ابعاد القصة: حماس – اسرائيل والبحث عن النقلة النوعية في فلسطين – الجزء الثاني

عبدالعالي الجابري – مدير نشر Gil24.ma

بعد نشر الجريدة لمقال لي :”حماس – اسرائيل والبحث عن النقلة النوعية في فلسطين“، الأسبوع الماضي، تواصل معي العديد من الاصدقاء مشكورين حول الموضوع، بل البعض منهم ارسل إلي روابط وتسجيلات فيديو لها صلة بما كتبت، بعضها يذهب في نفس التوجه العام وأخرى تناقضه او تختلف وتعطينا توجهات أخرى… تفاعلت ايجابيا مع الرسائل/التدوينات التي جاءتني، استعملت موادها كأرضية للبحث، قارنت بينها وبين ما كتبته لتقصي حدود الاتفاق والاختلاف… و قادني البحث في مصادر تلك المعطيات الى استنتاجات أكثر تعقيدا وعمقا، سأحاول قدر الامكان تبسيطها في مقال ثان، مع الاشارة الى ان الخلاصات تبقى مؤقتة وقابلة للتغير حسب مجريات الاحداث المتسارعة، كما ان هناك رقابة عسكرية اسرائيلية خطيرة تسعى لطمس كل ما يكتب في الموضوع.

تصحيح بعض المعطيات التي كنت قد اشرت اليها في المقال السابق، منها:

أولا: “طوفان الاقصى” لم ينفذ من قبل جهاديي حماس فقط، بل من قبل أربع جماعات مسلحة. و هي المرة الأولى منذ خمسين عاما التي يتحد فيها الفلسطينيون في غزة.

فقد تقرر إطلاقه من قبل غرفة عمليات موحدة للمقاومة الفلسطينية بأكملها. قدمت حماس، وهي العنصر الأكبر إلى حد بعيد، الجزء الأكبر من القوات، لكن ثلاث مجموعات أخرى شاركت:

– الجهاد الإسلامي (السني والخميني) ،
– الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين (ماركسية)
– والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة.

تحدثت الصحافة الغربية عن الجرائم الوحشية التي ارتكبها بعض المهاجمين، ولكن لم تشر قط الى احترام النساء والأطفال من طرف المقاومين… بل إن اتهامات الاغتصاب وقطع رؤوس الأطفال ليست سوى جزء من دعاية الحرب.

توضيح جد هام، لأنه يغير تفسير الحدث. ” طوفان الأقصى” ليس عملية جهادية من قبل الإخوان المسلمين، بل هجوم من قبل جميع الفلسطينيين في غزة. وحدها فتح في الضفة الغربية، التي تنأى بنفسها عن الجماعات المذكورة آنفا والتي يعاني رئيسها محمود عباس من مرض خطير.

ثانيا، لم يكن الهدف من هذه العملية “قتل اليهود”، حتى لو فعل ذلك بعض جهاديين حماس (يبلغ عدد الإسرائيليين 2700 قتيل في المجموع)، بل أخذ الأسرى، المدنيين والعسكريين، لتبادلهم مع السجناء العرب في السجون الإسرائيلية شديدة الحراسة. هؤلاء ليسوا بالضرورة مقاتلين، بل مدنيين أيضا.

ثالثا: الصراع الإسرائيلي الفلسطيني ليس بين دولتين (لا تزال إسرائيل بلا حدود ولا تزال فلسطين غير معترف بها) ، بل بين شعبين. هذا وضع خاص: الفلسطينيون لا تمثلهم دولة والإسرائيليون لديهم مسؤوليات إضافية كقوة احتلال.

وتأتي هذه الأحداث في وقت دعا فيه مجلس التعاون الخليجي ومجموعة ال 77 وجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي والصين في 15 مايو 2023 إلى تعليق عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة حتى تمتثل تل أبيب لالتزاماتها الخاصة.

اضافة الى هذه التصحيحات (الأولية) تحول المقال الى بحث للاجابة على مجموعة من الأسئلة، لخصتها في سبعة:

السؤال الأول: هل فاجأت عملية طوفان الأقصى إسرائيل؟

خلافا لما زعمته حكومة بنيامين نتنياهو الائتلافية، فإن “طوفان الأقصى” لم يكن مفاجأة لإسرائيل. تم التخطيط لهذا الهجوم منذ اشتباكات مايو 2021.  ووفقا لشبكة CNN، قامت حماس بتدريب مقاتليها على هذه العملية لمدة عام ونصف.

بنيت ستة معسكرات تدريب في غزة وصنعت أفلام ترويجية هناك… كما تم نشر مقاطع فيديو لهذه الدورات التدريبية قبل أسابيع من الهجوم.

و في مارس 2023، أرسلت حماس وفدا هاما إلى روسيا. في تلك المناسبة، حذر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف من أن صبره بدأ ينفد وأن غضبه “يتزايد En marche”.

في عام 2023 كذلك، أجرت إيران محادثات بين مختلف القوى المؤيدة للاستقلال في المنطقة ، حزب الله والجهاد الإسلامي وحماس. وقد عقدت في بيروت، بلبنان، برئاسة اللواء إسماعيل قاآني، قائد سرايا القدس التابعة للحرس الثوري الإيراني. وكان الهدف منها التوفيق بين هذه الجهات الفاعلة التي خاضت ضد بعضها البعض حربا شرسة في غزة ثم في سوريا. وأعلن عن هذه الاجتماعات في مايو 2003.

وبهذه المناسبة، تحدثت الصحافة اللبنانية عن التحضير للعملية الوحدوية التي نفذت في 7 أكتوبر.

لذلك تحسب لإيران مسؤولية المصالحة بين الفصائل الفلسطينية.

في 30 سبتمبر، اتصل وزير المخابرات المصري، كامل عباس، هاتفيا برئيس الوزراء الإسرائيلي لتحذيره من عملية حماس الكبرى ضد إسرائيل. وكانت مصر، التي تقاتل جماعة الإخوان المسلمين، قلقة من أن تسمح إسرائيل بالمزيد من التطور.  

في 5 أكتوبر، حذرت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية  CIA الموساد من عملية كبيرة من قبل المقاومة الفلسطينية المتحدة. معبرة عن قلقها بشأن حجمها.

ومع ذلك، وفقا لصحيفة نيويورك تايمز، فإن تقارير وكالة المخابرات المركزية (28 سبتمبر و 5 أكتوبر)، التي لا تزال سرية، لم تذكر استخدام المقاومة الفلسطينية لتقنيات قتالية جديدة.

ثم عقدت المخابرات الإسرائيلية اجتماعا لتقييم التهديد. وشارك في الاجتماع الشاباك (مكافحة التجسس) وعمان (المخابرات العسكرية).

لذلك، تعد تصريحات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ومكتبه لمواطنيهم بأنهم فوجئوا بهجمة حماس، كذبة كبيرة.

السؤال الثاني: لماذا سمحت إسرائيل بقتل شعبها؟

هناك عدة فرضيات ممكنة. هؤلاء أربعة منهم:

الأولى : يخص  المستوطنين المقيمين بشكل غير قانوني في الضفة الغربية ممثلون بما فيه الكفاية في الحكومة الائتلافية الإسرائيلية. لكن يبدو انهم يتعمدون سياسة الصم وعدم الاكتراث لما كان يجري في غزة….

الثانية: بنيامين نتنياهو، الذي أعاد إحياء أيديولوجية والده بنزيون نتنياهو ومعلمه الأوكراني فلاديمير جابوتنسكي، كان ينوي إنهاء الوجود الفلسطيني في كل من غزة والضفة الغربية. هو الذي وصف فلسطين بأنها “أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض”.

الثالثة:  أراد بنيامين نتنياهو ، الذي أحيا مشروعا قديما ، خلق ذريعة لتبرير الحرب ضد إيران وتوسيع نفوذ إسرائيل في الشرق الأوسط. ..

الرابعة : أتباع الفاشي الألماني الأمريكي الجنسية  ليو شتراوسLeo strauss ، الذين يواصلون ما يفعلونه بالفعل في أوكرانيا ، خلق ذريعة لتبرير حرب أوسع ضد روسيا.

تلك فرضيات أربع لا حصرية ولا شاملة. لكل فرضية تعليق يتناسب وعنوان الفقرة، لماذا سمحت اسرائيل بقتل شعبها؟، لكن تحاشيت تلك التعاليق حفاظا على السياق العام للموضوع، والأكيد انها ستلقى ردود كثيرة اما مؤيدة او مستدركة او مصححة.

السؤال الثالث : لماذا تسمية 11 سبتمبر الإسرائيلي؟

حاول الاعلامي الغربي، وخاصة الفرنسي منه الذي خصصت له حيزا كبيرا من الفحص والقراءة،  رسم أوجه تشابه بين الرواية الرسمية لهجوم حماس والرواية الرسمية لهجمات 11 سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة.

بالنسبة لهم، يتعلق الأمر بتأكيد “همجية الخصم”، و”مفاجأة معسكر الخير” و”تبرير الحروب” التي ستتبع ذلك.

ويغذي هذا التشابه حقيقة أن حماس تدعي أنها الجناح الفلسطيني لجماعة الإخوان المسلمين، في حين تلقى أسامة بن لادن تدريبا على يد محمد قطب، الأخ الدموي لمفكر الإخوان المسلمين سيد قطب.

هذا التشابه لا يصمد: ولو انه يأكد استحالة أن تكون هجمات 11/9 قد ارتكبت من قبل تنظيم القاعدة. فلم تتمكن السلطات الأمريكية أبدا من الرد على معترضي تقاريرها الرسمية لحد الآن. بالإضافة إلى ذلك ، ظهرت أدلة جديدة منذ تلك الفترة تتناقض مع رواية إدارة الرئيس جورج دبليو بوش… و اليوم ، 54 في المائة من الأمريكيين لا يصدقون رواية اللجنة التي عينها الرئيس للتحقيق في الأحداث.  

ومع عدم اليقين في الجهة التي نظمت هجمات 9 / 11 ، فقد تم تحديد مجموعة واحدة متهمة، و على ذلك الأساس تم تحديد  مشروع القرن… وأحد اقطابه الرئيسيين، إليوت أبرامز، الذي كان وراء ظهور بنيامين نتنياهو في إسرائيل، ونذكر حين ذاك أن المعارضة في اسرائيل وصفت الحدث على أنه “انقلاب”.

نشير الى ان للرجل، إليوت أبرامز، ماض إجرامي ثقيل (كان متورطا بشكل خاص في الإبادة الجماعية للمايا التي نظمها الإرهابي الإسرائيلي إسحاق شامير والجنرال الغواتيمالي إفراين ريوس مونت. كما أدين في الولايات المتحدة بسبب أكاذيبه ولدوره في قضية إيران كونترا).

مما يجعل اي متتبع يتساءل عن دوره المحتمل في سلبية إسرائيل في التحضير لهجوم حماس.

ومع ذلك، خلال شهر يوليو الماضي ، عينه الرئيس جو بايدن في اللجنة الاستشارية الأمريكية للدبلوماسية العامة، والتي تشرف على الدعاية الأمريكية في جميع أنحاء العالم.

السؤال الرابع: من سلح حماس؟

الجميع يدرك ان مثل هكذا عملية معقدة تتطلب موارد ومعلومات لا يمكن أن تمتلكها إلا دولة. البحث اظهر أن الأسلحة المستعملة في “طوفان الأقصى”، متعددة المصادر بعضها من الولايات المتحدة وأخرى تعود الى عهد الاتحاد السوفيتي وأخرى قد تكون من كوريا الشمالية…. وهي اسلحة تنتشر بكثرة في لبنان وفلسطين.

تمت صياغة ثلاث فرضيات:

مسؤولية الجانب الايراني:

وهي فرضية يرفضها اغلب المحللين، بسبب الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين حسن البنا، مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، وروح الله الخميني، مؤسس الجمهورية الإسلامية الإيرانية. وعلاوة على ذلك، نفت إيران بشدة أي مسؤولية في الأمم المتحدة. ومع ذلك، هذه هي النظرية التي يدافع عنها إليوت أبرامز وبنيامين نتنياهو.

كل المؤشرات تخلص الى أن إيران ليست مسؤولة عن “طوفان الأقصى”، بل عن المصالحة بين الفصائل الفلسطينية.

مسؤولية روسيا:

لا تستند إلى أي دليل. على الأكثر، يمكن الإشارة إلى أن الصراع في فلسطين سوف يمتص الموارد الغربية وبالتالي يقلل من ضغوطهم ضد روسيا في أوكرانيا.

بل يمكننا أن نتوقع ارتفاعا في أسعار الهيدروكربونات، وهو أمر موات لموسكو.

لكن يستبعد أن تمتلك روسيا الوسائل للانخراط في جبهة جديدة ثالثة، بموازاة مع قتالها في أوكرانيا وسوريا.

اضف الى ذلك ان موسكو تتناقض ايديولوجيا مع ميليشيات الإخوان المسلمين منذ إنشاء الاتحاد الروسي.

ومع ذلك، هذه هي النظرية التي دافع عنها الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي أمام وزراء دفاع الناتو ال 31 في بروكسل في 11 أكتوبر. وقد تدخل وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، عبر الفيديو خلال هذا اللقاء، في نفس السياق .

مسؤولية تركيا:

لا تزال قائمة.

وبصرف النظر عن استضافة الرئيس رجب طيب أردوغان لآخر مؤتمر لحماس في اسطنبول، يقيم كبار قادة حماس الآن في تركيا، في حين أن قادة جماعة الإخوان المسلمين كهيئة دولية منقسمون بين المملكة المتحدة وقطر وتركيا.

قد نشير الى أن وكالة المخابرات المركزية كانت تتابع التحضير لعملية حماس، وأن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن اتصل هاتفيا بنظيره التركي ورئيس المخابرات السابق، هاكان فيدان، ليلة 6 إلى 7 أكتوبر، أي في الوقت الذي شنت فيه حماس هجومها وقبل أي تحرك للجيش الإسرائيلي.

 بعد ذلك، اتصل أنتوني بلينكن بنظرائه في إسرائيل وفلسطين ، ثم مرات أخرى بنظيره في تركيا.

وأخيرا، في قمة وزراء دفاع الناتو، كشف الوزير لويد أوستن أن الولايات المتحدة طلبت من تركيا التدخل لتأمين إطلاق سراح الرهائن الأمريكيين. لكن، لم يحدد ما إذا كان هذا القرار قد اتخذ قبل أو بعد إرسال مجموعة USS Gerald Ford يو إس إس جيرالد فورد البحرية، لتخليص الرهائن.

السؤال الخامس : ماذا يقول القانون الدولي عن النزاع الإسرائيلي الفلسطيني؟

وفقا للأمم المتحدة، يحق للفلسطينيين إقامة دولة ذات سيادة داخل حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. هذه الصيغة تعني ما يلي:

– لدولة فلسطين الحق في أن يكون لها جيشها الخاص (الذي تعارضه إسرائيل بلا هوادة).
– يجب إعادة جميع المستوطنات اليهودية والقدس الشرقية بعد عام 1967 إلى دولة فلسطين.
– لكل فلسطيني، أو يحق له، الحق في العودة إلى إسرائيل والاستقرار في بلده (حق العودة). ويتعين على إسرائيل تعويض أولئك الذين تم إعادة تدوير ممتلكاتهم أو تدميرها.

ووفقا للأمم المتحدة، يحق للإسرائيليين الحصول على دولة ذات سيادة داخل حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الغربية. هذه الصيغة تعني ما يلي:

– لإسرائيل الحق في أن يكون لها جيشها الخاص (الذي لديها بالفعل).
– يجب إعادة جميع المستوطنات، والمستوطنات اليهودية في القدس الشرقية بعد عام 1967 إلى دولة فلسطين. مع امكانية أن يستمر الإسرائيليون في العيش هناك، لكنهم سيكونون كأجانب.
– يجب على إسرائيل أن تمنح حقوق الإقامة لكل فلسطيني مقيم هناك، كما يحق لكل فلسطيني طرد عام 1948، الحق في رفع دعوة /قضية لاسترجاع ممتلكاته أو تعويضه.

في البداية، كان من المقرر توحيد هاتين الدولتين (فلسطين وإسرائيل) في دولة ثنائية القومية فوق وطنية حيث يكون لكل مواطن صوت متساو. ومن المتصور أن تتدخل قوة دولية لحفظ السلام بين الفئتين حتى تستقر الأمور.

لكن يبدو ذلك امرا صعب المنال. فمن ناحية، لا أحدا من الطرفين يرغب في أن يكون جزءا منها، ومن ناحية أخرى، لأن هذا ليس ما قصدته الأمم المتحدة أصلا. فهي لمَحت الى وجود بعثات مراقبين لحفظ السلام، وليس الى قوة تدخل عسكرية لحفظ السلام.

طبعا يمكن تصور حل الدولتين مع النظر في تجريد الدولتين من السلاح ومنحهما ضمانات بعدم اعتداء على جيرانهما. تحليل نظري امام امتلاك اسرائيل للسلاح النووي.

الجميع يعلم، ان حل الدولتين حسب القانون الدولي، سيتسبب في الحاق خسائر كبيرة في الأراضي والممتلكات من الجانب الإسرائيل، ولو انه عمليا قد يكتفي بتعليق المطالب الفلسطينية المتعلقة بالممتلكات والاراضي التي تم الاستيلاء عليها بالقوة او التي اقيمت عليها المستوطنات.

اذن للقانون مساطره التي يعتبرها ثمنا للعدالة والسلام، لكن لا أحد مستعد لتقديم تنازلات للطرف الخصم، لا الآن ولا على المنظور القريب.

السؤال السادس: ما هو رد فعل إسرائيل؟

غير ائتلاف بنيامين نتنياهو، الذي يضم الصهاينة وهم المتعصبون اليهود، غصبا، القوانين الأساسية لإسرائيل في شهر غشت الماضي… ولو انها اصلا دولة بدون دستور.

ويرى المراقبون، وخاصة الصحافة الأمريكية، أن الحكومة نفذت “انقلابا” من خلال قمع مظاهرات استقلال القضاء. حيث اجهزت على احتجاجات حاشدة عرفتها إسرائيل منذ عدة أشهر… في مواجهة الوضع الحالي، لا يمكن لإسرائيل البقاء على قيد الحياة إلا من خلال الموافقة على توحيد طبقتها الحاكمة.

وقد اشرنا في المقال السابق الى ان رئيس الوزراء السابق يائير لابيد طالب باستقالة الوزراء اليهود المتعصبين حتى يتمكن من المشاركة في حكومة وحدة وطنية…. وكان يقصد على وجه الخصوص إيتمار بن غفير (وزير الأمن الداخلي) وبتسلئيل سموتريتش (وزير المالية)، اللذين لهم، ومنذ دخولهما الحكومة فقط، صلة بثلاث مذابح معادية للعرب، بما في ذلك مذابح حوارة.

لكن وزير الدفاع السابق، الجنرال بيني غانز ، لم يضع نفس الشرط.

في النهاية، قرر رئيس الوزراء الحالي ضم كليهما إلى حكومته، دون استبعاد العنصريين اليهود… مقابل ذلك أنشأ مجلسا للحرب، وتم استبعاد العنصريين اليهود منه، مع توريط كل من يائير لابيد و الجنرال بيني غانز.

 في هذه المرحلة، تلعب الرقابة العسكرية دورا حاسما وقويا لدرجة أن وزير الإعلام، ديستل أتباريان، استقال في منتصف الحرب.

لا يمكن معرفة التكوين الدقيق للمحكمة العسكرية، ولو اننا نفهم الآن لماذا كانت مداولاتها عاصفة للغاية. كما ان لا احد يعرف ما قررته بشأن الحرب على غزة.

الرئيس يتسحاق هرتسوغ نفسه استبعد من المداولات… كل ما نعرفه هو أن وزير الدفاع، الجنرال يوآف غالانت، ليس على الإطلاق على نفس التناغم مع سلفه، الجنرال بيني غانتس. لدرجة أن رئيس الوزراء دعا رئيس الأركان السابق، الجنرال غادي آيزنكوت، وهو مؤيد للقصف المكثف للمدنيين، إلى المشاركة في مداولات المجلس كمراقب.

 الكل يعمل حتى لا يتمكن تحت أي ظرف من الظروف أن يعرف الإسرائيليون وبقية العالم كيف تفاعل كل منهما مع سلبية بنيامين نتنياهو في مواجهة التحضير لعملية “طوفان الأقصى” والساعات الأولى من تنفيذها.  

هل سبب زيارة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إلى تل أبيب، هو أن المناقشات قد أثارت الطرد إلى مصر أو مذبحة سكان غزة البالغ عددهم مليوني نسمة. لذا هرع للدعوة إلى الهدوء.

السؤال السابع: كيف يمكن أن تتطور الأشياء؟

 يمنح القانون الدولي إسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها ضد الهجوم الذي تتعرض له. هذا ما فعلته لمدة خمسة أيام من خلال مطاردة المهاجمين الذين تسللوا إلى أراضيها… قبل ان تبدأ في وقت لاحق في فرض حصار شامل لغزة وبعده عملية قصف عشوائية، لم تنتهي بعد، مع التسجيل أن قصف الجيش الإسرائيلي ركز على مدينة غزة (مستثنيا جنوب قطاع غزة اللهم حاجز معبر رفح).

للاشارة ، حصار قطاع غزة وقصف المباني المدنية تعد جرائم حرب…. وبالتالي تسجيل مرة أخرى انتهاك اسرائيل للقانون الدولي.

في مؤتمر صحفي، تبين أن الرئيس الإسرائيلي، إسحاق هرتسوغ، غير مدرك لما ينوي جيشه القيام به، لأنه مستبعد من المداولات.

اما جامعة الدول العربية التي ومنذ حرب الأيام الستة، تدعم الموقف المصري القاضي بإغلاق حدودها مع غزة. فهي تنوي الجامعة دعم المطالبات الفلسطينية، لكنها ترفض بشدة أي نقل للسكان والتجنس. لأن القاهرة، التي تحتل الامانة العامة للجامعة، لا تريد ان تتحمل المسؤولية عن 2 مليون مهاجر، وخاصة من حماس، حليفة جماعة الإخوان المسلمين.

على الجانب الآخر من المشهد، يقف الجيش الإسرائيلي على أهبة الاستعداد ليس للدخول الى قطاع غزة، بل لاحتلالها وطرد او ابادة مواطنيها…

العالم بأسره، يقر على أن احتلال غزة بالقوة، سيكون انتهاكا للقانون الدولي، وأن مكافحة التمرد ستكون جريمة حرب في حد ذاتها. … هل سيقدم الجيش الاسرائيلي على اقتراف جريمتين دفعة واحدة: الاحتلال بالقوة وحرب مكافحة التمرد التي قد تنتج عن ذلك الاقتحام.

بخصوص الولايات المتحدة الامريكية، المساند الرسمي لاسرائيل، فقد شحنت أسلحة وذخائر إلى إسرائيل. ونشرت مجموعة بحرية قبالة غزة (حاملة الطائرات يو إس إس جيرالد فورد ، وطراد الصواريخ الموجهة يو إس إس نورماندي ، ومدمرات الصواريخ الموجهة الأربعة يو إس إس توماس هدنر ، ويو إس إس راماج ، ويو إس إس كارني ، ويو إس إس روزفلت) ، ثم مجموعة بحرية ثانية (حاملة الطائرات يو إس إس أيزنهاور ، طراد الصواريخ الموجهة يو إس إس، في بحر الفلبين ، ومدمرات الصواريخ الموجهة الثلاث يو إس إس لابون ويو إس إس ميسون ويو إس إس جرافلي). ومع ذلك، لازالت تدعو إسرائيل إلى ضبط النفس.

على سبيل الختم (مرة أخرى مؤقت) يبدو أننا امام ثلاث مخارج:

أولا: رضوخ مصر، وتمكن السيسي من اقناع جنرالاته لتسليم سيناء لأهل غزة، وهو امر مستبعد على المدى القصير.

ثانيا : تنفيذ مشروع فلاديمير جابوتنسكي وإفراغ قطاع غزة بالقوة من سكانه البالغ عددهم مليوني نسمة، اما عبر نفيهم الى مصر او صحراء النقب او تنفيذ في حقهم ابادة جماعية، قد ينتج عنه ضرورة تدخل المجتمع الدولي، بدءا من حزب الله. وانتهاء بمواجهة بين ايران والولايات المتحدة، وهي حرب طالما انتظرها بنيامين نتنياهو والصهاينة المتعصبين، لكن قد لا يناسبهم ان تكون اسرائيل مسرحا لتلك الحرب.

ثالثا: تبقى فرضية، انسحاب الجيش هي الأكثر احتمالا لحد الآن. او على الأقل التزامه بالحصار خارج اسوار القطاع، مع وجوب فتح معبر رفح لمرور المساعدات الانسانية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى