التاريخ الخفي للبرنامج النووي الإيراني: بين الحقائق والأساطير

عبدالعالي الجابري – وجدة، 26 يونيو 2025.

يُعد البرنامج النووي الإيراني واحدًا من أكثر المواضيع إثارة للجدل في العلاقات الدولية، حيث يثير انقسامات حادة بين القوى العظمى والدول الإقليمية. لكن، وراء السرديات الإعلامية والتصريحات السياسية، تكمن حقيقة مغايرة تتحدى الرواية الغربية السائدة. يُشير تقرير استقصائي إلى أن التصور الغربي للبرنامج النووي الإيراني قائم على “أسطورة” مفبركة، تهدف إلى إخفاء الأهداف الحقيقية لطهران: إتقان الاندماج النووي المدني لتوليد الطاقة، في تحدٍ مباشر لاحتكار الشركات النفطية الغربية. هذا المقال يكشف النقاب عن الأبعاد الخفية لهذا البرنامج، مستندًا إلى مصادر موثوقة، ويستعرض تداعياته الجيوسياسية العميقة.

برنامج نووي مدني أم عسكري؟ الحقيقة وراء الأسطورة

تؤكد المصادر أن إيران لم تمتلك برنامجًا نوويًا عسكريًا منذ عام 1988، وهي حقيقة تتفق عليها روسيا والصين والولايات المتحدة. إيران، كدولة موقعة على معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية (TNP)، تخضع لتفتيشات الوكالة الدولية للطاقة الذرية (AIEA)، التي لم تجد أي دليل على وجود برنامج عسكري منذ ذلك الحين. وعلى الرغم من ذلك، روّجت لندن وواشنطن، بدعم من “الصهيونيين التنقيحيين” بقيادة بنيامين نتنياهو، لفكرة وجود تهديد نووي إيراني وشيك، في استمرار لأسطورة أسلحة الدمار الشامل العراقية.

هذه الدعاية، التي استمرت لعقدين، كررت أن طهران على بعد “عام واحد” من امتلاك القنبلة النووية، وهي ادعاءات وُصفت بأنها “بلا معنى”.

في المقابل، يركز البرنامج الإيراني الحالي على إتقان الاندماج النووي المدني، وهو تقنية تُعتبر ثورية لتوليد طاقة نظيفة وغير محدودة. بدأ هذا المشروع تحت رئاسة محمود أحمدي نجاد (2005-2013)، الذي رأى في الاندماج النووي وسيلة لتحرير الدول النامية من هيمنة الشركات النفطية الغربية.

الهدف هو تمكين هذه الدول من الاستقلال الاقتصادي، في تحدٍ مباشر للنفوذ الغربي، مستلهمًا روح محمد مصدق الذي قاوم احتكار النفط الأجنبي في خمسينيات القرن الماضي.

الاندماج النووي: طموح ثوري

على عكس الانشطار النووي، الذي يُستخدم في المفاعلات الحالية، يعتمد الاندماج النووي على دمج الذرات لإطلاق طاقة هائلة، تُستخدم حاليًا في القنابل الحرارية النووية، لكن إيران تسعى لتسخيرها لتوليد الكهرباء. هذا المشروع، الذي يُوصف بـ”الثوري”، يهدف إلى توفير مصدر طاقة لا نهائي، مما يُمكّن الدول النامية من التخلص من الاعتماد على النفط والغاز.

لتحقيق هذا الهدف، تعمل إيران على تدريب عشرات الآلاف من المهندسين النوويين في جامعاتها، مؤكدة التزامها بتطوير قدرات علمية واسعة النطاق.

التعاون الروسي-الإيراني: شراكة استراتيجية

تلعب روسيا دورًا محوريًا كشريك استراتيجي ومشارك في أبحاث إيران النووية. تواجد الباحثين الروس في العديد من المراكز النووية الإيرانية يعكس عمق هذا التعاون، الذي يركز على الاندماج النووي المدني. موسكو، التي تخشى انتشار الأسلحة النووية ولكنها تدعم النووي المدني، تؤكد أن إيران لم تمتلك برنامجًا عسكريًا منذ 1988. كما تساهم روسيا في مشروع “توكاماك” للاندماج النووي، مستندة إلى أعمال العالم أندريه ساخاروف، مما يعزز من قدرات إيران العلمية.

الصراع الإسرائيلي-الإيراني: أسطورة مقابل حقيقة

يُعد الصراع بين إسرائيل وإيران محورًا أساسيًا في هذه القضية. تتهم المصادر الموساد الإسرائيلي باغتيال علماء نوويين إيرانيين، ليس لمنعهم من صنع قنبلة، بل لعرقلة أبحاث الاندماج النووي المدني لصالح شركات نفطية غربية.

إسرائيل، التي تمتلك السلاح النووي بفضل نقل التكنولوجيا الفرنسية، رفضت اقتراح إيران في 2010 لإنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط، وهو اقتراح لقي ترحيبًا من جميع دول المنطقة باستثنائها.

كما يُتهم مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، بالعمل كجاسوس لصالح إسرائيل، حيث ينقل معلومات حساسة رغم أن إسرائيل ليست عضوًا في معاهدة عدم الانتشار. وتُحذر المصادر من أن إسرائيل قد تلجأ إلى “خيار شمشون“، أي تدمير إيران نوويًا حتى لو كان ذلك يعني تعرضها لرد نووي.

في المقابل، أشار الجنرال الإيراني محسن رضائي إلى تعهّد باكستاني بمهاجمة إسرائيل نوويًا إذا استهدفت إيران، وهو تصريح لم يؤكده وزير الدفاع الباكستاني.

عملية “مطرقة منتصف الليل”: تدخل أمريكي مفاجئ

في يونيو الماضي، نفذت إدارة ترامب عملية “مطرقة منتصف الليل”، وهي هجوم سري على المواقع النووية الإيرانية، باستثناء مفاعل بوشهر بسبب وجود أفراد روس.

هذه العملية، التي انتهكت ميثاق الأمم المتحدة، أُطلقت بناءً على اعتقاد بأن إيران كانت على بعد أسبوعين من إنتاج سلاح نووي إذا قرر المرشد الأعلى ذلك. لكن يبدو أن واشنطن حذرت طهران مسبقًا، كما يشير إلى ذلك إخلاء المعدات من قاعدة فوردو.

تُفسر هذه العملية بطريقتين: إما كمحاولة لإنقاذ إسرائيل من هجوم صواريخ “فتح-1” الإيرانية، أو كإجراء لحماية إيران من هجوم نووي إسرائيلي. عدم استهداف قاذفات الصواريخ يدعم التفسير الثاني. والنتيجة؟ دمرت العملية برنامج الأبحاث النووية الإيرانية، مما سلب نتنياهو ذريعته التي استخدمها لعقود لتبرير “حربه على سبع جبهات”.

التداعيات الجيوسياسية: إعادة تشكيل التوازنات

  1. تحدي الهيمنة الغربية: يُمثل طموح إيران لإتقان الاندماج النووي المدني تهديدًا مباشرًا لاحتكار الشركات النفطية الغربية، مما يعيد صياغة العلاقات الاقتصادية بين دول الجنوب والغرب. هذا التحدي، الذي يُقارن بمقاومة غاندي لاحتكار القطن البريطاني، يُعزز مكانة إيران كقوة إقليمية تسعى لتحرير الدول النامية.
  2. التعاون الروسي-الإيراني: يُعزز هذا التعاون قدرات إيران العلمية، ويوفر لها دعمًا استراتيجيًا في مواجهة الضغوط الغربية. وجود روسيا كشريك يمنح إيران درعًا دبلوماسيًا وعلميًا.
  3. الصراع الإقليمي: يُفاقم الصراع مع إسرائيل التوترات الإقليمية، حيث تُستخدم الأسطورة النووية لتبرير السياسات العدائية. ومع ذلك، فإن التعهد الباكستاني المزعوم يُبرز إمكانية تشكيل تحالفات إقليمية لمواجهة التهديدات الإسرائيلية.
  4. دور الولايات المتحدة: عملية “مطرقة منتصف الليل” تُظهر تعقيد الموقف الأمريكي، الذي يبدو أنه يسعى لتحقيق توازن بين دعم إسرائيل ومنع تصعيد نووي كارثي. إذا تحقق اقتراح المصادر بأن “أخبارًا سيئة” تنتظر نتنياهو، فقد نشهد تحولات كبرى في السياسة الإسرائيلية.

خاتمة: لغز جيوسياسي معقد

البرنامج النووي الإيراني ليس مجرد قضية تقنية، بل هو رهان جيوسياسي يتجاوز الحدود الإقليمية. إيران، بدعم روسي، تسعى لإعادة تشكيل النظام العالمي من خلال طاقة ثورية تتحدى هيمنة الغرب. في المقابل، تواجه ضغوطًا من إسرائيل والغرب، مدفوعة بأسطورة مفبركة عن طموحاتها العسكرية.

عملية “مطرقة منتصف الليل”، رغم تدميرها لجزء من الأبحاث الإيرانية، قد تكون قد أنقذت المنطقة من كارثة نووية، لكنها لم تُنهِ الصراع الأعمق.

مع استمرار التوترات، يبقى السؤال: هل ستتمكن إيران من تحقيق طموحها الثوري، أم ستظل عالقة في شبكة الأساطير والصراعات الجيوسياسية؟

المصادر: تقرير “التاريخ الخفي للبرنامج النووي الإيراني”، تصريحات رسمية، وتحليلات إعلامية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!