الحكومة في صيغتها “الجديدة”- القديمة : سؤال الهيكلة وما جاورها ….

تميم بنغموش *
بغض النظر عن خلفيات تشكيل هذه الحكومة و بروفايلات أعضائها الذين لم يصدر أي منشور رسمي مرافق لخبر تعيينهم يُبَيِّن مؤهلاتهم ومساراتهم والكفاءات التي تبرر توزيرهم ، فإن مسألة الهيكلة في هندسة السلطة التنفيذية التي تم رسم خريطتها هذا الأسبوع تثير كثيرا من الإشكاليات وتتطلب الإجابة عن العديد من الأسئلة الجوهرية:
أولا / استمرار تداخل القطاعات الحكومية وما يترتب عنه من تشتيت الموارد المادية والبشرية (أية مبررات )؟
ثانيا / تضخم عدد الوزارات وإنشاء وزارات منتدبة وكتابات دولة تحت ضغط الترضيات الحزبية دون طائل وما يترتب عن ذلك من تنازع الاختصاصات والسلطة وتفريط في جوهر المهام والمسؤوليات .
ثالثا / تغليب هاجس المحاصصة الحزبية على حساب الكفاءات المناسبة لتدبير القطاعات الوزارية المعنية.
رابعا / تعيين غير مناسبين في وزارات غير مناسبة بحسب ما تسرب لبعض وسائل التواصل والإعلام من معلومات عن بروفايلات بعض المعينين .
وبالمجمل فلا تبدو صيغة حكومة أخنوش 2 ذات نفس إصلاحي أو استدراكي في العمق بقدر ما هي تغيير وجوه بأخرى يصعب الحكم على أدائها سلفا ولكن هامش قيمتها المضافة يظل مكبلا على أكثر من صعيد خاصة وأنها مندرجة في سيرورة ومواصفات الحكومة القديمة – الجديدة التي أخلفت العديد من التزاماتها وقد انقضى من ولايتها ما يزيد عن نصف المدة الدستورية .
إن التمسك بالهندسة التقليدية الموروثة عن التجربة الفرنسية المأسوف عليها يؤدي إلى تضخم وزاري لا فائدة منه ، ففي إنشاء الوزارات المنتدبة وكتابات الدولة يتحول الوزير المنتدب وكاتب الدولة إلى مجرد رئيس لديوان الوزير أو موظف سامي قد يزاحم الكاتب العام والمديرين المركزيين في صلاحياتهم وما ينتج عن ذلك من تداخل وتوتر وتعطيل للإنجاز ، وفي أسوأ الأحوال يصبح ضرّة للوزير في وزارته.
كما أن التضخم يؤدي كذلك في هذه الهندسة إلى تغييب الوزارات المركزية الكبرى ( النواة الصلبة ) التي تتولى تنفيذ الاختيارات الأساسية في السياسة الحكومية ، ولا شك أن التركيبة الثلاثية على بعد خطوات من الاستحقاقات القادمة فضلت تمكين كل مكون فيها من جزر وزارية لتحضير المنافسة الانتخابية المقبلة ومن الصعب لأي متابع موضوعي أن يقتنع بحقيقة اللالتقائية المزعومة حتى وهم يخلقون لها وزارة تجمع بين الاستثمار وتقييم السياسات الحكومية .
قد يكون من الأفيد تجميع الوزارات في أقطاب كبرى وتسليم مقاليد التنفيذ تحت إمرة الوزير للكفاءات المختصة التي تزخر بها البلاد بدلا من توزيع كعكة الوزارات وأنصاف الوزارات بين مكونات الحكومة ، إن المسؤولية السياسية تقتضي من أحزاب الأغلبية تركيز جهودها ضمن برنامجها التنموي والإصلاحي بدلا من الانشغال بهواجس المحاصصة ، وإذا كان مناضلو تلك الأحزاب من ذوي الكفاءات فإنهم كنظرائهم من أبناء هذا الوطن ذوو حق مطلق في تحمل المهام الإدارية والتنفيذية في الميدان وفقا للمؤهلات والمعايير الموضوعية ووفقا لقواعد قانون التعيين في المناصب العليا الذي صار بكل أسف مجرد غطاء للريع السياسي .
وبالنهاية فإن التقييم الحقيقي للسياسات يتم على أرض الواقع اليومي الذي يعيشه المواطن المغربي الذي يبقى عليه أن يتحمل مسؤولية الاختيار غدا في صناديق الاقتراع فينصف من ينصف ويعاقب من لا يستحق غير ذلك .
ولا يسعنا في هذا المقام إلا أن نتمنى لكل مسؤول أن ينجح في مهمته ويرفع تحدياتها وأن لا يكون مروره في منصبه مرور ” الكرام” الذين سبقوه .. وكل تعديل ونحن على ما نحن عليه .
- تميم بنغموش / مستشار قانوني و مختص في الشؤون البرلمانية