مستقبل العلاقات الدولية ما بعد أزمة كورونا

بقلم : كَاسة البشير مونبليي

هل انهت جائحة كورونا ميثاق الأمم المتحدة ونظام بروتون وودز ؟ هل أنهت الاتفاقيات الدولية المتعددة الأطراف ؟ وهل وضعت الإصبع على مشكل الزعامة الدولية ؟ أم انها سرعت الحرب ؟
هل أصبحت الجائحة فرصة للاستثمار في المستقبل ؟ ما هو وضع الولايات المتحدة الأمريكية ، واين ستكون بعد الأزمة ؟ وهل ستفتعل حربا Manifactory A War في بحر الصين للدفاع عن مركزها في الزعامة والقيادة ؟
ما مستقبل العلاقات الأمريكية الصينية حول الأولويات الكبرى للاقتصاد الأول في العالم ؟ هل يملك الاتحاد الاوروبي البدائل الممكنة لمشكل البطالة ومشكل الدين العام والسباق على الأدوية والأغذية والتعليم الرقمي والدولة الرقمية وازمة النفط ؟ واين وكيف ستكون بعد الأزمة ؟ هل ستتجه نحو افريقيا لتحل مشكل سلسلة الإمدادات ووحدة تصنيع وتجميع المنتوج في محيط سوسيواقصادي منسجم كبديل عن الصين(نقطة انفجار العولمة ) ؟ أم انها ستنخرط في سلسلة الاتصال الصينية ؟
ما هي فرص العالم الإسلامي للمشاركة والتعاون على تسيير العالم ؟ ما مستقبل العلاقات السياسية والاقتصادية بين دول التعاون الإسلامي والهند (سنة 2050 ستصبح اكبر دولة إسلامية ) ؟ وما هو دورها في رسم مستقبل اسيا والعالم ؟ وما مستقبل الإسلام في اسيا على ضوء التجاذب الأمريكي الصيني ؟ وما مستقبل التجمعات الإقليمية في العالم العربي وسبل دعمها ؟
هل التحول إلى النظام الدولي الجديد واستعمال سلطة القانون والدفاع والأمن لفرض الأنظمة والإجراءات ،سينهي نظامنا الديموقراطي ، ويرضي الناس على حساب مستقبلهم ؟
هل ستطرد الولايات المتحدة الأمريكية من اسيا ، وينكسر المحور الأمريكي الكونفوشيوسي وتنتصر رؤية اسيا للعالم(مدرسة كيوطيو تأسست سنة 1942) ، وتنتهي أسطورة الدولار ،و النفط والسيطرة ،و احتكار العلم والثقافة ؟
طرحت مخرجات ندوة national sience academy سنة 1985 بنيويورك اشكالية الأمن القومي الأمريكي؛ اين ستكون الولايات المتحدة الأمريكية سنة 2020 ،اذ ستواجه تحدين كبيرين ، الأول الصراع على الزعامة مع الصين والثاني مشكل التكنولوجيا وتبعاتها من حقوق الاختراع والعمليات الجديدة والتجارة .
وزير الدفاع الأمريكي السابق باتريك شاناهان خرج بتصريح ،ان للولايات المتحدة الأمريكية ثلاثة تحديات ،الصين ثم الصين ثم الصين.وان أولويات استراتجية الدفاع القومي للولايات المتحدة الأمريكية في العالم أولا الدفاع على مركز الزعامة لكونها الاقتصاد الأول عالميا ،اذ ناتجها الخام الداخلي يقدر ب 19 ترليون دولار سنويا بمعدل دين يقدر ب 110% ، مقابل الصين والتي دخلها الخام الداخلي يقدر 3,5 ترليون بمعدل دين يقدر 177% من دخلها السنوي ، وتدخر ما يفوق ترليون دولار في سندات الدين الأمريكية ، ثم قوة الدولار الذي يشكل أقوى سلاح تفوق قوته التدميرية الطائرات والقنابل ، وكذا كونه عملة الاحتياط العالمية منذ اتفاقية بروتون وودز سنة 1944 ، وامتلاكه ابناكا قوية ومنظمة و قادرة على توفير احتياطات كبيرة من السيولة في الأسواق (توفر سوق العملات 5 ترليون دولار يوميا من السيولة النقدية ) ، إلى جانب امكاناته الهائلة في احتكار المعرفة الرقمية ( محرك غوغل قيمته تقدر 1 ترليون دولار ، ميكروسوفت ، فيسبوك ، ياهو ، يوتوب ، أمازون …) والتحول التاريخي بانصهار البيولوجيا والمعلوماتية بوادي السيلكون( التخزين داخل الخلايا البيولوجية بدل السيلوكون) ، ثم قوتها العسكرية الضاربة وقوة النار التي تمتلكها ، اذ ان جاهزية جيشها في التسعينات كانت له من القوة المالية وذخيرة النار و الهندسة العملياتية ما يجعله يخوض حربين دولتين ونصف على المستوى القاري (أي حربين كبيرتين وأخرى إقليمية في نفس الوقت ).
ان الولايات المتحدة الأمريكية جازمة الاعتقاد ان منظمات الأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي اصبحوا غير قادرين على توفير الظروف الجيوسياسة للدولة المنتصرة في الحرب العالمية الثانية ، وان على دول العالم ان تستلهم من هذه الهامة والمارد الذي اختاره الرب ،حسب تعبير جورج بوش الابن ، كي ينقذ العالم ويحمي الحرية والديموقراطية والقانون .
فالعودة إلى السياسات الحمائية ، وإغلاق الحدود ، ووقف الهجرة لمواجهة الدمار الاقتصادي الذي خلفته جائحة كورونا ، ومشاكل العولمة وخاصة مع بداية سنة 2000(استفادة الصين والهند … من التكنولوجيا الغربية ، والمنافسة على حقوق الملكية ) ،و ايجاد البدائل للبطالة ، والتفكير بجدية في وضائف المستقبل ، يجعل من الولايات المتحدة الأمريكية متمسكة بمفهومها لحقوق الملكية الفكرية داخل المنظمة العالمية للتجارة ، اذ ان احتساب العمليات المتجددة كحقوق فكرية ( حوالي 500 مليون عملية متجددة تطرحها الصين داخل المنظمة العالمية للتجارة ) الآتية من الاختراعات والتي هي قليلة وتخسر الولايات المتحدة الأمريكية عشرات التريليونات سنويا ، وهو ما لا تسمح به ، وان هذا الأشكال دفع الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي الى الاقتناع بان الاتفاقيات المتعددة الأطراف لاتخدم مصالحها الحيوية ، وان كانت المادة الأساسية والدسمة لمفهوم القانون الدولي ، وان هذا المارد الآسيوي غير المالك لقيم الحرية والديموقراطية ،يجعل من التعايش السلمي والعيش المشترك و حقوق الإنسان قيم سالبة ، وان الجماعة الدولية لم تعد قادرة على حماية الأمن الجماعي و الاستقرار الدولي وتصفية النزاعات و الأوبئة و المجاعة ،بل اصبح مصدر ازعاج وعامل فوضى ودمار بيولوجي يهدد الكائنات الحية ، وان احتكاره للمعرفة الرقمية وقوة المال والتجسس العلمي والقرصنة هم مصدر قلق وتهديد للمجتمع الدولي ، وان العولمة وصلت الى نهاياتها المحتومة ، اذ ان الولايات المتحدة الأمريكية تخسر سنويا تريليونات الدولآرات ، والطرف الوحيد المستفيد منها حاليا الدول النامية التي هي بحاجة الى التكنولوجيا ، كالهند والصين …
ان الأولويات التي تريد الولايات المتحدة الأمريكية ان تكون موضوع أي مفاوضات(براءات الاختراع ، الدولار ، النفط ، التكنولوجيا ، أسعار العملة والأسهم ،الانترنت ، …) حول النظام الدولي الجديد ،وخاصة مع الجمهورية الشعبية الصينية ، كل بند منها يشكل دافعا لخوض حرب من اجل الريادة ، فالمسالة مصيرية وحيوية ،فاننا نعيش في عالم مفلس وأمريكا ليست مسؤولة عنه ، والعالم يعيش فوضى مالية واقتصادية وسياسية ستودي إلى انهيار الحضارة والنظام الديموقراطي ،فمن واجبنا الأخلاقي ان نجمع القادة القادرين على صياغة نظام جديد ، وإجبار الصين على الجلوس للتفاوض ، لان سيناريو الاشتباك مرتبط بالخلل في النظامين الدولي والاقتصادي ،الذي سينتج كارثة اقتصادية بانهيار سوق المال والأسهم ، وان عام 2020 عام أزمات سينتهي بصراع دولي حقيقي حول خطر اغراء النفوذ ، وعدم وجود سلطة (عالم فاقد للقيادة)ما عدا الولايات المتحدة الأمريكية التي لها حق حكم العالم.
نحن أمام سلسلة مشاكل ، وازمة النفط جزء من الفوضى العارمة(نجحت الولايات المتحدة في عرقلة اتفاقية دولية حول النفط)،فهذه المادة الاستراتيجية لا تخضع لقانون محدد، بقدر ما هي سلعة استراتيجية وليست سلعة تجارية ،بالتحكم في خيوطها تكون لك قدرة على ضبط إيقاع التوازنات الجيواستراتيجية للاقتصاد الدولي ، فان لم ننقذ العالم فكلنا سنغرق (استقالة 20 رئيس شركة كبرى في امريكا لوحدها ) ، والاتحاد الأوروبي من مصلحته كثاني اقتصاد عالمي ومرتبط بالمؤسسات المالية الأمريكية ان يصطف مع الولايات المتحدة الأمريكية ، لانه لايملك ايجابات لما بعد الأزمة ، مشكل البطالة ، الرقمنة ، البترول ، التهديد الروسي ، الدين العأم ، وكذا توفير السيولة والقروض لإدارة الأزمة ، فكل الدول لجات إلى الاقتراض ، مع العلم ان الغرب اليهودي المسيحي له فائض كبير من الاحتياطات ، (فرنسا لها من المؤهلات ما يمكنها من فرض نفسها على اللاعبين الجدد ، معدل خصوبة الأعلى في أوروبا ، عدد سكان المجال الفرانكوفونية الخاضع ثقافيا لها سيتجاوز 750 مليون نسمة سنة 2050 )،فعلى الأوربيين ان يحتاطوا من مكامن الخطر بالخضوع إلى الابتزازات الصينية (عندما ارادت فرنسا ان تستقدم مليار كمامة من الصين ،اقترحت عليها هذه الأخيرة ان تدخل في نظام الاتصال الصيني ) ، والتمادي مع مشروعها التجاري (طريق الحرير ) ، ففي 2030 ستتغير احجام الاقتصاديات الدولية ، وسننتقل من أسلوب إلى أسلوب عمل اخر ، لان الأزمة هي فرصة كي نتحول إلى عالم اكثر تقدمية بفضل ذكاءنا الجماعي .
على المجموعة الدولية ان تستثمر في المستقبل (الانتقال من مصلحتي أنا إلى مصلحتنا نحن )،لان المعايير الجديدة هي المعرفة والسكان ، والانتاج الرقمي ، وان الأشياء ستصبح ذكية ونحن اكثر ذكاءا ، والنمو السكاني و العقل المنتج للأفكار هو ثروة الأمم . فعدد البشر المواطنين الرقميين digital citizen في الدولة الرقمية سينقلنا إلى مراحل جد متقدمة(العلاقات بين المواطنين الرقميين اكثر ديموقراطية على الإنترنت ) ،كي نتجاوز المخاطر المهددة للنظام الديموقراطي بسبب النزاعات الدولية والعزوف إلى الحماءية الاقتصادية ، وظهور الحركات الشوفينية واتجاه الأموال نحو كل ماهو ممنوع ، من تهريب وفساد ومخدرات ، فليست الصناديق من تقرر في المستقبل بل نحتاج إلى وساىل أخرى٠
غالبية المسلمون هم آسيويون ، والدين الإسلامي اسيوي بامتياز ، وهذه الشعوب حكمت العالم 500 ماءة سنة ، وتوجد في قلب الصراع الدولي ، من حيث عبقريتها الجغرافية ،كمجموعة متصلة ، ولها منافذ بحرية كبيرة ، ومصادر للطاقة جد هائلة ، ونفوذ ديني معتبر(اكبر ديانة عالمية ) ، ومعدل خصوبة من الأعلى عالميا ، فهل من مقدور هذه المجموعة السسيوثقافية المنسجمة ان تكون عامل تعاون دولي على ارساء أسس التعاون والتعايش السلمي ، والاستئثار بنصيب من مركز القوة المتجه إلى الشرق .
فتركيا تحقق معدلات نمو جد مرتفعة ، وتنعم بالاستقرار السياسي ، ففي 2050 سيتجاوز عدد سكانها سكان دولة روسيا الفيدرالية ، كما ان لها مستقبل كبير في سوق التوزيع والطاقة والنسيج والخدمات والأدوية والروبوتيك والرقمنة الصناعية .الى جانب دول إسلامية نامية ،مثل ماليزيا وإندونيسيا وباكستان والهند (في 2050 ستصبح اكبر دولة إسلامية من حيث عدد السكان )، الى جانب دول ساحل النفط (الخليج العربي) كقوة استراتيجية رهيبة ،واحتياطات مالية قوية .1/4 سكان العالم ينتمون الى هذه المجموعة ، التي تعاني من انتظار ولادة المواطن الرقمي ، والتضامن السياسي ، والدخول في مشروع كونفدرالي استراتيجي ضخم يغير من وجه المنطقة والعالم ، والاحتكام الى الديموقراطية ، وتبجيل الحرية والكرامة ، وانهاء الحروب الدائر على اراضينا ، والعمل على استقلال قرارنا ، والإنفاق على البحث العلمي ، ورقمنة المدرسة والإدارة ، واستقطاب الأدمغة ، والاستثمار في الذكاء الاصطناعي ، وتشجيع الترجمة ،والتدريس باللغات المحلية ، فالتنمية هي العلم حين يصبح ثقافة ، فإما ان نقرر الان ما سنكون عليه في المستقبل ، وان العالم لاينتظر احد ، وأننا مجبرون على اختيار المكان الصحيح ، والقرار المناسب ،لاننا بكل بساطة مسؤولون على التحضير للظروف الجيدة للعيش لجيل المستقبل ٠
العالم مقبل على معركة كبرى في اسيا ، ستكون نتاىجها مدمرة على نظام العولمة ، وسلسلة الإمدادات ،وتوزيع البضائع ، وتغير مفهومنا للمنتوج كمفهوم متكامل وغير قابل للتفكيك ،بكل بساطة فهو يشبه الكائن الحي من حيث التركيب ،اذ لايمكن تجزئته و تصنيعه وإعادة تركيبه .
فالدول ستدخل في تجمعات منعزلة ، وهذه المسالة ستضر بالصين أولا ، ثم الدول النامية ، نظرا لما تملكه دول الغرب من امكانات مالية واقتصادية وتكنولوجية هائلة ، وقادرة على تاسيس مجموعات اقتصادية و جيوسياسية جديدة ، والهيمنة المستمرة على مصادر الطاقة( دعوة ترمب دول الخليج الى حل خلافاتها البينية والاهتمام بحل مشاكلها مابعد أزمة كورونا ).
كل هذه العوامل ساهمت في تاجيج المواقف والتي ابتدأت منذ بداية 2019 ،والملاسنة بين امريكا والصين ،واتهام هذه الأخيرة بتضليل المنظمة العالمية للصحة(الموقف الأمريكي من المنظمة العالمية للصحة والأونروا و مجلس حقوق الإنسان ) ، وعدم التصريح بالأرقام الصحيحة لهلكى كورونا ، وتورطها في نشر الوباء عالميا .وهي كلها أسباب توفر ظروفا لمواجهة عسكرية (سيناريو الاشتباك) في بحر الصين (اتهام اليابان والتايوان بانحياز المنظمة العالمية للصحة للصين ) ،ترغم الطرفين على الجلوس للمفاوضات من اجل التفاهم على نظام دولي جديد متعدد ، تكون فيه الصين احد القوى الرائدة ، وتحافظ امريكا على زعامتها ، وتجزر القوى الشريرة الراغبة في طردها من اسيا.
23/04/2020

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى