مهنة من لا مهنة له

عمر الشرقاوي ( أستاذ جامعي)

يعلم القاصي والداني أن مهنة الصحافة المنظمة بقانون وأخلاقيات والتي يطلق عليها “صاحبة الجلالة” تحولت الى مهنة من لا مهنة له، وقبلة لتطفل العديد من العاطلين عن العمل وملاذا منقطع النظير لدعاة حقوق أو نضال متطفلين على المشهد الإعلامي. 

والغريب في الأمر أن سؤال من هو الصحفي المهني؟ حتى وقت قريب كانت الإجابة واضحة هو كل مَن يتوفر على بطاقة منظمة بقانون ويقوم باستمرار في مؤسسة مهنية بإنتاج مواد تحريرية، يتم نشرها أو بثها إلى الجمهور، سواء أكان ذلك ورقيا أو سمعيا أو بصريا أو الكترونيا، لكن اليوم أصبح الجواب عن صفة الصحفي وسط الفوضى غير الخلاقة مستحيلا بعدما فتحت أبواب المهنة على مصراعيها، وأصبح الداخل الى هذا المجال بدون قانون أكثر من الخارج منه، فتذبذَبت هذه المهنة ودفعت المواطن الى فقدان ثقته في الوسائل الإعلامية. 

والواقع أن كل من أصبح يحمل كاميرا يدوية أو ميكروفون أو لسان طويل وفم يكشكش يغزو أرض الصحافة وينتحل صفة الصحفي دون أن يسأله احد من أهل الحل والعقد في المهنة والمؤسسات الوصية عن شروط ممارسة الصحافة ودون أن يلاحقه القانون عن خروقاته ودون أن تسأله المؤسسات الوصية أو التي يعمل لديها عن حد أدنى من الدراية في الكتابة الصحفية وأخلاقيات المهنة. وهكذا ظلت الفوضى سيدة الميدان، بل امتد الأمر إلى قيام بعض منتحلي الصحافة من المنحرفين بابتزاز الدولة والمسؤولين ورجال الأعمال والسياسيين فحولوها إلى مرتع للاسترزاق، ومصدر للاثراء غير المشروع وأفقدوها شرعيتها ومصداقيتها، ليعم الفساد والارتباك وسوء التدبير عالم الصحافة، مما ساهم في الإساءة إلى الحقل الإعلامي والعاملين الغيورين، وأفرغ رسالته الإنسانية من أبعادها التنويرية.

للأسف كل قبيلة الإعلام بدرجات متفاوتة ظل يتفرج على هاته المجزرة في حق مهنة المتاعب وعلى رأسها المؤسسات الوصية التي اكتفت بمتابعة هذا الانتحار الطوعي لمهنة الصحافة دون التدخل الصارم لإعادة الهيبة وثقة لمهنة منظمة بقانون مثلها من مهن المحاماة والطب والصيدلة. 

وبكل صراحة فالقضاء من خلال النيابة العامة كان عليه أن يتدخل ويفعل اختصاصاته داخل نفوذها الترابي اتجاه كل من سولت له نفسه انتحال صفة صحفي، فمدونة الصحافة والنشر أعطت للقضاء سلطات واسعة في ولادة المؤسسات الصحفية وموتها وطيلة حياتها وبإمكان وكلاء الملك بمختلف جهات المملكة أن يضعوا حدا للخروقات اليومية لمهنة الصحافة من طرف مترامين على مهنة تعاني من الموت البطيء ليس فقط بسبب الطفيليات بل بسبب بعض الصحفيين الذين يريدون أن يتحولوا إلى ثوار على مواقع التواصل الاجتماعي وإلى زعماء أحزاب ونقابات وقادة معارضة وناطقين باسم الأمة، بينما دورهم محدد في القانون وأعراف المهنة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى