أبعاد القصة: فجيج ، جدل الماء والحقوق والسياسة

مقدمة:

فكيك Figuig، هي مدينة مغربية بجنوب بجهة الشرق المغربية، تبعد عن مدينة بوعرفة (مقر عمالة الاقليم)  بـ 105 كلم، وعن مدينة وجدة(مقر ولاية الجهة)  بـ 360 كلم عبر الطريق الوطنية رقم 17. يحدها من الجنوب والشرق الحدود المغربية الجزائرية.

تضم مدينة فجيج حوالي 10,872 نسمة بحسب الإحصاء العام للسكان والسكنى لسنة 2014.

سُمّيت مدينة فجيج على هذا الاسم نسبة إلى الكلمة الأمازيغية فجيج  وتدل على روعة المكان وجماله.

تعتبر منطقة فجيج من المناطق الواحية التي عرفت الإستقرار منذ ما قبل الميلاد، ومن بين آثار تلك الحقبة هو انتشار الكراكير والنقوش الصخرية في عدة مناطق، خصوصاً بضواحي جبل كروز وجبل المعيز والحيثما والدويسا ولخناك بزناكة وزوزفانة. وهذه النقوش الصخرية هي عبارة عن رسوم تجسد الحيوانات التي كانت تعيش بالمنطقة وبعض الكتابات والرموز التي تشير لبعض الدلالات والمعتقدات الدينية.

في التاريخ الحديث ستحتل فجيج واجهة الأحداث الدولية،  سنة 1963، حين إندلعت حرب الرمال، وهي الحرب التي دارت بين المغرب والجزائر، وكان سبب هذه الحرب عدم موافقة الجزائر على إرجاع الأراضي المغربية المتواجدة على الشريط الحدودي والتي كانت قد ضمّتها فرنسا إلى الجزائر في فترة الإستعمار. هذه الحرب وقعت أحداثها في الواحات على مشارف الحدود والتي شملت واحة فجيج. و كان من نتائجها فقدان العديد من أهل فجيج لمساحة كبيرة من الأراضي والنخيل.

في سنة 2009، ستتصدر فجيج الاخبار الوطنية، حيث أشرف الملك محمد السادس على إطلاق برنامج التأهيل الحضري للمدينة ، والذي هم تأهيل الأحياء ناقصة التجهيز، وترميم قصر لوداغير، وأشغال التهيئة الحضرية، وتهيئة الشوارع الرئيسية وبعض الساحات العمومية، كما شمل البرنامج مشروعاً لبناء مركب إجتماعي يضم فضاءات للتعلم ومحو الأمية وأخرى للتكوين والأنشطة الثقافية.

وفي سنة 2021، ستعود فجيج لتصبح محطة اهتمام الرأي العام الدولي، بسبب مطالبة  الجيش الجزائري من الفلاحيين المغاربة بمنطقة العرجة أولاد سليمان بفجيج على إخلاء أراضيهم المزروعة بدعوى وجودها تحت السيادة الجزائرية.

1-فجيج … مدينة رأسمالها “الماء”

علاقة فجيج بالماء علاقة طويلة ومتشعبة، وتوجد الكثير من المؤلفات والدراسات بهذا الخصوص، وآخرها التقرير الذي أصدرته التنسيقية المحلية لحراك فجيج،  ومجموعة المتابعة بالرباط حيث قدما وثيقة عنوناها ب”العلاقة الفريدة والوثيقة لفجيج بالماء”، كما نشر الاستاذ مصطفى اللالي مقالات مهمة في الموضوع بجريدة فجيج صوت الجنوب الشرقي، العدد 187، والتي اعتمدنا على المعطيات الواردة فيها في الكثير من المحطات خلال صياغة هذا المقال.

لا يخفى على احد أن مياه العيون والآبار هي أساس الاستقرار البشري بفجيج، ونذكر هنا ب المحور الأساسي الذي قام عليه تاريخالواحة والممتد من التلال الصخرية “لتشرومت” الى ” زريكت سيدي عبد القادر”، إضافة إلى وادي زوزفانة .

كما أن التاريخ يحكي أن لكل قصر كان له ولا زالت عيون وسواقي وصهاريج خاصة به، ونقط معلومة للتزود بالماء الشروب والوضوء أو للاستحمام أو النظافة وغسل الملابس.

 وإذا كان الماء بالواحة ملكية خاصة وجماعية مستقلة عن ملكية العقار، فالماء كذلك ملكية مشتركة من حيث الاستفادة، ولتعميم الإحساس بالتمتع بحقوق الماء، جعلت “الجماعة ” الاستفادة من مياه الشرب والاستحمام في السواقي والبحبوحات وتنظيف الملابس في مغاسل خاصة، أمرا مشاعا لجميع الساكنة، مقابل احترام الساقية، والحفاظ عليها، كما وضعت  قوانين وفرضت عقوبات على كل من اعتدى عليها أو أساء استعمالها، أو قام بتلويثها.  ورغم الدقة والضبط، فالقطاع لم يكن يخلُ من النزاعات والمشاكل، بسبب عدم المساواة في الأصل، من حيث التوزيع والاستفادة، سواء بين القصور او العائلات، وكانت هذه الوضعية تفسد طبيعة العلاقات السائدة بين الساكنة، وتسبب في الإصطدامات والمواجهات، وتزداد حدة كلما تعرضت الواحة للجفاف أو الأزمات الاقتصادية…

سنة 1903، سيحل الاستعمار الفرنسي بفجيج، وسيعين جون ممثلا للمقيم العام الفرنسي الجنرال اليوطي، شرعت الإدارة الفرنسية في  تخطيط لما أطلق عليه آنذاك بالحي الإداري وتزويده بمياه الشرب.

وقامت ، السلطات الاستعمارية  سنة 1913، ببناء خزان صغير وشرعت في ملئه كل 13 يوما بمياه اشترتها من الملاك ، ومع تزايد عدد جاليتها وتوسيع العمران، تزايد الطلب على الماء، فقامت الادارة بتطوير الشبكة… وعمد الاشرف على هذا المرفق جوزيف دركسل.

عام 1934 قامت الادارة الفرنسية بحفر ثقب بالقرب من مقبرة الوداغير يسمى “الصانداج” على عمق 341 متر، استغرق الحفر مدة عامين، وعلى الرغم من تفجر الماء بقوة من ذلك الثقب إلا ان السلطات الفرنسية قامت بغلقه.

لتعود وتفتحه سنة  وشرعت في استغلاله، مما أدى الى غور مياه آبار بعض  منازل بقصر الوداغير، على اثر ذلك رفعت ” الجماعة ” تضررا الى الإدارة، فقام المراقب ” بون جان” فقام هذا الاخير بإحداث سقاية بالمجان لكل من غار بئره، كما تم تثبيت سقاية عمومية بالقرب من جماعة الوداغير، لاتزال قائمة إلى اليوم. كما عمل على مد شبكة خارج اسوار مختلف القصور، وإحداث سقايات في الساحات العمومية.

سنة 1956، و بعد حصول المغرب على استقلاله، بدأت عملية ربط المنازل بالماء الشروب بواسطة  القنوات، في إطار من التعاون والتضامن بين ساكنة القصور، والجماعة القروية لفجيج، والجميع يقر بالفضل في ذلك للمرحوم  عبد الله الزبير السليماني، رئيس المجلس القروي آنذاك.  وفي مرحلة لاحقة تم اقتناء العدادات بشكل تدريجي وعلى دفعات.

 وفي عهد الراحل احمد أجدير ، حرص المجلس القروي على مواصلة تقديم الخدمات للساكن ، ومع تزايد الطلب، وخاصة في الصيف، قام المجلس بجلب الماء من منطقة نخلة الطاهر والتي تبعد عن فجيج بحوالي 5 كلم، لكن تكاليف الإنتاج والتوزيع كانت مرتفعة، بسبب غياب قطاع الكهرباء بهذه المنطقة، فقام المجلس بطلب الدعم من وزارة الداخلية والفلاحة والحوض المائي، لإنجاز دراسة لتزويد واحة فجيج بالماء الصالح للشرب ودراسة خاصة بالصرف الصحي ، والبحث عن موارد المياه الكافية وحفر اثقاب استكشافية، فقامتبالفعل المديرية الاقليمية للفلاحة ، بحكم الاختصاص الموكول اليها آنذاك، في شخص مديرها المهندس الراحل احمد لالي بن عبد الرحمن بتجهيز ثقب “إيمي نتفرنت” وبناء خزان بسعة 500 متر مكعب، وبناء شطر مهم من  الشبكة الرئيسية لتزويد مختلف القصور بالماء الصالح للشرب وتم الشروع في استغلاله في عهد المجلس القروي برئاسة الراحل أحمد هكو.

أكتوبر 1993، سيتغير إطار الجماعة من قروية الى بلدية، بتزامن مع تولى الاتحاد الاشتراكي مسؤولية تدبير الشأن المحلي،مما استوجب اعادة النظر في وضعية هذا المرفق الحيوي، حيث خصص وناقش تدبيره ومشاكله في عدة اجتماعات و دورات، ونظم ندوات وعروض ومحاضرات، واستعان بالمهندسين والمختصين في الميدان، وعقد لقاءات تحسيسية مع الفلاحين والساكنة، وأنجز دراسات علمية لتشخيص الوضعية والتعرف على المشاكل والاختلال التي يعرفها قطاع الماء،  واقترض من صندوق  التجهيز الجماعي FEC اعتمادات لإنجاز دراسات حول الماء الشروب والتطهير السائل، وبفضل دعم ومساعدة مختلف المصالح الوزارية، تم انجاز عدة دراسات وأبحاث حول الفرشة المائية، و أثقاب استكشافية.

وبفضل الشراكة مع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية والمجلس الإقليمي لفجيج تم تجديد مجموعة من القنوات المهترئة بمختلف قصور المدينة كما تم ترميم وإصلاح الخزانات من اجل ضمان تزويد السكان بالماء الصالح للشرب بشكل صحي ودائم وحماية الموارد المائية من الهدر.

وفي اطار التعاون اللامركزي، مع شركاء البلدية، تم انجاز عدة مشاريع تهم تعميق الدراسات حول الفرشة المائية ، و تحسين تدبير الموارد المائية واعادة هيكلة مصلحة الماء والتطهير وتجهيزها بالعتاد المعلوماتي وبالوسائل والعربات و الآليات الضرورية للعمل، والاعتناء بتكوين وتأهيل موظفي المصلحة، وإحداث مختبر محلي لإجراء التحليلات اللازمة المتعلقة بجودة المياه ، كما تم إحداث المجلس المحلي للماء من اجل ضمان حسن تدبير الموارد المائية بالواحة.

ورغم الاعتمادات التي كان يخصصها المجلس الجماعي لفجيج لمرفق الماء في كل سنة، لم يتمكن من تلبية كل الحاجيات، والطلبات، والتغلب على بعض الاكراهات والانتظارات، فدأب في عقد شراكة مع الساكنة لتجديد القنوات المهترئة في بعض الأحياء، مما جعل هذا المرفق يكتسب خصوصية فريدة، ويتسم مشروع شراكة (أو ملكية مشتركة) دائمة بين السكان والمجلس القائم على تسيير الشأن العام.

2- تغير المناخ … ووجوب تغيير نهج تخزين المياه

من الصعب أن تنظر من النافذة أو تقرأ الأخبار دون أن ترى آثار تغير المناخ، فقد أصبحت الكوارث الطبيعية تقع بوتيرة مثيرة للقلق. إذ يتسبب تغير المناخ في تعطيل أنماط الجو العالمية، مما يؤدي إلى ظواهر مناخية بالغة الشدة بصورة متزايدة، بما في ذلك الفيضانات ونوبات الجفاف وموجات الحر، لتتفاقم بذلك المخاطر التي تواجه الأمن المائي. ويمكن أن يؤدي الاحترار العالمي عند درجتي حرارة تتراوح بين درجتين و4 درجات مئوية إلى تعرض نحو أربعة مليارات شخص لمستوى ما من ندرة المياه.

تاريخيا، مكنت أنظمة تخزين المياه البشر من الازدهار في عبر العديد من الظروف المناخية. ولكن مع تغير المناخ، أصبحت العديد من أنظمة تخزين المياه غير صالحة للغرض منها. ومما يفاقم أزمة المياه أن العالم يعاني بالفعل من اتساع الفجوة في تخزين المياه – الفرق بين كمية المياه المُخزنة اللازمة وكمية التخزين الموجودة في وقت ومكان معينين.

وبالفعل، لاحظ المختصون في الشأن المائي بفجيج أن منسوب المياه في كافة عيون ومنابع وآبار الواحة يظهر انخفاضا مستمرا ينذر بالخطر؛ وبالتالي تعريض استدامتها للمجهول.

ومع استمرار الاستغلال المفرط للعيون والمنابع ، وارتفاع نسبة التلوث في الفرشة المائية. يجد الفجيجيون أنفسهم أمام إشكاليات كبيرة، من قبيل :

  • هل أسلوب تدبير المياه الحالي بالواحة فعال؟ وهل يستجيب لخطورة الوضع؟
  • هل السلوك تجاه هذه الموارد الطبيعية مستدام؟ هل المصلحة الفردية المباشرة مقدمة على المصلحة العامة؟ وهل تقوم الجهات المختصة بالدور المنوط بها من حيث الرقابة والالتزام بالأنظمة القائمة؟
  • وهل الموارد المالية والبشرية المتوفرة لديها كافية؟
  • ما هو التحدي الرئيسي لإدارة المياه؟
  • ما هي الأساليب اللازمة لتحقيق الاستقرار والحفاظ على الموارد المائية في الواحة؟
  • هل يمكن تقليل وترشيد استخدام المياه؟
  • ما هي الآليات المؤسساتية لمشاركة أصحاب المصلحة في إدارة المياه؟ ما هو الدور الذي يجب أن تلعبه الإدارة؟ المشاركة؟  الرقابة والتخطيط والتنظيم؟

3- قرار وزاري سيقوض سكينة مدينة فجيج:

تنفيذا لقرار السيد وزير الداخلية المتعلق بوضع أنظمة مشتركة لتدبير مرافق توزيع الماء الصالح للشرب والكهرباء والتطهير السائل، عقد المجلس الجماعي لفجيج عدة اجتماعات للتداول في الموضوع:

  • بتاريخ- 25 أكتوبر 2023 انعقد اجتماع لجنة الشراكة والتعاون والتنمية المحلية والعلاقة مع المجتمع المدني طبقا للمادة 28 من نفس القانون التنظيمي أعلاه، والذي أصدرت فيه اللجنة توصيتها بتأجيل الدورة الى غاية اتضاح الصورة بشأن هذا الانضمام.
  • بتاريخ – 26 أكتوبر 2023 تمت المصادقة بالإجماع على رفض النقط الثلاث المدرجة بجدول أعمال هذه الدورة والتي كانت كما يلي :
    • النقطة الأولى، الموافقة على انضمام جماعة فجيج الى مجموعة الجماعات الترابية ” الشرق للتوزيع”
    • النقطة الثانية الموافقة على اتفاقية إحداث مجموعة الجماعات الترابية ” الشرق للتوزيع”
    • النقطة الثالثة: تعيين منتدب لتمثيل المجلس الجماعي لفجيج ضمن مجموعة الجماعات الترابية “الشرق للتوزيع” بتاريخ 27 أكتوبر 2023 وجه رئيس الجماعة استدعاء لأعضاء المجلس لعقد دورة استثنائية بطلب من السيد عامل إقليم فجيج طبقا للمادة 37 من القانون التنظيمي 14 – 113 المتعلق بالجماعات.
  • وبتاريخ 31 أكتوبر 2023 عقدت الدورة الاستثنائية بطلب من عامل الإقليم، وفقا لمقتضيات المادة 37 من القانون التنظيمي 14.113 المتعلق بالجماعات، و ضمن الصلاحيات المخولة له قانونا بوصفه صاحب سلطة التأشير و المراقبة الإدارية لمقررات مجالس الجماعات وقرارات رؤسائها، أو ما كان يعرف سابقا ب “سلطة الوصاية”. وان مبادرة السيد عامل الإقليم تندرج في إطار تفعيل الرزنامة القانونية التي وضعتها وزارة الداخلية في أفق تنزيل مقتضيات القانون 21.83 المتعلق “بالشركات الجهوية المتعددة الخدمات،  بنفس جدول اعمال دورة 26 أكتوبر 2023 لكن لم يكتمل النصاب القانوني، وتوافدت جماهير غفيرة على جماعة فجيج…
  • في 01 نونبر 2023 انعقدت الدورة بمن حضر، وتمت المصادقة على النقط المدرجة بجدول الأعمال بالأغلبية المطلقة للأعضاء الحاضرين، 9 أعضاء مقابل 8 أعضاء، بعد أن كانت موضوع رفض بالإجماع في 26 اكتوبر 2023.

وبينما ترى الاغلبية، حسب تصريحات السيد النائب الثاني لرئيس المجلس، ان مبرر التراجع عن المقرر المتخذ في 26 أكتوبر هو تفهم السلطة الإقليمية للإكراه الذي عبر عنه مجلس الجماعة و الذي ضمنه في مذكرة رافقت مقرر الرفض ، و الذي أوضح فيه المكتب المسير أن الموارد المالية المتأتية من قطاع توزيع الماء الشروب و قطاع التطهير السائل تعتبر من إيرادات ميزانية الجماعة وهي حاليا في حدود 2.200.000 درهم (مائتي مليون ومائتي ألف درهم) علما أنها لم تكن في الولاية السابقة تتعدى مليون و ثمان مائة ألف درهم في أحسن الأحوال. وعليه فقد كان سبب إجماع المجلس على رفض الانضمام بأنه لا يمكن لمجلس الجماعة، والحالة هذه، ان يفرط في هذا المبلغ دون تعويض مما سيضعف ميزانية الجماعة ويفقدها توازنها الذي يمكنها من تغطية نفقاتها ونفقات المشاريع التي يعمل المجلس على بلورتها وتنفيذها. ولما تأكد للمكتب مدى تفهم السلطة الإقليمية لهذا المعطى بل وتأكيد استعدادها والتزامها بالترافع من اجل إضافة هذا المبلغ في حصة الجماعة من القيمة المضافة وتضمين ذلك في صلب مقرر الموافقة مع التخوفات المثارة حول فرضية المساس بمياه العيون والتي هي ملكية خاصة خالصة لمالكيها، صوت المجلس، وبأغلبية أعضائه، بالموافقة على انضمام جماعة فكيك إلى مجموعة الجماعات الترابية “الشرق للتوزيع”.

4– مسيرات قطعت مسافات واحتجاجات واللقاءات والحوارات  امتدت لساعات، بدون جدوى:

وكرد فعل مباشر بعد قرار المجلس بالانضمام الى مجموعة الجماعات الترابية “الشرق للتوزيع”، خرجت الساكنة في مظاهرات واحتجاجات لا زالت مستمرة لحد الآن، أبرزها ، مسيرة جمعة الطوفان فاتح دجنبر 2023 ومسيرة الشاحنات ، ومسيرة الدراجات الهوائية،  ومسيرة الحايك التي  اقتصرت على النساء فقط، وتعد أشهر تلك المسيرات على الإطلاق.

نذكر ان هذه التظاهرات تخللتها مبادرات لحلحلة هذا الاحتقان منها مبادرة بعض النواب البرلمانيين السادة (اعنان عمر – الشاية عبد الحميد – جمال الدين محمد…  لكن لم يكتب لها النجاح.

بتاريخ 22 دجنبر 2023، قامت الجريدة الالكترونية GIL24.ma بعقد لقاء جمع بين الأطراف وجها لوجه لأول مرة منذ بداية الحراك، لمناقشة موضوع الالتحاق من عدمه بمجموعة الجماعات الترابية “الشرق للتوزيع”، حيث نظمت الندوة تحت عنوان “المرفق العمومي بفجيج، وجدل تفويت قطاع الماء بين الضرورة والاحتجاج” وحضره كل من السيد سوني الجيلالي النائب الثاني لرئيس المجلس، والسيد اسهول احمد عضو التنسيقية المحلية للترافع عن قضايا فجيج، والسيد مصطفى يحيى عضو فريق المعارضة بالمجلس، والسيد عماد بوعزيز مهندس بالقطاع العام وخبير في مجال الموارد المائية الجوفية. 

الى ذلك قام عامل الإقليم بدعوة أعضاء المجلس، أغلبية ومعارضة، بالإضافة الى رئيس المجلس المحلي للماء لعقد اجتماع بمقر العمالة بتاريخ 26 دجنبر 2023 لكن بعضا من فريق المعارضة والأعضاء الرافضين فضلوا عدم الحضور آنذاك، وآخرين لم يكملوا اللقاء، بسبب ما وصفوه عدم اتفاقهم على صيغة ومضمون جدول الأعمال المقترح، والذي جاء فيه ما يلي:” تدارس الأمور ذات الصلة بانضمام جماعة فجيج للجماعات الترابية الشرق للتوزيع .” كما سجل غياب رئيس مجلس جماعة فجيج.

عقب ذلك، وبمبادرة من وساطة فعاليات منحدرة من بلدة فجيج بمدينة بوعرفة، دعي فريق المعارضة و الأعضاء الرافضون لعقد لقاء مع السيد العامل، وهو ما تمت الاستجابة له، وانعقد أول لقاء مع السيد العامل بتاريخ 12 يناير 2024 سمي “بأول لقاء لإذابة الجليد”، بحيث أسفر هذا اللقاء على التوافق بتشكيل لجنة الحوار وفق التركيبة الآتية: – فريق المعارضة والأعضاء الرافضين – تمثيلية عن المجلس المحلي للماء – تمثيلية عن ملاك الماء – تمثيلية عن المجتمع المدني – تمثيلية عن أشخاص آخرين يشهد لهم بالحياد والكفاءة.

وبعد ان تم تشكيل هذه اللجنة وفق التركيبة المتفق عليها، تم إخبار أعضاء الوساطة بإعطاء عامل الإقليم صلاحية تعيين الأعضاء المحايدين بالإضافة لتحديد تاريخ جلسة الحوار، بحيث حدد العامل تاريخ 26 يناير 2024 كموعد لعقد هذه الجلسة.

وعلى إثر توصل لجنة الحوار بتاريخ الجلسة، قررت التنسيقية المحلية للحراك ضرورة مرافقة اللجنة بقافلة من السيارات، إلى مدينة بوعرفة، لكن السلطات رفضت منح الترخيص.

وبالفعل، صبيحة يوم 26 يناير 2024 تم منع القافلة مما حال دون عقد ذلك الاجتماع. وعلى إثر هذا الرفض، أعلن عن ترك المجال مفتوحا للسيد العامل للنظر في إمكانية عقده بمدينة فجيج لكن هذا الاجتماع لم يعقد لحدود الساعة.

بالموازاة مع هذه التطورات، تقدم فريق المعارضة والأعضاء الرافضين بطلب إدراج نقط بجدول اعمال الدورة في مناسبتين : الأولى بتاريخ 14 دجنبر2023  وذلك بطلب عقد دورة استثنائية مع تضمينها بنقطة الانسحاب من مجموعة الجماعات الترابية الشرق للتوزيع، طبقا للمادة الثامنة المحدثة لهذه الاتفاقية، وبطلب اخر بتاريخ  29 دجنبر 2023 في شأن طلب ادراج نقطتين بجدول اعمال دورة فبراير 2024 تهمان مناقشة ومدارسة التبريرات التي استند عليها الرئيس في موضوع رفض الانسحاب، وأخرى في الدراسة والمصادقة على الانسحاب من المجموعة، لكن هذه الطلبات قوبلت بالرفض من طرف الرئيس.

كما تجدر الإشارة الى ان فريق المعارضة والأعضاء الرافضين تقدموا بطلبات تعرض وجهت للسيد عامل إقليم فجيج وذلك على التوالي في 14 نونبر 2023 و 21 نونبر 2023 بشان تفعيل صلاحياته وذلك بالدفع ببطلان المقررات المتخذة في دورة 01 نونبر 2023 عملا بالمادة 115 من القانون التنظيمي 14 – 113 السالف ذكره، على اثر الخروقات القانونية التي شابت تنزيل هذه المقررات والتي حددت في 8 خروقات.

ونظرا لعدم التوصل بأي رد من طرف السيد العامل في شان هذه التعرضات، قام فريق المعارضة والأعضاء الرافضين برفع دعوى قضائية لدى المحكمة الإدارية بوجدة، وقد توصل الطرف المدعى عليه أي رئيس جماعة فجيج بإخبار في هذا الشأن، كما ان الطرف المدعي توصل بوصل الاذن برفع الدعوى طبقا للمادة 265 من القانون 113-14 السالف ذكره، وذلك ابتداء من 02 فبراير 2023 عبر المحامي الذي أوكلت له مهمة رفع هذه الدعوى.

وللتذكير فطيلة هذه المدة، تبادل الطرفان عدة بيانات، وعدة تصريحات ومقالات في منابر إعلامية سواء ورقية او الكترونية، او عبر فيديوهات في مواقع التواصل الاجتماعي، او قنوات بعض الجرائد الالكترونية .

كما عقد أعضاء المكتب وبالإضافة لتواصلهم مع زملائهم داخل المجلس عدة لقاءات سوآءا بمبادرة منهم او تلبية لدعوات تلقاها المكتب من بعض أطياف المجتمع المدني، وذلك في جلسات حوار في بعض القصور لطرح ومناقشة تخوفاتها الساكنة والتي تم تبديدها في جو من التواصل والحوار البناء الذي استحضر بكل مسؤولية المصلحة العليا للمدينة وساكنتها قاطبة. وفي جميع هذه اللقاءات تم التطرق وبإسهاب شديد لكل التخوفات المعبر عنها ، من مسألة احتمال ارتفاع تسعيرة الاستهلاك و رسوم الربط سواء بشبكة الماء الشروب او التطهير السائل إلى التخوفات المثارة بخصوص إمكانية المساس بمنابع مياه الري الجوفية…

وبالإضافة لكل جلسات الحوار والتواصل هذه، يقول السيد سوني الجيلالي، النائب الثاني لرئيس المجلس،أنه  ورغبة من المكتب المسير لإسماع صوته وتفنيد ما يتم الترويج له كذبا وبهتانا وصدا لسماع الحقائق والوقائع الصحيحة، تم الاتصال بمتزعمي الاحتجاجات شخصيا من قبل عبد ربه ولا داعي لذكر الأسماء إلا إذا رغب المسؤول عن التحرير في ذلك فليس لدينا أي مانع، إلا انهم رفضوا الجلوس للحوار والتواصل لأنهم يعلمون جيدا أن ما يروجونه من أكاذيب ومغالطات ليس إلا غطاء عن غايات أخرى.

كما يضيف ان لقاء مفتوحا آخر عقد بمقر المجلس حضره بعض السادة أعضاء المجلس مصحوبين بممثلين عن دوائرهم الانتخابية وممثلي بعض أطياف المجتمع المدني وثلة من المجلس المحلي للماء الذي يتولى تدبير مياه الري المتأتية من السد، وقد أطر هذا اللقاء إطارين من المكتب الوطني للماء والكهرباء أبناء مدينة فكيك في شخص الأخوين الإطار القانوني محمد حجي والمهندس عماد بوعزيز.

وفي ضل تصاعد وتيرة الاحتجاج وتوافد العديد من البيانات والبيانات المضادة من العديد الجمعيات المكونة من ابناء المدينة والمتمركزة داخل او خارج الوطن، بادرت نفس الجريدة الالكترونية GIL24.ma الى تنظيم أربع جلسات حوار حول مواضيع متقاطعة مع مختلف الأطياف التي لها علاقة بالموضوع، حيث استضافت بتاريخ:

26 فبراير 2024 في جلسة  تحت عنوان “المرفق العمومي بفجيج وجدل تفويت قطاع الماء … الأبعاد العلمية للموضوع” اطرها كل من الاستاذين:  عماد بوعزيز مهندس بالقطاع العام وخبير في مجال الموارد المائية الجوفية و عبدالحكيم جيلالي استاذ باحث – شعبة الأرض – بكلية العلوم بوجدة.

28 فبراير 2024، جلسة ثانية تحت عنوان “المرفق العمومي بفجيج وجدل تفويت قطاع الماء … ابعاد موافقة المجلس للانضمام”، أطرها الدكتور سوني الجيلالي النائب الثاني لرئيس المجلس.

04 مارس 2024، جلسة ثالثة، تحت عنوان “المرفق العمومي بفجيج وجدل تفويت قطاع الماء … ابعاد التوافق من أجل المدينة” أطرها الاستاذ محمد عماري عضو مجموعة مسار التوافق من أجل المدينة.

06 مارس 2024 جلسة رابعة، تحت عنوان “المرفق العمومي بفجيج وجدل تفويت قطاع الماء … أبعاد الرفض”، أطرها الاستاذ مصطفى يحيى عضو فريق المعارضة بالمجلس و الأستاد فرحان وازان ممثلا عن التنسيقية المحلية للترافع عن قضايا فجيج.

5– اسئلة في قبة البرلمان، ومحادثات مع وزراء ولقاءات جماهيرية، دون جدوى:

وبعد كل جولات الحوار الطويلة والمضنية هذه، وفي غياب أي مقترحات عملية للخروج من الأزمة. انتقلت القضية الى قبة البرلمان، آخذة بذلك أبعادا سياسية محلية ذات أبعاد وطنية، حيث تقدم بعض السيدات والسادة النواب من مختلف الفرق، بتوجيه أسئلة كتابية إلى السيد وزير الداخلية ، منهم النائبة فاطمة الثامني بعدها النائب عمر أعنان والنائبة فاطمة بن عزة، والنائبة نبيلة منيب، والنائب بوانو، وفي هذا الإطار كذلك، عقدت النائبة منيب اجتماعا مع ممثلي التنسيقية المحلية خلال اللقاء التواصلي الذي نظمه اليسار الاشتراكي الموحد بمدينة وجدة، ثم أعادت طرح السؤال من جديد على السيد وزير الداخلية، بعد ما تعرض بعض النشطاء للاعتقال، وطالبت بالتدخل لوضع حد لهذا الاحتقان، والسعي نحو إيجاد حل للمشكل، والعمل على توفير أسباب وشروط السلم والاستقرار بالمدينة.

6–  توسع مجال الحراك، وحزم القضاء:

وفي غياب أي فعل جدي ومسؤول لمعالجة المشكل، واعتماد الحكومية سياسة الآذان الصماء وتردها من تحمل مسؤوليتها نحو مشكل اجتماعي آخذا في التصاعد في مدينة مخنوقة اقتصاديا، رغم مطالبتها بنقل فكيك (بتعديل المرسوم) من المرحلة الأولى للتنزيل الى المرحلة الثالثة باعتبار أن فكيك واحة يسري عليها ما يسري على واحات تافيلالت مثلا وذلك لإتاحة المجال لملاحظة ما يجري على صعيد التنفيذ في المرحلتين الأوليين على الصعيد الوطني.

 فقد استمرت التظاهرات وتم اعتقال محمد الابراهيمي احد النشطاء والذي أدانته المحكمة الابتدائية ببوعرفة يوم الاثنين 19 فبراير 2024 بثلاثة اشهر حبسا نافذة وغرامة مالية ب 1000 درهم والمواطنة حليمة زايد بستة اشهر موقوفة التنفيذ وغرامة مالية 2000 درهم، وكانت لهذا الاعتقال انعكاسات سلبية، ولقي استنكارا وادانة قوية من طرف الساكنة والجمعيات الحقوقية والهيئات السياسية وجمعيات المجتمع المدني. بعد ذلك سترفع محكمة الاستئناف بوجدة مدة العقوبة بالنسبة للمتهم الاول الى ثمانية اشهر حبسا نافذا.

 ونتيجة للتطورات التي بدأ يعرفها المشكل، فقد امتد توسع التضامن مع حراك فكيك الى مدينة الرباط حيث قام الائتلاف المغربي لهيئة حقوق الإنسان بتنظيم لقاء تواصلي مع ممثلي التنسيقية المحلية يوم الخميس 22 فبراير 2024 بقاعة نادي المحامين بالرباط بحضور عدة فعاليات حقوقية وسياسية ومكونات مجتمعية مساندة لحقوق الساكنة، ووسائل الإعلام، ولقاء آخر جماهيري احتضنته مدينة وجدة بساحة 16 غشت يوم الجمعة 23 فبراير 2024 استجابة لنداء بعض الاطارات النقابية والحقوقية والسياسية بالمدينة

 كما طالب حزب التقدم والاشتراكية الحكومة في بلاغ أصدره مكتبه السياسي، بإيجاد الحل لمطالب الساكنة.

بتاريخ الخميس 21 مارس 2024 ببوعرفة، تنظيم لقاء تواصلي حول تدبير قطاع توزيع الماء والكهرباء والتطهير السائل بإقليم فجيج، وذلك في سياق إحداث الشركات الجهوية متعددة الخدمات.

وشكل اللقاء، الذي ترأسه والي جهة الشرق عامل عمالة وجدة أنجاد، معاذ الجامعي، بحضور العامل مدير الشبكات العمومية المحلية بوزارة الداخلية، مصطفى الهبطي، وعامل إقليم فجيج، محمد ضرهم، إلى جانب عدد من المنتخبين المحليين وممثلي المجتمع المدني، مناسبة لاستعراض السياق القانوني والمؤسساتي العام لإصلاح القطاع، والوضعية الراهنة لقطاع التوزيع، وكذا الأهداف الأساسية لهذا المشروع، فضلا عن الوقوف على مدى تقدم تنزيل ورش إصلاح القطاع.

7– على سبيل الختم

وكما جاء في مقال للاستاذ محمد امباركي أخذا عن الباحث السوسيولوجي عبد الرحيم العطري، “نعتقد أن الاقتراب من المعيش اليومي لساكنة المنطقة، وقراءة تفاصيل اشتغاله على ضوء تمثل الذاكرة والزمن وجدلية الحاضر والماضي والمستقبل، قد يتيح لنا إمكانية فهم سوسيو- انتروبولوجي دينامي وأعمق يتجاوز بعض تجليات الواقع المباشرة، وذلك باعتبار “المعيش اليومي يعبّر عن هوية ثقافية تقيم فيها فضاءات الحياة اليومية، علاقة انتماء وحميمية مع الزمن في ماضيه وحاضره”.

ومن ناحية أخرى، التعويض عن التغير في مدى توفر المياه، وتخفيف حدة الظواهر الطبيعية المتطرفة وإمداد المدن المتزايدة في التضخم بالماء الشروب، ستتطلب مستقبلا إتباع نهج شامل يجمع مجموعة متنوعة من القطاعات الاقتصادية وأصحاب المصلحة المباشرة، من القطاعين العام والخاص على حد سواء، وتسانده الاستثمارات، لخلق أساس قوي للحلول المستدامة للتكيف مع تغير المناخ.  وللوصول إلى هذا الهدف، يحتاج الناس على كل المستويات، من واضعي السياسات إلى مديري المياه، إلى البدء في التفكير في تقييم وتطوير وإدارة تخزين المياه ليس كمنشآت مستقلة لعدد محدود من أصحاب المصلحة، ولكن كمنظومة متكاملة تأخذ في الاعتبار كامل مجموعة خيارات التخزين الطبيعية والبشرية لتقديم حلول قادرة على الصمود لحماية الأجيال.    

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى