نبيل بنعبد الله: الصحافة المغربية… من الأزمة الوجودية إلى رؤية الاصلاح

شرح الأمين العام لحزب “الكتاب” ، ووزير الاتصال السابق نبيل بنعبدالله، خلال الندوة حول “الصحافة المغربية: الأزمة الوجودية وسبل الإنقاذ” رؤية نقدية للوضع الحرج الذي يمر به القطاع الإعلامي في المغرب. كما سلط الضوء خلال تدخله على أزمة عميقة تهدد الدور التنويري والديمقراطي للصحافة، مُركزًا على تأثيرات التحول الرقمي، غياب الإرادة السياسية، والتشتت بين الفاعلين كعوامل رئيسية تُفاقم التحديات.
1- الأزمة الوجودية: تشخيص الوضع الحرج للصحافة
زعيم الكتاب أكد أن الصحافة المغربية تمر بـ”أزمة وجودية” تهدد استمراريتها، مُشيرًا إلى تراجع دورها التنويري وتأثيرها في دعم التعددية والديمقراطية. هذا التشخيص يعكس عمق التحديات التي تواجه القطاع، من تدني الثقة العامة إلى تقلص الموارد المالية وضعف التأثير الاجتماعي.
نذكر هنا انه وفقًا لمؤشر حرية الصحافة لمنظمة “مراسلون بلا حدود” (2024)، يحتل المغرب المرتبة 130 من 180 عالميًا، مما يُبرز القيود على الحريات الصحفية والتحديات الاقتصادية التي تعيق التقدم. تُظهر دراسات محلية أن أكثر من 60% من المؤسسات الإعلامية الصغيرة والمتوسطة تُعاني من عجز مالي بسبب تراجع الإعلانات التقليدية وهيمنة المنصات الرقمية العالمية، مما يُفاقم الهشاشة ويُحد من الاستثمار في جودة المحتوى أو تحسين ظروف الصحفيين.
2. التحول الرقمي: فرص وتحديات متباينة
بعد ذلك، ايُبرز نبيل بنعبد الله، أن “التحول الرقمي” أحدث تغييرات متباينة في المشهد الإعلامي، حيث ساهم في رفع مستوى الإعلام في بعض الحالات، لكنه ألحق ضررًا كبيرًا بدوره التنويري والديمقراطي في حالات أخرى. هذا التقييم يُعكس الازدواجية في تأثير التكنولوجيا، التي فتحت آفاقًا للوصول إلى جمهور أوسع، لكنها أدت أيضًا إلى انتشار المعلومات المغلوطة، وتدني معايير الجودة، وتقلص إيرادات المؤسسات بسبب منافسة منصات مثل “فيسبوك” و”يوتيوب”.
بحسب تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي المغربي (2023)، يعتمد 70% من المغاربة على وسائل التواصل الاجتماعي كمصدر رئيسي للأخبار، مما يُضعف نفوذ الصحافة التقليدية. كما يُشكل استخدام الذكاء الاصطناعي في إنتاج المحتوى تحديًا جديدًا، حيث تفتقر معظم المؤسسات إلى الموارد لمواكبة هذه التطورات.
3. غياب الإرادة السياسية: عائق أمام الإصلاح
كما شدد بنعبد الله، على الحاجة إلى “رغبة حقيقية في توفر إرادة سياسية” لإصلاح القطاع، مع وضع “خارطة طريق” تأخذ بعين الاعتبار المستجدات السياسية والقانونية.
يعكس هذا المطلب إحباطًا من بطء التزام الحكومة بتطوير الإعلام، خاصة في ظل تدخلات تُقوض استقلاليته، كما أُشير في وثائق سابقة مثل مسودة الجامعة الوطنية للصحافة. تجربة المجلس الوطني للصحافة (تأسس 2018) تُظهر محدودية الإصلاحات، حيث انتقدت تقارير محلية تعيين لجان مؤقتة تُعيق التنظيم الذاتي. قانون الصحافة والنشر (2016) يُعتبر غير كافٍ لمواجهة التحديات الرقمية، مما يدعم دعوة النص لتحديث الإطار القانوني.
هذا الوضع، يقول المسؤول الحزبي، يُبرز الحاجة إلى سياسات حكومية أكثر طموحًا لدعم الإعلام كركيزة ديمقراطية.
4. التنظيم الذاتي والشفافية: أسس لاستعادة المصداقية
بهذا الخصوص، اكد بنعبد الله، تعزيز “التنظيم الذاتي” ووضع إطار قانوني وأخلاقي للظواهر الإعلامية الجديدة، مع “تدبير واضح وشفاف” لتمويل القطاع لدعم التعددية بدلاً من مجرد استمرار المؤسسات.
هذه النقطة تُظهر وعيًا بأهمية الحوكمة في استعادة ثقة الجمهور والفاعلين. غياب الشفافية في توزيع الدعم العمومي، كما يُلمح السيد الامين العام، يُثير قلقًا من استغلاله لخدمة مصالح خاصة، وهو انتقاد شائع في المغرب.
نذكر هنا ان تقريرا للمركز المغربي للدراسات الإعلامية (2022) يؤكد ما جاء على لسان السيد الامين العام، حيث يُشير إلى أن الدعم العمومي يتركز في مؤسسات كبرى، بينما تُهمل الجهوية، مما يُحد من التعددية.
كما أن غياب ميثاق أخلاقي موحد يُعيق التصدي لانتهاكات مثل الأخبار المغلوطة، مما يُعزز أهمية انتقادات المسؤول الحزبي.
5. التعددية والاستقلالية: جوهر الدور الإعلامي
كما ألح، نبيل بنعبد الله، على ضرورة حماية “تعدد الآراء” و”استقلالية القرار الإعلامي” كأهداف مركزية لأي إصلاح.
التعددية تُمكّن المواطنين من الوصول إلى وجهات نظر متنوعة، بينما الاستقلالية تُحافظ على نزاهة الإعلام. لكن تحقيق هذه الأهداف يواجه عقبات، خاصة مع تأثير القوى السياسية والاقتصادية. تقارير الجمعية المغربية لحقوق الإنسان تُشير إلى ضغوط على بعض المؤسسات الإعلامية لتتماشى مع الخط الرسمي، مما يُقلل من التعددية. كما أن تركز ملكية الإعلام في أيدي مجموعات اقتصادية كبرى يُهدد استقلالية التحرير.
لقصر مدة التخل المسموح بها، لم اشار السيد الامين إلى مجموعة من هذه التحديات دون تفصيل، لكن سجلنا على العموم ان كلمته بهذا الخصوص ألحت على أهمية سن قوانين تحمي هذه القيم الأساسية.
6. التشتت بين الفاعلين: عائق أمام الإصلاح
انتقد تدخل وزير الإعلام السابق “التشتت” في القطاع الإعلامي، داعيًا إلى “توحيد الصف” لوضع خارطة طريق تُدمج الإعلام في القضايا الديمقراطية والتنموية.
موضحا ان التشتت بين النقابات، الناشرين، والصحفيين يُضعف قدرتهم على التفاوض مع الحكومة أو صياغة رؤية مشتركة. يوجد في المغرب أكثر من 10 نقابات وجمعيات إعلامية، غالبًا ما تتباين مواقفها حول قضايا مثل الدعم العمومي أو التنظيم الذاتي. هذا الانقسام أعاق مبادرات سابقة، مثل إصلاح المجلس الوطني للصحافة. دعوة التوحيد منطقية، لكنها تتطلب تجاوز الخلافات الأيديولوجية والمصالح الفردية، وهو تحدٍ يحتاج إلى جهود حوار مكثفة.
7. انتقاد السياسات قصيرة المدى: رؤية نقدية
كما أن خطاب الأمين العام لحزب الكتاب عن استياءه من “بعض الأهداف السياسية السياسوية المجانبة تمامًا للصواب” التي تتجاهل أهمية الإعلام في الديمقراطية والتنمية.
هذا الانتقاد هم السياسات التي تُعطي الأولوية للمصالح الضيقة على حساب إصلاح القطاع.
نشير هنا انه في السنوات الأخيرة، واجهت الحكومة انتقادات لعدم تحديث سياسات الدعم أو معالجة قضايا مثل ملاحقة الصحفيين، كما في قضايا بارزة مثل توفيق بوعشرين (2018). هذه الحالات تُعزز شعورًا بالإحباط من بطء الإصلاحات.
طبعا تدخل السيد وزير الإعلام السابق لم يذكر الأسماء ولم يحدد اي من القضايا التي تخصهم، لكنه يُبرز الحاجة إلى رؤية استراتيجية تُعيد للإعلام دوره كمحرك للتقدم.
توصيات أساسية: خارطة طريق للإنقاذ
- صياغة خارطة طريق شاملة: وضع خطة إصلاح واضحة تُحدث الإطار القانوني لمواكبة التحولات الرقمية وتعزز التعددية والشفافية.
- تعزيز التنظيم الذاتي: تطوير آليات مستقلة للتنظيم الذاتي بمشاركة جميع الفاعلين لضمان الحيادية والمصداقية.
- ضمان الشفافية المالية: إنشاء معايير واضحة لتوزيع الدعم العمومي، مع دعم المؤسسات الجهوية والصغيرة لتعزيز التعددية.
- حماية التعددية والاستقلالية: سن قوانين تحمي استقلالية القرار التحريري وتُشجع تنوع الآراء، مع مواجهة تركز الملكية الإعلامية.
- توحيد الجهود الإعلامية: تشجيع الحوار بين النقابات والمؤسسات لتجاوز التشتت وصياغة رؤية مشتركة.
- مواجهة التحديات الرقمية: دعم المؤسسات لتطوير نماذج أعمال مستدامة، مع تدريب الصحفيين على التكنولوجيا المسؤولة.
- تعزيز الإرادة السياسية: الضغط لتفعيل التزام حكومي بإصلاحات تُعيد للإعلام دوره الديمقراطي والتنموي.
الخاتمة: نحو إعلام مستقل وتعددي
تقدم مداخلة الأمين العام لحزب “الكتاب” تشخيصًا دقيقًا لأزمة الصحافة المغربية، اذ سلطت الضوء على التحول الرقمي، التشتت بين الفاعلين، وغياب إرادة سياسية كتحديات مركزية.
كما أنه دعى، بصفته وزيرا للإعلام سابق، إلى خارطة طريق تُركز على التنظيم الذاتي، الشفافية، والتعددية، معبرا عن التزام سياسي صريح لإنقاذ القطاع وتعزيز دوره كأداة تنوير وديمقراطية.
مذكرا ان تحقيق هذه الأهداف يتطلب تعاونًا وثيقًا بين الحكومة، المؤسسات الإعلامية، والمجتمع المدني، مع استثمارات في البنية الرقمية وتحديث السياسات.
نشسر في الختام انه انطلاقا من كلمة نبيل بنعبد الله يمكن ان نستشف أن نجاح هذه الجهود سيُسهم في بناء إعلام مغربي مستقل وتعددي، يعكس طموحات المجتمع نحو التقدم والعدالة.