مافوق سجال العروبة والأمازيغية..!

د.محمد الشرقاوي

مرة يآخذ علي بعض النشطاء استخدام عبارة “المغرب العربي”، وأخرى يحاولون توجيه انتباهي إلى أن الوطن العربي “ليس عربيا”، كما حدث عقب مشاركتي بورقة “إلى أين يتجه ميزان القوة في الوطن العربي” في ندوة القنيطرة يوم الاثنين الماضي.

رددتُ على أحدهم قائلا “إن لم يكن العالم العربي عربيا، فلنسمّيه العالم العرمازيغيحسانيقبايليقبطيكرديزيدي”.

إذن علينا أن نقبل المنطق الشامل ونسمّيه بكل فسيفسائه العرقية والثقافية والسياسية، ولا أحد يتضايق من طول حزمة الحروف الأبجدية اللازمة “العرمازيغيحسانيقبايليقبطيكرديزيدي” حتى لا نثير حفيظة أيّ من المكوّنات الاجتماعية التي يتشكل منها التاريخ والحاضر في هذه المنطقة.

لندعو كتب التاريخ والمقررات التعليمية ومنظمة اليونسكو وبقية المنظمات الدولية أن تُدخل هذه التسمية الشاملة في كتبها ومراجعها وبقية سجلاتها ضمن مراجعة تصحيحية تاريخية طال انتظارها!

وقبل أن يتمادى البعض في تسجيل النقاط ضد “العربي” والتقوقع ضمن خانات الهويات الفرعية الضيقة، أو يستميت آخرون في محاولة “تصحيح” هذا التاريخ بوازع النعرات الطائفية، دعونا نستعيد بعض المنطق العقلاني الهادئ ونتساءل: إلى أين يتجه هذا السجال والحماسة في الدفاع عن “مركزية” أكثر من عشرين من اللغات والثقافات والهويات عبر الجغرافيا الممتدة من ضفة الأطلسي حتى حدود العراق؟ وما هو مآل هذه الحروب الثقافية بين تلك اللغات والهويات الفرعية؟

هذه انشطارية مفتعلة تتغذى من خطاب حماية الأقليات ونزعات الانفصال، وتتجاهل حقيقة أننا مغاربة قبل أي تصنيف عرقي أو لغوي أو قبلي أو أنتروبولوجي. 

أخشى أن تكون هذه الخطابات المتعصبة تنظر الى الجزء ولو على حساب وحدة الكل، وتتجاهل بالتالي أكثر من ألفي عام من العيش المشترك. هو منطق يجاري منطق ملوك الطوائف قبل ألف عام تماما. وأصبح نشطاء “تصحيح” التاريخ بمثابة ملوك طوائف جدد يستعينون بألفونسو سادس جديد في مجابهة بعضهم بعضا. 

فشلنا في تدبير الاختلاف يدفعنا في الانحدار نحو التمسك بالهويات الفرعية على طريقة كائنات دونكيشوتية تقتلع أركان الهوية المغربية التي ينبغي أن تتشبع بمغربية المواطنة والتعددية وتكافؤ الفرص بين أفراد يلتفون حول مغرب التداخل والحميمية الثقافية وليس الركل والتشنج كما تفعل الخيول الجامحة. أتذكر بيتا لابن العسال في صميم هذه الانشطارية الكئيبة حسب مقولة “التاريخ يعيد نفسه”:

الثوب ينسل من أطرافه وأرى ثوب الجزيرة منسولا من الوسط.

يكفيني النظر في عيني هاتين الطفلتين وكيف تقفان جنبا لجنب وبينهما نشوة مشتركة في ارتداء أزياء عربية وأمازيغية في مغرب متصالح مع ذاته ومع مستقبله…!

المصدر : https://www.facebook.com/mohammed.cherkaoui

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى