من وجدة: مشهد سينمائي كوفيدي فريد من نوعه

يعتبر تطور الخدمات الصحية من اهم مظاهر تقدم الامم في عصرنا الحالي. وقد ابانت جائحة كوفيد 19 عن أهمية قطاع الصحة داخل منظومة تسيير الدول وما يلعبه من دور فعال في تحقيق الاستقرار السياسي و التوازن الاجتماعي.

ويعتبر المغرب من بين الانظمة التي استطاعت الاستفادة، وفي وقت قياسي، من هذه الظرفية الاستثنائية من أجل خلق التوازنات على مجموعة من المستويات و ايصال السفينة إلى بر الأمان، كي تصبح المملكة مثالا يقتدى به دوليا سواء على مستوى الخدمات الاستشفائية داخل المستشفيات او على مستوى توفير اللقاح لجميع المواطنين .

ولعل هاذا لم يكن قط نتاج الصدفة، وانما سبقه عمل جبار تظافرت فيه جهود مسؤولين من أبناء الوطن الأبرار استجابو لنداء ملك شجاع اختار ان يضحي بكل شيء من أجل صحة أبناء وطنه.

كل هذه الجهود المتراكمة والتي ليست بالسهلة، انكبت ثمارها بالاساس في قطاع واحد الا وهو قطاع الصحة الذي لم يدخر مستخدموه من أطباء و ممرضين و معينين طبيين و إداريين اي جهد من أجل استقبال المرضى و العناية بهم في أحسن الظروف تحت شعار الواجب الوطني.

الا انه، وكما هو معهود عبر التاريخ، بدأت تظهر في الساحة بعض العناصر التي حاولت استغلال هذه الظرفية من أجل البروز، و محاولة التميز عن الآخرين لهدف تلميع صورتهم، و توطيد علاقاتهم مع شخصيات في مناصب القرار لغرض في نفس يعقوب.

ولعل المنطقة الشرقية للمملكة تعد من بين المناطق التي شهدت هذا السيناريو الذي كتبه وأخرجه الشخص ذاته. هاذا الشخص الذي سرق الانظار، ووصف في السيناريو بالبطل، و المنقذ، و المحيي، و الرجل الذي لا ينام، بل حتى هناك من وصفه بالمجاهد المبشر بالجنة.

هذا الرجل الذي يقال انه بمناسبة الجائحة ادخل اخر التقنيات الطبية إلى الجنة التي يتبناها و التي يعتبرها ملكا له، هذه الجنة كما يصفها في السيناريو، لا يدخلها الا المحظوظون من البة القوم او أقاربهم بعد أن يأذن لهم البطل، و بطبيعة الحال لا بد من تحسين الديكور الطبي ببعض أبناء الشعب كي يكتمل المشهد الكوفيدي وفق ما اقتضاه كاتب السيناريو الذكي.

وكما عهد في مجال السينما، فإن كل فيلم شوهد، لا بد أن يكون محط نقد و تساؤلات :

فمن هو هاذا الشخص الذي أصبح مثالا للصحة في المنطقة الشرقية و الوطن؟

وكيف استطاع خطف الانظار والتحول إلى مثل أعلى في النظام الصحي للمنطقة؟

وماهو الفرق بينه و بين باقي الأطباء الآخرين من نفس الاختصاص؟

ماهو مساره المهني وما هي نتائج اعماله الطبية على المستوى الوطني و العالمي لا سيما انه يستعمل ارقى وسائل التكنولوجيا الطبية المتوفرة عالميا والتي لا تتوفر حتى في كبار مستشفيات الرباط و الدار البيضاء؟

لماذا لا يظهر ابدا على الساحة العلمية كمحاضر رئيسي كي تستفيد العائلة الطبية المغربية و المواطنين من علمه ونتائج اعماله بدل الاختباء في الكواليس صحبة المنتجين و كتاب السيناريو؟ حقا عجيب أمره هاذا الشخص؟

ولماذا أعطيت له هو وحده أموال هائلة ، من مال الشعب، ليتصرف فيها كما يريد لاقتناء ما يريد ليؤدي دوره حسب السيناريو المعد؟ هل باقي زملائه لا يستحقون الثقة؟

ماهو المقياس الذي احتكم اليه لتمييزه عن الآخرين؟

ماذا اقتنى بأموال الشعب؟ ولماذا اقتنى كل تلك المعدات؟ ومن أين اقتناها؟ وكم صرف من أموال؟ وهل لديه حجج توثق ما صرف في المستشفى العمومي؟

هل يعمل وحده في المستشفى لاستيعاب كل المرضى، هل لذيه حقا هبة الاهية تميزه عن باقي الاطباء؟ ولماذا يظهر وحده على الساحة الشعبوية؟

ولماذا يهابه مجموعة من المسؤولين في الجهة الشرقية إلى غاية تقديسه؟ هل هناك خط وصل بينهم او ان لديهم تعليمات صارمة لحمايته؟ او ربما لديه علاقات خاصة داخل مراكز القرار في البلاد يتقوى بها ويسخر لنفسه كل ما يريد؟

وما سر نجاح كل الضربات التي يوجهها لكل من خولت له نفسه ان يواجهه؟ ولماذ ينصاع لرغباته مسؤولون يهابهم الصغير و الكبير في المنطقة الشرقية ؟

هل هناك حقا نقط سوداء مسكوت عليها في مساره المهني كما يروج والتي يحاول ان يغطيها بظهوره هاذا في وقت الجائحة ام انه انسان نظيف يعيش حياة مهنية كلها تضحية من أجل المستشفى العمومي و له حياة شخصية متواضعة بدئا من سيارته الشخصية و حتى رصيده البنكي و رصيد اقاربه؟

في مدينة وجدة، و في احد المستشفيات دار فيلم كوفيدي لا مثيل له في باقي البلد، و حدثت أمور تثير حقا الانتباه في وضح النهار. أمور مسكوت عليها، ولا احد يجرء ان يثيرها. أمور يستفيد منها البعض و يمشي ضحيتها المستضعفون من أبناء المنطقة الشرقية. حقا هي سابقة في البلد، لم يعرفها اي مستشفى في المغرب.

بطل الفيلم استعمل الجائحة ليدخل مجالات الصحافة و العلم و الإدارة و القضاء و السياسة و الدين من بابها الواسع بل و نافس رجالها في الجهة، فجعلهم مجرد دمى لا روح لها، يحركها بين يديه كما يشاء لتحقيق نجاحه الكوفيدي الواسع. فما بقى في وسعهم الا الولاء و الاجلال لارضاءا للبطل الذي لا يرد أمره ولا تسقط كلهمته حتى ولو على حساب حقوق الآخرين لانه هو طبيب الإنعاش البارع الذي يحيي و يميت بل وقيل انه ولي الله في ارضه.

فهنيئا لكاتب السيناريو الذكي اللذي تفانى في استعمال نظرية الذكاء الاجتماعي لاستغلال الجمهور ، وهنيئا للبطل المغوار ذو القبضة الحديدية، وهنيئا لشركات الدعم التي شهرت المنقذ وجعلت نجمه يصطع عاليا.

فلقذ أتقنت الدور، و اصبت الهدف واستفدت من شهرتك لترتقي و تقدس. فغدا، يا ايها النجم الكوفيدي الشهير، لن يعاتبك احد لأنك ركبت سيارة المرسيدس السوداء، وضاعفت رصيدك البنكي او ربما أصبحت من مالكي كبار المصحات في المنطقة الشرقية، لأنك حقا بارع.

فطوبى لك و لشركائك في الإنتاج، وويل لجمهور المنطقة الشرقية الغافل الذي تحايلت عليه الذئاب.

عن عامل الانارة في السينما

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى