د.أمين السعيد يكتب…هل الحكومة بحاجة لتعديل حكومي ام لنفس سياسي جديد؟

ذكرت مجلة “جون أفريك” الفرنسية، يوم الجمعة 12 غشت 2022، من خلال مقال إخباري معنون بــ Maroc: remaniement en vue pour le gouvernement d’Aziz Akhannouch عن إمكانية إجراء تعديل وزاري داخل حكومة عزيز أخنوش، ليتم بعد ذلك تداول الخبر بشكل واسع داخل الصحافة المغربية.

لا شك أن انبعاث الخبر من داخل الصحافة الأجنبية، لم يشكل مفاجئة للرأي العام الوطني في ظل سياق اقتصادي مطبوع بارتفاع غير مسبوق للأسعار ويجر في حمولته الأثار السلبية لجائحة وباء كورونا ويتزامن مع سنة فلاحية جد متواضعة، وهو ما من شأنه أن ينعش “أطروحة” بعض المطالب التي تنادي برحيل رئيس حكومة عزيز أخنوش.

وفي نفس السياق، يعرف المغرب نقاشا عموميا يمكن المغامرة نظريا وتقسيمه إلى  إلى ثلاثة توجهات شبه متناقضة؛ الاتجاه الأول: اتجاه غير مؤطر مؤسساتيا ينشط بشكل كثيف داخل وسائل التواصل الاجتماعي بخلفيات سياسية غير مكشوفة، يطالب برحيل رئيس الحكومة عزيز أخنوش، دون استحضار لأثار ذلك على المشهد السياسي، واتجاه ثاني، تمثله الأطراف السياسية المشاركة في الحكومة، حيث يرتكز على فكرة المبادئ والضمانات الدستورية، ويعتبر أن الحكومة تحتاج لمدة كافية لمحاسبتها على توجهاتها، ثم اتجاه ثالث، يستند على خطاب التكتيك والاستراتيجيات السياسية، تمثله بعض التعبيرات المنتمية لأحزاب المعارضة التي تنتقد العمل الحكومي طمعا في اجراء تعديل حكومي لتشكل بديلا عن الأحزاب المشاركة في التحالف الحكومي.

داخل هذه التوجهات السياسية والمجتمعية الثلاثة، يمكن طرح السؤال التالي: هل استنفدت الحكومة الزمن السياسي الكافي لإحداث تعديل على بعض مكوناتها؟ لماذا اجراء تعديل وزاري وماهي انعكاساته وهل المشهد السياسي في حاجة إلى تعديل حكومي؟

بالعودة إلى جميع التعديلات الحكومية التي أجريت طيلة الثلاثين سنة الماضية على الحكومات المغربية المتعاقبة، نلمس بشكل جلي، أن المعدل العام لإجراء تعديل حكومي جزئي أو موسع لا يقل عن سنتين من تشكيل الحكومة، حيث أشارت الأستاذة أمينة المسعودي في دراسة متميزة منشورة في كتابها الموسوم “بعمل أعضاء الحكومة في المغرب: الصلاحيات ـ الحدود ـ المسؤوليات 1955ـ 2016″، إلى مختلف التعديلات التي طرئت على الحكومات ) الصفحة(86 ، انطلاقا من حكومة الفيلالي المشكلة في 27 فبراير 1995 وحكومة اليوسفي المعينة في 14 مارس 1998 وحكومة جطو المعينة في 7 نوفمبر 2002 وحكومة الفاسي المعينة في 15 أكتوبر 2007 وحكومة بنكيران المنصبة في 3 يناير 2012 ثم حكومة العثماني المنصبة في 20 أبريل 2017.

وهكذا، تاريخيا، فباستثناء حكومة بنكيران التي تعرضت لتعديل وزاري في 14 أكتوبر 2013، كاد أن يتكرس عرف دستوري داخل النظام الدستوري المغربي بخصوص مراعاة المدة الزمنية لأجراء تعديل حكومي، حيث أن الملك يتوفر على سلطة تقديرية واسعة في اجراء التعديلات الحكومية، اللهم إذا رغبت بعض الأطراف الحزبية وعبرت عن ذلك بشكل إرادي بالخروج من الحكومة.

موضوعيا، وبعيدا عن سرديات الشعارات التي تبحث عن حلول سحرية لأثار أزمة عالمية ترخي بظلالها على جميع الدول، فإن حكومة عزيز أخنوش تحتاج لمزيد من الوقت حتى نحاكمها ونسائلها دستوريا وسياسيا. لكن، وفي المقابل من ذلك، فإن ارتباك الحكومة، وضعف تواصلها وحداثة تجربة وزرائها وغياب الأثر السياسي لجميع القرارات المتخذة منذ تنصيبها، يشكل حجة قوية للأطروحة المطالبة برحيل رئيس الحكومة.

لذلك، فتوصيف حكومة عزيز أخنوش، كحكومة مرتبكة، لا يعني أنها ضعيفة، بقدر ما يعني أنها غير قادرة بأن تنخرط وتتفاعل مع النقاش العمومي المتذمر من ارتفاع الأسعار وخاصة سعر الوقود.

السؤال المطروح، يتحدد فيما بعد التعديل الوزاري، وهل هذه التغييرات من شأنها أن تعالج الحضور الباهت لرئيس الحكومة في النقاش العمومي، وتواضع قرارات الحكومة بمختلف فرقائها، وهل اعفاء وزيرين من الحكومة، يمكنه أن يضخ نفسا جديدة في باقي الفريق الحكومي.

وبلغة الاقتصاد والسوق، من هي الجهات الرابحة والأطراف الخاسرة من التعديل الحكومي المرتقب؟ سياسيا سيؤثر التعديل الحكومي على الانسجام الحكومي باعتباره أحد العناصر القوية التي تتغنى بها حكومة عزيز أخنوش، وهو ما يعني خسارة حزب الأصالة والمعاصرة الذي شارك لأول مرة في التدبير الحكومي منذ تأسيسيه من قبل المستشار الملكي فؤاد علي الهمة، ذلك أن إعفاء الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصر، قد يؤثر على الوضع الداخلي للحزب، ويمكن أن يحيي الأصوات داخل حزب الأصالة والمعاصرة المطالبة برحيل عبد اللطيف وهبي.

وفي المقابل من ذلك، إذا نجح هذا التوجه، فإنه نسبيا يعد حزب الاستقلال من أبرز الأطراف المستفيدة إلى جانب الأطراف الحزبية المعارضة التي تسعى للمشاركة في الحكومة، خاصة حزبي الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وكذا الحركة الشعبية.

المؤكد أن التعديل الحكومي لن يجيب عن الأصوات المطالبة برحيل عزيز أخنوش، بقدر ما سيزيد من التشبث بهذا المطلب الذي أصبح يخترق منافد التواصل الاجتماعي، وفي المقابل من ذلك، تحتاج حكومة عزيز أخنوش، أن تقدم جوابا عمليا حول مواضيع ذات الأولية في النقاش العمومي وحول العلاقة الملغومة بين “رئيس الحكومة السياسي” و”عزيز أخنوش الرجل الأعمال”، وإشكالية الارتفاع المهول لنسبة البطالة لدى الشباب المغربي ومستقبل السياسات الاجتماعية وفق التصور الملكي.

عمليا، نجحت الحكومة في ابتكار أليات قوية للتواصل مع المواطنين خلال المحطة الانتخابية، لكنها فشلت في أسلوب تواصلها في ظل التحولات المجتمعية التي أضحت تؤمن بالعمل الرقمي المبني على التواصل المنفتح، الأمر الذي يعني، أن الحكومة في حاجة إلى فرصة سياسية جديدة لإصلاح انتكاسة البداية المتعثرة للعمل الحكومي، وهل ربما تكون الفرصة المقبلة تتمثل في التفكير في إطلاق معتقلي أحداث الحسيمة؟

أمين السعيد: أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله فاس

المصدر: https://www.belpresse.com/featured/377322.html#.Yvn9zEKvzaw.whatsapp

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى