العقل السياسي الصهيوني

بعد حرب رمضان 6 اكتوبر 1973 ،صدر تقرير عن الكينيست الاسرائيلي حول قابلية العرب للقتال ، وقدرتهم على تصعيد المواجهة والقتال كلما استفزوا ، بما لهم من قدرات بشرية وتاريخية وسياسية ، بالمقابل فهم مرنين وغير صبورين في المفاوضات ، ويسلمونك امورا كثيرة .
اشتغل الاسرائيليون على طروحات وتصورات ونظريات للصراع العربي الاسرائيلي ، واشتغلوا على المسار السلمي للمفاوضات ، وحل الدولتين ، التطبيع السياسي مع الدول العربية ، والتطبيع الديني الإبراهيمي…
قال عضو حكومة الحرب الاسراءيلية غانتس اننا في غزة نحارب من اجل تراثنا العبري ، اما هيراري كلينتون فقالت ان مسيرة وتاريخ الكيان الصهيوني تشبهنا نحن الأميركيين ، وأردف الرئيس الاميركي جون بايدن اننا ندافع على أمن الولايات المتحدة الاميركية في غزة ، ويجمع الغرب المسيحي على اولوية السلام الاسرائيلي العادل في المنطقة ، اذ صرح المثقف والباحث الفرنسي michel Onffray ،مايضير العرب في وجود دولة ( اسرائيل ) بمثابة نقطة في العالم الإسلامي ، ان لهؤلاء الحق في الدفاع عن كينونتهم ، والتخلص من مظلوميتهم التاريخية ، وعذابهم الحضاري.
ما يثير التناقض داخل العقل السياسي الصهيوني ، ان الدولة العبرية بنتها الصهيونية السياسية العلمانية الغير المتدينة ( الصهيونية فكرة أوروبية مسيحية ) ، من ناحية اخرى فان اليهود واليهودية لم يكونوا مقتنعين بالفكرة الصهيونية ، الا ان مسالة التأسيس لهذا الحق التاريخي الغير مبرر ، دفع بالحركة الصهيونية الى اجبار اليهود على تبنى مشروع الكيان الصهيونى وترحيلهم قسرا الى ارض بدون شعب لشعب بدون ارض .
اذا امعنا النظر في تركيبة العقل السياسي لهذا الكيان فان الدولة و السلطة والصراع الساسي داخلها مبني على الشكل التالي :
الاصولية اليهودية الصهيونية
أدت الأصولية اليهودية Jewish fundamentalism دو ار محوريا في تأسيس دولة إس ارئيل على الأرض التي تسميها نصوصهم
المقدسة أرض الرب التي لا يجوز لأحد أن يقيم فيها إلا شعب الله المختار. وعلى الرغم من أن جهود إقامة دولة إسارئيل لم يكن حصرا عليها، إنما لعبته بالتنسيق مع الحركة الصهيونية Zionism التي هي في الأساس على نقيض منها؛ إذ إن الحركة قومية علمانية، إلا أن الأمر يعكس مدى برجماتية التيار الأصولي اليهودي.
أدى الحاخام (1865–1935) IsaacKook Abraham،الدورالرئيس في إحداث المقاربة بين الأصولية اليهودية والصهيونية؛ إذ اعتبر أن جميع المساعي التي تعمل الحركة العلمانية على تنفيذها، هي في مضمونها وجوهرها إشارات مسيحانية Messianism.والمسيحانيةهي الايمان بالميسا ،الشخصالمنتظرأوالمنقذأوالمخلص،الذي
سوف يأتي في آخر العالم ليخلص شعبه إسارئيل، والمسيا كلمة عبرية.
تبلورت الأصوليةاليهوديةوأصبح لهاروادهاوأدبياتهاوأهدافها ،مع ضهور حركة “الميدارش”Midrash؛فنصوص العهد القديم كانت غامضة قبل أن تنشط حركة “الميدارش” العام (505م). والميدارش هو التحليل التفسيري لنص الكتاب المقدس الذي يحاول ملء الفجوات والثقوب لفهم أكثر مرونة للنص. لكن في الوقت ذاته خلقت الحركة نفوًذا واسًعا للحاخامات؛ إذ ُجعل في أيديهم
احتكار سلطة تفسير وفهم النص.
ترتب على التحالف بين الأصولية والصهيونية، تأثي ارت جذرية في أيديولوجية الأصوليين؛ إذ لم يعد التيار المتشّدد بتنفيذ ما ورد في التوارة، متمسًكا بالطريقة التي يتحقق بها خلاص اليهود، سواء بالإنابة الروحية إلى الله، ولزوم فارئضه، أو عبر النشاط
السياسي والعسكري. ويعد هذا أحد تأثيرات الصهيونية العلمانية على الفكر الأصولي اليهودي
الذين يحلون ويعقدون وبدونهم لا يكون الاجماع ، وتعتبر القوانين الدينية أولوية في صياغة الهوية السياسية للكيان ( الحلال والحرام ، التجنيد ، العمل ، الزواج ، من هو اليهودي ، …) ، رغم معارضة الكثير منهم لمشروع هذه الدولة لانه ضد ارادة الله ( الحريديم وناطوري كارتا) ويشكلون داخل اسرائيل حوالي 20% ، والعلمانيون 43% ، و التقليديون 34%..
النقابات الهستدروت
و تعتبر الهستدروت حكومة ثانية في اسرائيل، فلها هيئاتها التشريعية والتنفيذية والقضائية، وكان حزب العمل ومن قبله حزب (مباي) مسيطرين تماماً على الهستدروت إلى أن حدث التحول في التسعينيات (1994) عندما خسر حزب العمل لصالح قائمة عمالية جديدة باسم (رام) أسسها عضو منشق عن حزب العمل هو حاييم رامون وغيره، مع العلم أن هذه القائمة متعاطفة مع مواقف حزب العمل والحركات العمالية اليسارية، بحيث ان مؤسسها عاد إلى صفوف حزب العمل فيما بعد تاركاً قيادة الهستدروت لعضو الكنيست عمير بيريتس.( تجاذب حاد داخلها بين اليسار و اليمين الاسرائيلي ، وكان كل من بن كوريون وكولدا مايير احد اقطابها المؤثرين في التاريخ السيا للكيان الصهيونى).
الجيش تساهل
ويسمى الجيش الإسرائيلي في اللغة العبرية “تسفا هاجاناه ليسرائيل”، ويشار إليه اختصاراً باسم “تساهل”، وهي الأحرف الأولى للتسمية الرئيسية في اللغة العبرية. واختير الاسم لوجود كلمة “دفاع” فيه، من أجل إعطاء انطباع بأن جيش إسرائيل “مهمته الدفاع وليس الهجوم”.
كما يعترض الكثير من المنظمات والشخصيات البارزة داخل إسرائيل، على تضمين كلمة “الهاجاناه” في التسمية المعتمدة، وهي مليشيات مسلحة تأسست سنة 1921، في أثناء فترة الاحتلال البريطاني لفلسطين، التي شكلت اللبنة الأولى للجيش الإسرائيلي
قبل تأسيس دولة إسرائيل، كانت المنظمات الصهيونية العالمية تعتمد على العشرات من المليشيات المسلحة اليهودية، التي تلقت تدريبات عسكرية عالية المستوى، وخاصة على يد الجيش البريطاني، الذي كانت له السيطرة الكاملة على كامل أراضي فلسطين التاريخية.
على رأس هذه المليشيات، نجد تنظيم “بار جيورا” السري، الذي تأسس في أوائل القرن العشرين وبالتحديد في سنة 1907، على يد عدد من المستوطنين الأوائل في فلسطين، إذ اقتصرت مهمته على “حماية” المستوطنات اليهودية، قبل أن يحل التنظيم ويندمج أعضاؤه داخل تنظيم “هاشومير”، وذلك في سنة 1909، وهي سنة تأسيس التنظيم الأخير.
إلى جانب تنظيمات وعصابات مسلحة أخرى، مثل “الإرجون”، “شتيرن” و”اللواء اليهودي”، فضلاً عن تنظيم “الهاجانا”، الذي يعد التنظيم الذي لعب دوراً كبيراً في بسط الاحتلال الصهيوني لسيطرته على الأراضي الفلسطينية لمدة 27 سنة، منذ تأسيسه سنة 1921 لغاية عام 1948، وهي السنة التي تشكل فيها الكيان العبري.
استطاع قادة بعض هذه المليشيات العسكرية من التحالف وتشكيل “جيش وطني”، سمي فيما بعد الجيش الإسرائيلي، في السادس والعشرين من شهر مايو 1948، بقرار من وزير الدفاع ورئيس الحكومة المؤقتة، دافيد بن غوريون.
تجنّد إسرائيل أكثر من 646 ألف جندي، بينهم 173 ألف جندي في الخدمة حالياً، و464 ألفاً من جنود الاحتياط. كما يوجد داخل إسرائيل أكثر من مليون و700 ألف شخص مؤهل للخدمة العسكرية.
الكيبوتزات
قبل عام 1880 كان هناك 25 ألف يهودي يعيشون في فلسطين منذ أجيال عديدة. وبين عامي 1882 و1903 شهدت فلسطين أول موجة من الهجرات اليهودية وبلغ مجموع اليهود الذين وصلوا إلى فلسطين ما بين 20 إلى 30 ألف يهودي من روسيا القيصرية بسبب أعمال العنف والاعتداءات التي تعرضوا لها هناك.
تم تأسيس الصندوق القومي اليهودي عام 1901 في سويسرا، بهدف مساعدة اليهود على الاستيطان في فلسطين خلال المرحلة العثمانية وتمكن الصندوق من شراء بعض الأراضي من الإقطاعيين حول بحيرة طبريا والرملة واللد عام 1905. وبلغ مجموع مساحة الأراضي التي اشتراها الصندوق عند قيام دولة إسرائيل عام 1948 نحو 936 ألف دونم ( الدونم يعادل ألف متر مربع).
ظهرت فكرة إقامة التعاونيات الزراعية في الأوساط الصهيونية في أواخر القرن التاسع وقد تجسدت أول تجربة عملية لهذه الفكرة عبر إقامة كيبوتس “دغانيا” على ضفاف بحيرة طبريا عام 1910.
ضيق الجغرافية داخل محيط عربي اسلامي عملاق يتوسط جغرافية العالم اثر على العقل السياسي الصهيوني الاسرائيلي ، حيث ان في كل حروبه تكون له افضلية التفوق الميداني واتخاذ القرارات الصائبة و السريعة ، خارج اراضيه ، وقد يستفيد استراتيجيا حتى وان انهزم ميدانيا ، كحرب 6 اكتوبر 1973 ( انتصرت مصر ميدانيا وتخطت حائط برليف)، واخترقت اسرائيل الاجماع العربي (زيارة السادات للكنيست الاسرائيلي وعقد إتفاقيات السلام في كامب ديفيد .
تسترجع اغنية الفيديو ( لاتتركونا نشيخ )المتداولة بين اوساط الراي العام الاسرائيلي حول احد الضباط الذين تم تعمد نسيانهم اسرى لدى المقاومة في حرب لبنان )التي اذاعتها حركة المقاومة حماس حول ثلاثة جنود اسرائيليين متقدمين في السن ، اسرى لديها ، ان اسرائيل تقتل أسراها ، ولا تستردهم الا اذا تحولوا الى قضية رأي عام داخلية .
الأغنية تكرر مقطعاً رئيسياً معيناً يقول بالعبرية “لا تتركني في زمن شيخوختي.. لا تتركني عند فناء قوتي”، وهي اقتباس من ترتيل ديني يهودي مأخوذ من المزمور 71، وسفر المزامير هو أحد أسفار التناخ اليهودي (التوراة).
المخزون الاستراتيجي العسكري الاسرائيلي( الصناعة العسكرية) ، وسرعة نفاذ الدخيرة يجعل من القرار السياسي الصهيوني مرهون بالغرب المسيحي الصناعي الممول الرئيسي للذخيرة والاسناد السياسي ، فقد صرح اليوم السفير الاسرائيليين بالمانيا الفيدرالية ( احد الممولين الرئيسين بالذخيرة لاسرائيل في حرب غزة) ان الدولة الجرمانية أصبحت الحليف الفعلي و الرئيسي بعد الولايات المتحدة الاميركية . ان مسالة دعم قرار او معارضته داخل مجلس الامن هي اخلاقية وثقافية وتاريخية قبل أن تكون سياسة ( صرح الرئيس بايدن انه صهيوني ، وان لم يكن يهوديا ) .
الجوار الجغرافي المتقلب و الموقف المتذبذب حول حل الدولتين أو الدولة الديموقراطية الواحدة .( الخلاف حول رسم الحدود بين السلطة الفلسطينة في الضفة الغربية والاردن واسراءيل )
التركيبة الغير المنسجمة للمجتمع السياسي الصهيوني والتناقض السائد بين صهاينة بولندا (سائر اوروبا واميركا) و يهود الشرق ، والذي اخذ شكل حركات سياسية واحتجاجية متضاربة ( حركة الفهود السود ، حركة شاس ، حزب اسرائيل بيتنا …) ، اضافة إلى التجاذبات السياسية الحادة بين اليسار واليمين الوسط واليمين المتطرف ( حزب العمل ، حزب الليكود ، الحركات الاسرائيلية الداعمة للفلسطينيين ، الحركات الدينية الرافضة للدولة ) ، ينعكس سلبًا على المخرجات السياسية للكيان الصهيونى ، و على التجاذب بين العلمانيين والمتدينين حول اقرار دستور للكيان .
القرار السياسي الصهيوني مرتبط بمراكز القرار السياسي الغربي المسيحي ، نظرًا لارتباط تاسيس الدولة بحل المسألة اليهودية في أوروبا .
كاسة البشير مونبلييه 23/12/202

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى