العقل الامريكي الاستراتيجي واستهداف التوازن الاستراتيجي في البلطيق

كاسة البشير مونبليي
19/03/2022–

في سنة 1905 انهزمت روسيا امام اليابان في معركة موكدن ، اذ كان اول انهزام للغرب مع نهاية القرن 19 امام قوة عسكرية تحسب على الشرق، ولم تفل قوة اليابان الا بالتدخل النووي الاميريكي في هيروشيما و ناكازاكي .
وكان السيناريو يتكرر مع الاصطدام الروسي الامريكي على خطوط تماس دول الشرق ، فالانسحاب الامريكي من افغانستان . والتفاهم مع جماعة الطالبان وتسليحها ، واناطتها بتنفيذ ادوار استراتيجية بمنطقة القوقاز ،غايتها تطويق روسيا من خاصرتها الخلفية ، مع العلم ان غالبية دول هذه المنطقة تنحاز الى المعسكر الروسي ، قرقزستان ، طاجاكستان ، الشيشان ، …ويطلق عليهم بعض المحللين الاستراتجيين بنات روسيا .
ابان فترة كوفيد 19 كل مراكز الدراسات الاستراتجية كانت تتنبأ باندلاع حرب كبرى بعد قرب نهاية الجاءحة ، وان اعادة الاستقرار والتوازن للنظام الدولي لمن الاهمية بما كان لمواجهة الانكماش الاقتصادي ، وضبط التوازنات المالية العالمية .
يصرح الديبلوماسيون الامريكيون انهم ليسوا في حرب مع روسيا اليي تقاتل في اكرانيا لاجتناب الاجتثاث الاستراتيجي الماحق لوجودها كدولة فاعلة في المجتمع الدولي ، في سنة 2008 خاضت الحرب في جورجيا ، وعملت على تقسيمها واضعافها ، في سنة 2014 تدخلت في سوريا وقامت قاعدتين عسكرية بحرية في طرطوس وجوية فئ الحميمية قوامها 70 الف جندي ، وحرب ضم جزيرة القرم ، كما تدخلت في الوقت المناسب لوقف الحرب الاذربيجانية /الارمنية ،والتموقع من جديد داخل منطقة القوقاز بالتفاهم السياسي والامني مع تركيا ، اذ ان الدول الناطقة بالتركية في منطقة القوقاز و داخل روسيا يزعجها و يكثر من مخاوفها من مستقبل النفوذ الروسي داخل جمهوريات الاتحاد السوفياتي سابقا ، ثم ولوجها المشهد السياسي العسكري الليبي ، ومساندتها للمشير خفتر .، ودخول مرتزقة الفاكنر على خط المواجهة العسكرية في سوريا وليبيا وافريقيا الوسطى ( الاتفاقية العسكرية بين روسيا وافريقيا الوسطى ).
فماذا تريد روسيا من اوكرانيا ؟ وماذا يريد الامريكيون من روسيا ؟ وما مستقبل اوروبا وحلف الناتو ؟ ومن الرابحون في حرب البلطيق ؟
……………………………………………..
اطاح الربيع الديموقراطي بالحكومة الموالية لموسكو ، واحبط من قدرة روسيا على التحرك الاستراتيجي داخل مجالها الحيوي ،وجعل من التهديدات الغربية اكثر جدية وواقعية لامن واستقرار دول ،
الاتحاد الروسي ، وانهاء النفوذ الروسي داخل منطقة البلطيق.
كان ميلاد الدولة الروسية بمدينة كييف الاوكرانية، ومهد الديانة
الاورتودوكسية ، وبلد عشيقة نيكيتا خروتشوف الذي اهدى جزيرة القرم الى الاوكرانيين سنة 1954 من اجل عيون حبيبته ، ومستودع المخزون الاستراتيجي للقمح ، ومن اخصب اراضي السهل الاوروبي الخصيب ، وامتدادها الجيوبوليتيكي على البحر الاسود حيث ثقل الاسطول الحربي الروسي ، ومنصات الصواريخ الباليستيكية ، وترسانته النووية خاصة ميناء
الامبراطورية الروسية في المياه الدافئة عبر التاريخ السياسي الحديث .
فماذا فهم العقل الروسي الاستراتيجي مع مجيء فليديمير زلينسكي لرئاسة اوكرانيا ؟ وتمدد الحلف الاطلسي داخل دول البلطيق ؟ واستمرار الاهانة الامريكية للفدرالية الروسية بعد سقوط الاتحاد السوفياتي سنة 1991 ? مادا يعني وعود الولايات المتحدة الاميركية للدولة الروسية بعدم تمدد الحلف الاطلسي داخل جمهوريات الاتحاد السوفياتي سابقا ، وعدم احترام تعهداتها ، وعدم افراغ هذا الاتفاق الاستراتيجي داخل معاهدة دولية ملزمة لكل الاطراف المعنية بهذه المنطقة الساخنة ؟ اما زال العقل الاستراتيجي الامريكي يعيش فوبيا طرد الولايات المتحدة الأميركية من قارة اسيا ؟ ماذا يعني الانسحاب الامريكي من افغانستان وتسليح حركة طالبان داخل منطقة القوقاز ؟ الا يبشر بالتصور الامريكي السياسي الجديد للدور الذى ستلعبه الحركة الاسلامية في ألعالم الجديد ؟ ماذا يعني تفجير الاتفاق الاسترالي الفرنسى في المحيط الهندي ، واستبداله بالمحور الامريكي الاسترالي اليابانى ؟ وهل تمركز اكبر الامكانات العسكرية البحرية والجوية والإستراتيجية في بحر الصين لا يعني حصار خاصرة الصين وروسيا وخنق الممرات التجارية الكبرى ؟ .
ان العالم بعد جائحة كوفيد 19 ادرك اهمية احتلال الاقتصاديات العالمية ، وان الحمقى هم الذين يلجأون للحرب لادارة الازمات الدولية ،وهم لا يملكون الادوات السياسية والدبلوماسية و المالية لوقفها (البنك الدولي وصندوق النقد الدولي و الدولار )
و التحالفات الدولية والاقليمية والمنظمات المدنية والاعلام و الراي العام الدولي والمراكز الدراسية الاستراتيجية ولوبيات المال و العقار.
………………………………………………..
تملك روسيا قرار اشعال الحرب ولكن لاتملك توقيفها، لانها ببساطة بين ايدي صناع وموردي الاسلحة واصحاب رؤوس الاموال ، الامر الذي يفسر استهداف الولايات المتحدة الاميركية لقطاع المال والاعمال الروسي ، وكذا الودائع المصرفية في البنوك الاجنبية ، واخراجه كليًا من نظام السويفت الاتماني ، ماعدا بعض شركات البترول والطاقة .كما ان أكرانيا تملك قرار الحياد السيادي ، ولكن لاتملك استعماله ، فالتمويل الامريكي للحرب وتزويد الجيش الاوكرانى السلاح والعتاد ، يقلل من فرص الحكومة الاوكرانية في ايجاد حل ثناءي للمساءل الامنية العالقة بين الطرفين ، ويحد من فعاليتها واداءها الديبلوماسي في مواجهة التحديات العسكرية الروسية ، فالطرف الامريكي يملك الكلمة الاخيرة في صياغة اتفاق دولي حول البلطيق، الشيء الذي تطلبه الدولة الروسية كشرط لايقاف الزحف ، لكن العقل الاستراتيجي الامريكي ذاهب في انهاك الموقف الروسي ، ودفعه الى الداءرة الصينية ، واخراجه تماما من الجغرافية السياسية لدول البلطيق ، وسحب العلامات التجارية ذات الرمزية الترفيهية و الاستهلاكية الغربية . الامريكيون انتصروا في الحرب بمجرد اندلاعها ، و بدون سقوط جندي واحد ، والروس دخلوا الحرب مع اوكرانيا وهم متاكدين انهم سيخسرونها استراتيجيا ، رغم تقدمهم العسكري على الارض . اللاعبون الدوليون المستفيدون من الحرب ، الطرف التركي نظرا لامتلاكه للمسالك الماءية الدولية وخاصة في البحر الاسود بمقتضى اتفاق مؤتمر مونترو حول نظام المضائق Montreux Convention Regarding the Regime of the Straits هي اتفاقية في عام 1936 تعطي تركيا السيطرة على مضائق البسفور والدردنيل وتنظم انتقال السفن الحربية فيهما. المؤتمر منح تركيا الادارة الكاملة للمضائق وضمانات المرور المجاني للسفن المدنية في وقت السلم. وقيد مرور السفن البحرية التي لا تنتمي لدول البحر الأسود. شروط المؤتمر كانت موضع جدل على مدار السنين، أشهره ما يخص دخول جيش الاتحاد السوفيتي في البحر المتوسط. وهيمنته على البحر الابيض المتوسط الكبير، ثم الصينيون الذين سيغررون بالروس لمحاولة ضمهم إلى منظومتهم في الاتصال والتوزيع وتدفق المعلوماتية ونظام العملة (الين الصيني) . ان هذه القلاقل الاستراتيجية في بحر الصين وجنوب شرق اسيا والحرب في البلطيق سيدفع رؤوس الاموال والمستثمرين الى تحويل وجهتهم نحو القارة الافريقية التي اصبحت قبلة اغراء للغرب واحد البداءل الاستراتيجية لتطويق المارد الصيني ، وطرقه التجارية ، ومواجهته على ارض غير ارضه ، في اطار منظومة دولية جديدة اصبحت معالمها واضحة البنيان ، الامر الذي يفسر الموقف السياسي للمملكة المغربية من الحرب ، فماذا عن اوروبا العجوز ؟ اظهرت الحرب ان الحلف الاطلسي لم يعد ذا اهمية استراتجية لحماية اوروبا ، وأن السلاح النووي قتل فكرة الحرب ، وانه بدون تكتل عسكري و كونفدرالي للقرار السياسي الاوروبي ، ودعم ديبلوماسية براغماتية موحدة ، وبنك مركزي وعملة اوروبية مركزية قوية ، لا يمكن للاوروبيين ان يعالجوا مسالة الحرب والسلام في اوروبا ، وان الولايات المتحدة الاميركية لم تعد الحليف الاستراتيجي الموثوق به ، وان تناول البيتزا وشرب الكوكاكولا وارتداء الجينز لايعني انك امريكي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى