ماذا تبقى لأوكرانيا كأهمية  استراتيجية للانضمام للناتو والاتحاد الاوربي ؟.

بالعودة الى الحرب الروسية الاطلسية على الأراضي الأوكرانية .لا بد من القول ان اوكرانيا  فوتت  على نفسها فرصة  تجنبها الدمار  الذي لحق بمواردها البشرية و بنياتها التحتية واللوجستية  ، عندما انسحبت من  اتفاقية السلام في إسطنبول .التي كانت ستمكنها من المحافظة على وجودها  كدولة  كاملة السيادة. وذلك   لو تجاهلت  أوامر  بوريس جونسون و  بايدن  بالانسحاب   من المفاوضات بهدف دفعها   للحرب نيابة عنهم  من اجل الحاق الهزيمة الاستراتيجية بموسكو اعمالا لوثيقة الأمن القومي الأمريكي  التي تعتبر روسيا تهديدا ، وليس للدفاع عن وحدة أراضي  أوكرانيا .وهو ما   أدى الى  اتساع دائرة القتال، حتى  أصبحت خمس الأراضي   الغنية بالثروات الفلاحية والصناعية والمعدنية  تحت السيطرة الروسية. وذلك رغم كل الدعم الأطلسي للجيش الأوكراني الذي أصبح مع مرور الوقت عاجزا   على مجاراة هذا الصراع   . في مقابل التقدم الثابت والمستمر للجيش الروسي الذي   يتجه الى اضافة   أراضي اخرى  ،  إن لم يستدرك النظام الاوكراني الوضع للدخول في مفاوضات جادة مع روسيا  تستحضر المصالح الوطنية للشعب الأوكراني، الذي أصبح  شبابه يفضلون الهجرة والفرار بدل الذهاب الى مفرمة الموت على جبهات القتال  . وذلك  بدل الاستمرار في  إرضاء الإدارة  الأمريكية    المستعدة  لمحاربة روسيا حتى آخر أوكراني.  وبدل  رهن أوكرانيا للمؤسسات المالية   الغربية  التي حولت أوكرانيا من دولة قوية  بمساحتها  التي تتفوق فيها  على دول أوربا و  بمواردها المعدنية و الفلاحية والصناعية  التي كان من الممكن أن تشكل قاطرة للنمو الاقتصادي و الصناعي،    إلى دولة مفلسة فقدت مقومات النهوض  والاقلاع.  
لكن المستغرب هو  كيف  تمادى زيلينسكي  في  هذا النهج المدمر للدولة الأوكرانية.  والركض وراء وعود الغرب الأطلسي التي لا تعدو ان تكون أوهاما يستحيل تحققها على أرض الواقع، سواء تلك  المتعلقة بهزيمة روسيا، او تلك المتعلقة بالانضمام الى الناتو والاتحاد الأوروبي .  وذلك لاسباب لا تبدو خفية عن اي متتبع للصراع الجيو استراتيجي الحالي بين قوى عالمية صاعدة  عازمة  على اعادة صياغة نظام عالمي جديد  متعدد الأقطاب.  وبين قوى عالمية اخرى تتزعمها أمريكا تعمل جاهدة على الحفاظ على هيمنتها على العالم. ويمكن حصر هذه الأسباب في ما يلي:
1/في مسألة إلحاق الهزيمة الاستراتيجية بروسيا. 
ربما يكون هذا الهدف  راود القيادات الاطلسية في بداية اندلاع هذا الصراع  انطلاقا من تقديرات  خاطئة لقدرات روسيا الاقتصادية والعسكرية ،جسدها بشكل واضح تصريح  وزير الاقتصاد والمالية الفرنسي برونو  لومير في بداية هذا الصراع حين  قال إن العقوبات ستدفع روسيا إلى الاستسلام والركوع . الا ان روسيا أثبتت العكس تماما بوحدة شعبها  و صمود اقتصادها   الذي يشهد نموا مهما  يتجاوز بكثير نظرائه في دول أوروبا الغربية  رغم  كل   العقوبات  وذلك  بشهادة المؤسسات المالية الدولية .كما أن الجيش الروسي استطاع احتواء الهجوم المضاد الأوكراني الأطلسي وأخذ من جديد زمام مبادرة الهجوم ليكسب أراضي جديدة في الشرق الأوكراني . ولم يتبقى للأطلسي حاليا سوى الدخول في حرب مباشرة   مع روسيا وهو أمر مستبعد نظرا لما قد ينتج عن ذلك من حرب عالمية  نووية مدمرة للبشرية خاصة مع التحالفات العسكرية الجديدة التي بنتها روسيا مع كل من كوريا الشمالية والصين وإيران وبلاروسيا  ودول أخرى مستعدة لاحتضان الترسانة العسكرية الروسية التقليدية  منها والنووية.  
