في الحاجة الى مؤسسات منتخبة تخدم التنمية

عبد السلام المساوي

ان الرهان الاساسي الذي يواجهنا هو اعادة الاعتبار للمؤسسات المنتخبة محليا واقليميا ، جهويا ووطنيا ، لكي تقوم هذه المؤسسات بالتنمية ، وليتصالح المواطنون مع الشأن المحلي لما يلعبه من دور حاسم في التنمية المجتمعية والتربية على المواطنة …

ان الرهان اليوم هو تنظيم مدن المغرب وتأهيلها وجعلها قبلة للاستثمارات المنتجة ، كما ان الرهان اليوم يتجلى في تحسين جودة الحياة في المحيط الحضاري والارتقاء بالخدمات العمومية في الاتجاه الذي يقوي الاحساس بالمواطنة ويجعل السكان يشعرون بكل اطمئنان ان المؤسسة المنتخبة في خدمة التنمية ، في خدمة المصلحة العامة لا خدمة المصالح الشخصية لمنتخبين قرصنوا المقاعد فخربوا البلاد والعباد …

ان تدبير شؤون المواطنين وخدمة مصالحهم مسؤولية وطنية ، وأمانة جسيمة ، لا تقبل التهاون والتأخير ؛ ضمن نص خطاب وجهه جلالة الملك محمد السادس ، الى أعضاء البرلمان برسم افتتاح الدورة الأولى من الولاية التشريعية ، يوم الجمعة 14 اكتوبر 2016 , قال جلالته ” مع كامل الأسف ، يلاحظ ان البعض يستغلون التفويض الذي يمنحه لهم المواطن لتدبير الشأن العام في اعطاء الأسبقية لقضاء المصالح الشخصية والحزبية ، بدل خدمة المصلحة العامة ، وذلك لحسابات انتخابية ، وهم بذلك يتجاهلون أن المواطن هو الأهم في الانتخابات ، وليس المرشح او الحزب ، ويتنكرون لقيم العمل السياسي النبيل …فاذا كانوا لا يريدون القيام بعملهم ولا يهتمون بقضاء مصالح المواطنين ، سواء على الصعيد المحلي او الجهوي ، وحتى الوطني ، فلماذا يتوجهون اذن الى العمل السياسي ؟ (….) ان الالتزام الحزبي والسياسي الحقيقي يجب ان يضع المواطن فوق أي اعتبار ، ويقتضي الوفاء بالوعود التي تقدم له ، والتفاني في خدمته ، وجعلها فوق المصالح الحزبية والشخصية …”
ان تدبير الشأن المحلي ليس محض عمليات ادارية صرفة وبريئة بقدر ما هو تكثيف لتصورات سياسية وترجمة لمنطلقات فكرية يتم تجريبها على أرض الواقع في شكل مواقف ومخططات .

واعتبارا لكون البرنامج الانتخابي يمثل أساس التعاقد بين الناخبين والمنتخبين ، واستحضارا للنتائج السيئة التي تترتب عن تغييبه واستبعاده من دوائر المسيرين الجماعيين ، يطرح على الأحزاب مستقبلا ضرورة اعادة الاعتبار للمنطلقات البرنامجية وجعلها معيارا اساسيا لتقويم الجماعات المحلية ومدخلا ضروريا لتعميق الوعي بأهمية المؤسسات المنتخبة والاقتناع بالضوابط الديموقراطية …

وسعيا الى ترقية أداء الجماعات المحلية وتفعيل دورها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية ، مطروح على القوى الديموقراطية الحية اعداد البرامج التنموية واعتبارها موجها للعمل ومعيارا حقيقيا للحكم على مصداقية الأداء الجماعي .

من هنا فان الأحزاب مطالبة الان ، اليوم اكثر من أي وقت مضى ، بتحمل مسؤوليتها في انتاج البرامج الانتخابية القابلة للتحقق ، واختيار مرشحيها اعتمادا على مبدأ الكفاءة والفعالية ، مرشحين متشبعين بالروح الديموقراطية ومتخلصين من تأثيرات النزعة الشعبوية ، مترشحين يعتمدون اساليب ديموقراطية في التنافس لا الجوء الى المتاجرة بالدين واستعمال المال الحلال وغير الحلال ، مرشحين يصارحون الناخبين ويقيمون علاقات واضحة بين مختلف مكونات المؤسسة الجماعية ومحيطها الخارجي…

كما انه مطروح على الاحزاب تتبع أداء ممثليها داخل الجماعات المحلية وتعميق التواصل مع الناخبين ، ولكن قبل هذا وذاك ، مطروح عليها ان تفكر وان تجتهد وتبدع الأساليب والخطط التي من شأنها ان تجعلها مؤهلة لتسيير الجماعات المحلية .

ان انجاز التنمية يقتضي انخراط الجميع ومساهمة كافة الأطراف ، من ادارات مركزية ولا مركزية ، وجهوية ومحلية ، وجماعات مختلفة ، وهيئات مهنية ، ومقاولات ومؤسسات جامعية ومجتمع مدني …يقول جلالة في خطاب ثورة الملك والشعب ، 20 غشت 2019 “واننا نتطلع ان يشكل النموذج التنموي ، في صيغته الجديدة ، قاعدة صلبة ، لانبثاق عقد اجتماعي جديد ، ينخرط فيه الجميع : الدولة ومؤسساتها ، والقوى الحية للأمة ، من قطاع خاص ، وهيئات سياسية ونقابية ، ومنظمات جمعوية ، وعموم المواطنين .

كما نريده ان يكون عماد المرحلة الجديدة ، التي حددنا معالمها في خطاب العرش الأخير ، مرحلة المسؤولية والاقلاع الشامل .”

زمن التسيب والنهب ولى ، زمن الخطب والشعارات الرنانة انتهى …انه زمن جديد وعهد جديد يعترف بالدراسة العلمية الموضوعية والعمل الميداني ، الكفاءة هي العنوان والنزاهة سيدة الميدان ….

ولكي ينطلق قطار التنمية ويتحرك بجميع عجلاته ، نحن في حاجة الى مفهوم جديد للمنتخب ، مفهوم يفرز شخصيات تستوعب المرحلة ، تقطع مع لغة الخشب وتعانق لغة الواقع ؛ مرة ومؤلمة بمشاكلها ، ولكنها جميلة بصراحتها وحقيقتها …فلم يعد مسموحا ان يخلف المغاربة موعدهم مع التاريخ حيث يتطلع الجميع الى افراز مؤسسات منتخبة جديرة باحترام المواطنين ومتجاوبة مع تطلعات العهد الجديد . وقد بلغنا ، كما يقول جلالة الملك في خطاب 20 غشت ” مرحلة لا تقبل التردد أو الأخطاء ، ويجب أن نصل فيها الى الحلول للمشاكل التي تعيق التنمية ببلادنا .”

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى