أنت فين وأنا فين

ادريس المغلشي

يصدق عنوان هذه الاغنية المغربية الجميلة على وضعية منظومتنا التربوية التي تعيش اختلالات عميقة ابرزها ما يعانيه تلاميذ وتلميذات السنوات الإشهادية وعلى راسها (الأولى والثانية باكلوريا) والتي جاءت من خلال تصريحاتهم عقب اجتياز كل مادة لمواقع معروفة بسعيها للإثارة ولو على حساب القيم والأعراف التي تعتبر الرصيد الاساسي لكل دولة وتساهم بشكل كبير في تدني الذوق العام من خلال الاتصاف بالكسل والتهاون والغش والتزوير وانعدام المسؤولية وتشجيع كل السلوكات المنحرفة التي تحارب فينا قيم الاجتهاد والمثابرة والاعتماد على النفس ،تسعى كذلك لتوسيع الهوة بين الاجيال وتخلق التفاوت الصارخ بينها.

الملاحظ ان اغلب محتويات هذه التصريحات وتلك المضامين لاتختلف عما يقوم به بعض  السياسين ولو بشكل ضمني .هناك تطابق عجيب في الردود ينم عن عقلية انتهازية تبحث عن مكاسب مهمة بدون مجهود يذكر.الذين يحتلون مواقع المسؤولية لايختلفون عن هذه  العينة من  التلاميذ المستجوبة والتي لاتعطي قيمة للحظة الاستحقاق ،كلام في الهواء بلاقيمة ولامفعول.لعل من أبرز  المعيقات التي نتجت عن نسخة الباكلوريا سنة 2023 وتستحق تسليط الضوء عليها تلك التصريحات التي تدلي بها بعض الأمهات والتي تترجم الاهتمام بفلذات اكبادها وهم ينهون مشوارهم الدراسي بتتويج يطمئن العائلة على مرحلة تفضي بهم إلى التعليم العالي الذي لايقل اهمية . ما أثارني في تلك التصريحات أم تلميذ تبدو منفعلة حد الغضب وهي توضح معطى اساسي لم تغفله الدراسات البيداغوجية وتوصي باعتماده: التعاقد البيداغوجي الذي  يستوجب التصريح به والاتفاق بشأنه وتدوينه بعد توقيعه بين المدرس والتلميذ والاسرة .عكس التعاقدالديداكتيكي المضمر في جل آلياته وعملياته ولايحتاج لتوقيع او تصريح .

الأم المصدومة اوردت في كلامها حقائق تحتاج منا الوقوف عليها لاختبار مدى صدقية الشعارات المرفوعة. فبالقياس لتضحيات الأسر التي أصبحت تدفع ثمن تفوق أبنائها لتسد ثغرات المنظومة دون ضمانات على حساب مصاريف الحياة  تبرره نبرة الاحتجاج المرتفعة وعليه فنحن ملزمون بتحديد بعض النقاط التي كثيرا مايتم القفز عليها من أجل تغطية بعض الحقائق الصادمة. لاتغريكم البلاغات والمناشير التي تصطنع فرحاغيرحقيقي ، لايستند على تقييم موضوعي . فلاوجود لتعاقد مسبق بين مكونات المنظومة وبالتالي كل طرف مفروض عليه عيش عزلته في وضعية تربوية تشبه لحد بعيد مأزق أو منفى لامجيب له سوى الله. 

امتحان الباكالوريا لايترجم حقيقة الاستراتيجيات التربوية وبالتالي النتائج التي يروج لها باعتبار التفوق حسب المعدلات الأعلى المحصل عليها مقاربة خاطئة مند البداية .

إن تنميط المحتوى والامتحانات وجعلها تنتقل بشكل آلي من محاولة تعميم المقاربة إلى انفتاحها على عنصر المباغثة والذي ينفي كلية مبدأ التعاقد والتهيء الجيد لما يستقبل من الأسئلة والتغييب الكلي للخصوصية المجالية بكل معيقاتها ونقط قوتها وضعفها مع وجود اختلاف مهم في  المنهجيات والوضعيات حسب السلوك التربوي لكل جهة يصبح بالضرورة عائقا منهجيا نحو الترجمة الحقيقية للأهداف الاستراتيجية للاصلاح .بل من الواجب توفر جانب من المرونة في هامش  التعامل مع عملية التصحيح ليشكل مرحلة استدراكية لكل تلك الاختلالات التي يصرح بها التلاميذ واصبحنا نسمعها من أمهات يسعين بكل ماأوتين من قوة  لتصحيحها  من خلال  مسار ابنائهن .والتي تعتبر  مشاريع موؤودة فيهن يحاولن ابرازها في المتبارين من البنات والأولاد .إننا في غياب حس بالمسؤولية ، نعيش مع الأسف الشديد وضعية لاتترجمها بالفعل سوى عنوان تلك الأغنية الجميلة  “انت فين وانا فين يبان لك الفرق أمسكين”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى