربي وتتفاعل بشكل يومي وليس ظرفي من أجل مصالح انتخابية ليس إلا .
نحتاج إلى جمعيات فاعلة ونشيطة تتحمل مسؤوليتها بكل وطنية وليس جمعيات ورقية موسمية .
نحتاج إلى مؤسسات وطنية حقيقية ترفض أسلوب الإبتزاز وإستغلال الأزمات للمطالبة بالتعويضات .
نحتاج إلى فعاليات فنية ورياضية تقف إلى جانب الوطن والمواطن وترد جزء من الجميل له بمبادرات حقيقية وليس بأهازيج من على شرفات البلاكونات .
نحتاج إلى إعلام مواطن يحارب كل مظاهر الاستبلاد المنتشرة عبر كل التقنيات، إعلام يكون المواطن في صلب اهتماماته.
ونريد قبل هذا وذاك مواطنا واعيا يرفض تفاهات المنصات وحثالة المواقع التي تعمل على استحمار الإنسان وتدجينه وجعله مجرد مستهلك لكل ما هو تافه وغير ذي قيمة .
أكيد أننا سنجتاز المرحلة ونخرج منها سالمين و بأقل الخسائر بتضامننا مع بعضنا البعض وباحترامنا لكل القرارات والإجراءات المتخذة حتى الآن ومسايرتها بكل سلاسة ودون تمرد حينها سننتصر على الداء الفتاك لأن للوطن رب يحميه وله أيضا ملكا لا يذخر جهدا في الوقوف إلى جانب أبناء شعبه وفي الحفاظ على لحمته وحماية أراضيه وفي الذوذ عنه والأكيد أن مغربا جديد ستكون له كلمته في القادم من الشهور والأعوام ومواطن جديد سيولد بعد درس الكورونا وما سيترتب عنها من خرائط و تحالفات، سنتخلص وبشكل نهائي من كل التفاهات ونرمي بها في مزابل التاريخ الذي لن يرحم كل من تخلف عن تلبية نداء الوطن في الدعم والمساندة والمواكبة سواء كان شخصية عمومية أو مؤسسة خاصة أو عمومية

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى