القضية الفلسطينية : من النكبة الى النكبة.

د.تدمري عبد الوهاب
بعد عملية طوفان الأقصى وما تلى ذلك من ردة فعل إسرائيلية عنيفة لازالت مستمرة لحد الساعة دمر فيها الكيان الإسرائيلي الإنسان والحجر من خلال ما شاهدناه من حرب إبادة جماعية في حق الشعب الفلسطيني .وكأن هذا الأخير كان ينتظر الفرصة المناسبة ليس للرد فقط، بل لتنزيل مخططه القاضي ب :اولا تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة أما كرها لتفادي الإبادة او طوعا بعد ان يحول القطاع الى مجال ترابي غير قابل للحياة .
وهو الأمر الذي اصبح الحديث فيه صريحا من قبل الكيان وامريكا ممثلة برئيسها دونالد ترامب.وما عودة الحرب الى القطاع بعد توقف قصير لإطلاق النار الا تأكيد على استمرار الكيان بدعم أمريكي مطلق على استكمال المخطط الذي وضعوه للشعب الفلسطيني تحت شعار “الاختيار بين الإبادة والتهجير” .وذلك بعد تأكدوا من عدم قدرة العرب والعالم على وقف هذه الحرب المصنفة وفق القانون الدولي ضمن حروب الابادة الجماعية.
وفي ذات السياق كنت قد أشرت في مقالات سابقة الى ان حجم ردة الفعل الإسرائيلية الامريكية على طوفان الأقصى لم يكن للانتقام فقط من حماس التي تبنت هذه العملية وسبق تصنيفها منظمة إرهابية من طرف الأشقاء قبل الاعداء . بل قلت حينها ان الكيان حول هذه العملية الى فرصة لاستثمار ما زرعه والإدارة الامريكية طوال المرحلة السابقة التي صاحبت ما سمي “بالربيع العربي ” وما تمخض عنه من اهتزازات مدمرة لبعض الدول والأنظمة السياسية في المنطقة التي كانت داعمة لفلسطين و مناهضة للهيمنة الإسرائيلية الامريكية رغم علتها الاستبدادية في التعاطي مع أوضاعها الداخلية .
إضافة الى الاستثمار في الرعب الذي تسرب الى بعض الأنظمة الموالية للغرب الأطلسي ، التي اقتنعت بأنها ستلاقي المصير ذاته في حال خروجها عن الطاعة الامريكية وهو ما وظفته هذه الاخيرة من أجل شق “الصف العربي ” و تأليب دول وشعوب المنطقة ضد بعضها البعض. بل ودفع بعضها الى خوض الحرب بالوكالة نيابة عن إسرائيل والغرب ضد من كانوا يوصفون “بالأشقاء العرب ” إلى عهد قريب. بل وتم تسخيرهم لإشعال الفتن الطائفية والمذهبية في هذه البلدان لتكون المحصلة ، هو تحويل بوصلة الصراع في المنطقة من صراع كان يسمى بالصراع “العربي الإسرائيلي” الى الصراع الفلسطيني الإسرائيلي اولا. والى الصراع السني الشيعي ثانيا.
مع كل ما استتبع ذلك من اتفاقيات سلام وتطبيع مع الكيان . بالتالي فإن إقدام حماس على عملية طوفان الأقصى تكون قد أعطت الكيان من حيث لا تدري الفرصة التي كان ينتظرها من أجل انجاز مخططه في الابادة والتهجير بعد ان تجهز له جيدا عسكريا وايتخباراتيا .
و بعد ان تيقن ان لا مكان لشيء كان يسمى “بالتضامن العربي” مع فلسطين. خاصة بعد ان تم تفكيك دول المنطقة وبعد ان تم اختزال القضية الفلسطينية في حركة حماس كفرع من فروع حركة الإخوان المسلمين التي لا تنظر إليها الكثير من الأنظمة العربية القائمة بعين الرضى نظرا للأدوار المشبوهة لهذه الحركة إبان ما سمي “بالثورات العربية “. وهو ما كان على حماس التنبه له .
وبدل الدخول في معركة كبرى وغير متكافئة مع الكيان في ظل هذه الظروف الإقليمية والدولية التي كانت نتائجها منتظرة .كان عليها ارجاء ذلك الى حين. وبذل كل جهودها ، ولو على حساب بعض التنازلات، من أجل إنجاح مسار المصالحة الداخلية لتوحيد الفصائل الفلسطينية حول مشروع وطني تحرري .و هو المشروع الذي يتطلب حاليا اعادة النظر في الكثير من مسلماته السابقة ، التي شكلت تاريخيا العمود الفقري للخطاب السياسي الفلسطيني المقاوم .
ثانيا : إنهاء جبهة المقاومة ضد الكيان الإسرائيلي التي تشكلت من خلال تنظيمات مسلحة خرجت من صلب الفوضى الاجتماعية والسياسية التي شهدتها بعض هذه الدول التي أما سبق لها ان تعرضت لغزو امريكي مباشر كالعراق . او لحروب بالوكالة كاليمن وسوريا الخ.. او باستعمال القوة الناعمة كلبنان.علما ان هذا الحركات المسلحة المقاومة للغطرسة الإسرائيلية الأمريكية والمساندة للقضية الفلسطينية التي أعلنت عن نفسها كبديل عن ما كان يسمى ” جبهة الرفض العربية ” ،خاصة بعد حرب تموز 2006 التي اذل فيها حزب الله إسرائيل، لم تحظ يوما بأي دعم عربي رسمي.
بل على عكس ذلك عملت هذه الأنظمة على تطويقها داخليا وشعبيا عبر زرع الفتنة بين السنة والشيعة لنزع المشروعية عن المقاومة باعتبار ان اغلب الفصائل المناهضة للكيان من خارج فلسطين هي فصائل شيعية و مدعومة من إيران التي تشكل ضمن السردية الجديدة ، التي روج لها المطبعون ، العدو الرئيسي للعرب السنة بدل إسرائيل.
ان مشروع انهاء جبهة الفصائل المقاومة للكيان كان يتطلب بالنسبة لإسرائيل الدخول في حرب متعددة الجبهات وهو ما يفوق قدرتها الذاتية. .لكن ونظرا لالتقاء أهداف الكيان بالرغبة الأمريكية التي تريد من منطقة الشرق الأوسط منطقة نفوذ حصرية لها خاصة بعد ان أظهرت هذه المقاومات قدرتها عن ازعاج التواجد الأمريكي فيها في أكثر من مناسبة .بل ودخول بعض القوى الإقليمية والدولية كايران و روسيا على خط هذه الفصائل المقاومة من أجل مزاحمة التواجد الأمريكي في المنطقة .
كل هذا دفع بتحويل هذه الرغبة المشتركة الى أفعال تجسدت في تقديم كل أشكال الدعم السياسي والاقتصادي والعسكري والاستخباراتي لإنجاز هذه المهمة .خاصة بعد ان أعلنت هذه الفصائل عن دخولها معركة اسناد غزة في ظروف إقليمية ودولية غير مواتية تميزت بانشغال إيران في محطات مشاغلات داخلية نتيجة اختراقات استخباراتية توجت بقتل رئيس الدولة السيد رئيسي وعلماء وقادة عسكريين.
إضافة الى تلويح أمريكا وإسرائيل باستعمال القوة العسكرية ضد منشئاتها النووية والصناعية والاقتصادية .كما أن مرحلة إعلان إسناد غزت تميزت كذلك بانشغال روسيا في حرب مريرة ضد الغرب الأطلسي فوق الاراضي الاوكرانية .إضافة الى تدهور الأوضاع في سوريا التي كانت سندا مهما لمقاومة والتي كان النظام السياسي فيها يعيش لحظاته الأخيرة.
بالتالي فإن عملية طوفان الأقصى و حرب الإسناد التي دخلتها الفصائل المقاومة في مثل هذه الظروف الغير المواتية ،و دون قراءة موضوعية لها، والتي كان الهدف منها الحد من الغطرسة الإسرائيلية الأمريكية وإجبار إسرائيل على الدخول في مفاوضات سلام حقيقية مع الفلسطينيين. تحولت في النهاية الى انتكاسة كبرى لكل الخط المقاوم في المنطقة بعد ان تحولت كل دولها الى ساحة مستباحة للعمليات الأمنية والعسكرية الإسرائيلية وذلك ضدا على كل القوانين الدولية .والأمر كذلك بالنسبة للقضية الفلسطينية التي يبدو أنها ستشهد أشد مراحلها تراجعا و قسوة بعد تلك التي شهدتها سنة 1948.
وذلك في انتظار صحوة أخرى مرتبطة هذه المرة بظهور مقاومات جديدة ممانعة تربط الصراع الدولي في المنطقة الذي تكثفه فلسطين بتغيير موازين القوى العالمية وما يتطلبه ذلك من تغيير جذري في النظام العالمي الحالي. ولا تراهن على شيء اسمه استفاقة الضمير العربي الرسمي من أجل استكمال عملية التحرير .
د.تدمري عبد الوهاب طنجة في 6 أبريل 2025