ان هذا الهدف  الاستراتيجي  تكشف الآن كوهم عند جل المختصين العسكريين الغربيين  .بل تيقنوا أن أوكرانيا ذاهبة لهزيمة ساحقة ستحدد مستقبلها  كدولة مهزومة من طرف روسيا و منبوذة من طرف الغرب و أمريكا  . التي  وإن فشلت في تحقيق هدفها الاستراتيجي الا أنها حققت  بعض المكاسب  التكتيكية من هذه الحرب كإضعاف اوروبا  و ربطها أكثر بالناتو ، و  انضمام كل من  السويد وفنلندا المطلتين على بحر البلطيق الذي يشكل منطقة استراتيجية محاذية لروسيا بديلة عن البحر  الأسود الذي اصبحت هذه الاخيرة لاعبا اساسيا فيه  بعد ان استولت  على القرم و وبحر آزوف و ربما حتى اوديسا وكذا استيلائها على أهم المناطق  الغنية بالثروات المعدنية والزراعية والمنشآت الصناعية  في شرق أوكرانيا .مما أفقد هذه الأخيرة أهميتها الاستراتيجية بالنسبة للحلف الأطلسي وأمريكا التي لن تمانع في وقف الحرب بالشروط التي تريدها روسيا .وهو ما يمكن ان نستشفه من تصريح  المرشح الأكثر حظا للرئاسيات الأمريكية المقبلة دونالد ترامب. و كذا من جولة اوربان للسلام بصفته صديقا لهذا الأخير وليس رئيسا للاتحاد الاوربي، الى كل من كييف وموسكو .
2/في مسألة الالتحاق  بالاتحاد الاوربي .
من الغباء جدا ان تتوهم أوكرانيا امكانية انضمامها الى الاتحاد الاوربي ،و تعتبر ما يقدم لها من وعود في هذا الإطار  صادقة. لأن  شروط الانضمام لم تكن متوفرة لديها   عندما كانت أوكرانيا  في حالة سلم ، ولم يصيبها ما أصابها من دمار وتفتيت لوحدتها الترابية  وما بالك حاليا  . هذا إن اعتبرنا ان نية الاتحاد في هذه المسألة كانت صادقة.  رغم  اني  اشك في هذه  المسألة نظرا لما كانت تثيره  أوكرانيا الكبيرة بمساحتها الجغرافية و بإمكانياتها الاقتصادية والنووية  و بمواردها الطبيعية     من تخوفات لدى  بعض الدول الأوروبية المتربعة   على عرش الاتحاد سواء في غرب أوربا أو في شرقها كبولونيا الطامعة  في  أراضي الغرب الأوكراني التي تعتبرها ملكا  لها. 
كما ان   الوضع الاقتصادي  الحالي الهش نتيجة الحرب الروسية الاكرانية     لا تؤهل الاتحاد  بالمطلق لتحقيق هذا الوعد 
الذي   يتطلب اعادة تأهيل شاملة لاوكرانيا.   ويتطلب إمكانيات مالية ضخمة لا قدرة لأوروبا عليها حاليا او   لسنين عدة مستقبلا. علما ان الاتحاد الاوروبي وبالرغم من كل التداعيات السلبية للحرب  قد حقق بعض المكتسبات  من خلال استقباله لملايين اللاجئين من الاوكران الشباب والأطفال  الذين تحتاجهم أوروبا لتشبيب مجتمعاتها الشائخة . 
3/ في مسألة الانضمام الى حلف الناتو.
قبل الخوض في هذا الوعد الكاذب  الذي يلهث خلفه الرئيس الأوكراني .لابد من القول   أن أي خطوة في هذا الاتجاه تعني تفعيل المادة الخامسة من  ميثاق الحلف التي تعني   حربا عالمية نووية مدمرة  .كما أن الحلف بتوسعه الغير المدروس شرقا الذي  تحكم فيه مبدأ محاصرة روسيا  ليشمل  دولا ضعيفة اقتصاديا وعسكريا في شرق أوروبا  التي تعيش في مجملها على الإعانات،  قد  زاد من أعباء  أمريكا في الحلف التي تساهم بما يقارب  64 % من إجمالي مصاريفه الدفاعية السنوية، رغم تطمينات الرئيس الامريكي بايدن في هذا الخصوص. وهو ما دفع بدونالد ترامب إلى الفول بالانسحاب منه ما لم تبذل باقي الدول الأعضاء جهدا كبيرا  في تمويله. وهو واقع لا يمكن تغطيته  عبر بيانات سياسية حماسية لبعض الاعضاء خلال القمة الاخيرة للحلف المنعقدة في امريكا بمناسبة الذكرى 75 لتأسيسه.  وهي القمة التي حملت كذلك  وعودا فارغة لأوكرانيا في هذا الشأن  من قبل الرئيس الامريكي و الأمين العام للحلف   الذين ربطوا نيلها   العضوية  بهزيمة روسيا مع التأكيد  على ضرورة تمكينها بالمساعدات الضرورية  لتحقيق ذلك !.  
خلاصة: 

–  في السنة الثالثة للحرب روسيا تتقدم ميدانيا  بثبات  لاستكمال سيطرتها على المناطق التي اعتبرتها ضمن مجالها السيادي،  وذلك رغم كل المساعدات الأطلسية لأوكرانيا.

-روسيا صمدت سياسيا واقتصاديا  رغم 14 حزمة من العقوبات المفروضة عليها من طرف الغرب الأطلسي .و حققت نموا سنويا يعادل 3.2% خلال سنوات الحرب متجاوزة بذلك  اقتصاديات كل من ألمانيا وفرنسا وبريطانيا   التي  لم تتجاوز    0.6% حسب البنك الدولي. علما ان الاحصائيات الاخيرة للربع الأول من سنة  2024  تجاوزت كل التقديرات بنسبة نمو بلغت  6% حسب البنك المركزي الروسي. . 
-روسيا حسمت سيطرتها الشبه كاملة على البحر الأسود خاصة اذا تمددت  الى أوديسا. .
-الاتحاد الأوروبي رغم   انجراره الأعمى  وراء أمريكا في صراعها مع روسيا  الذي كانت له انعكاسات سلبية  على  اقتصاديات دوله التي تضررت كثيرا بفعل سياسة  العقوبات التي نهجتها  .  و ستزيد ضررا  بقرارها الاستحواذ على عائدات الأصول الروسية المودعة لديها الذي سيفقدها ثقة شركائها الدوليين ،الذين بدأوا يرسلون اشارات  ببيع أصولهم لدى الاتحاد ، حسب  ما تناقلته وكالة  بلومبيرغ.  وذلك في اشارة الى   السعودية التي اوحت بإمكانية بيع  أصولها  من اليورو  في حال تطبيق هذا القرار خلال الاجتماع الأخير للدول السبع  G7 . إلا أنه  استفاد  من الهجرة الواسعة لملايين  الاوكران خوفا من الحرب من أجل تشبيب مجتمعاته الشائخة.
-ان الاتحاد الاوربي، في وضع الازمة الحالية، لن يكون مهتما بضم أوكرانيا المدمرة  والفاقدة لاهم مناطقها الغنية.  لأن  إعادة تأهيل ما تبقى من مناطق تحت سيطرتها   يتطلب إمكانيات مادية هائلة لا طاقة لاوربا بها  .
-ان امريكا الراغبة في الحاق هزيمة استراتيجية بروسيا قد أدركت  بشكل غير معلن ان هذه المسألة مستحيلة نظرا لقوة الالة العسكرية  الروسية التي تملك كذلك  قوة ردع  نووية هائلة .وأن الاكتفاء ببعض الأهداف التكتيكية تعد كافية خاصة بعد ان انضمت كل من فنلندا والسويد المطلتين على بحر البلطيق إلى حلف  الناتو وهو ما افقد اوكرانيا اهميتها الاستراتيجية بالنسبة لامريكا و للناتو ولو ان هذه المكاسب تسببت في   قيام حلف عسكري شرقي جديد  مواجه للغرب الأطلسي   وهي المهمة  الغير السارة للغرب  التي أنجزها الرئيس الامريكي بايدن بتدبيره السيء لهذا الصراع و  التي ستبصم عهده , وتؤسس لمرحلة جديدة من الصراع. 

د.تدمري عبد الوهاب 
ميونيخ  14 يوليوز 2024

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى