رسائل تحت الماء في صيف الحسيمة

  1. حول العفو الملكي ليوم أمس:

لم أستطع تقبل السخرية من خطوة العفو الملكي عن مزارعي القنب الهندي، فأنا أنتمي وجدانياً إلى جغرافيا منطقة عرفت تاريخياً بزراعة هذه النبتة. لقد عشت وتتبعت المعاناة التي مر بها المزارعون الملاحقون من قبل السلطات، وكيف تم استغلال أوضاعهم الهشة من قبل بعض الأحزاب. للأسف الشديد، تأتي اليوم أصوات بعيدة عن الواقع الاجتماعي للمغرب العميق لتقلل من شأن هذه الخطوة، وكأن العفو الملكي عن مزارعي الكيف ليس حدثاً مهماً، وكأنهم ليسوا فئة تستحق الفرح؛ كأنهم أقل قيمة… وكأن العفو عنهم يعتبر سبة.

العفو الملكي ليوم أمس هو حدث مهم نتمنى أن يشكل مدخلاً رئيسياً لمصالحة شاملة مع مناطق زراعة القنب الهندي التي عانت لعقود من غياب فرص التنمية. كما نأمل أن يكون هذا العفو دافعاً للإعلان عن برامج متكاملة لجبر الضرر الجماعي، مع إعادة النظر في مقاربات واستراتيجيات الوكالة الوطنية لتقنين القنب الهندي.

وأخشى أن يتحول هؤلاء المنتقدون إلى “خبراء” في الوكالة الوطنية لتقنين وتثمين القنب الهندي، بحجة أنهم يتقنون لغة المراوغة. الأهم هو أن العفو الملكي ليوم أمس عن الآلاف من المدانين والملاحقين في قضايا متعلقة بزراعة القنب الهندي سيظل قراراً صائباً وعادلاً. فهو يرفع الحرج عن سكان المنطقة ويعترف بحقهم في التنمية والاستفادة مما تنتجه أرضهم، مع ضمان مشاركتهم الحقيقية في بلورة المشاريع والبرامج المتعلقة بالوكالة الوطنية لتقنين القنب الهندي.

  1. رغم ذلك سأبقى متفائلاً:

من الوهم الاعتقاد بأن العفو الملكي يأتي من دون تأسيس على إرادة مشتركة ووضوح تام حول مجموعة من المواقف والقضايا. فالعفو عن ناصر الزفزافي ورفاقه يختلف تماماً عن العفو عن الصحفيين ومعتقلي الرأي. إعادة ترتيب ملف الريف خارج نطاق النخب التقليدية تندرج ضمن ترتيبات المرحلة المقبلة. أي تأخير في الأشهر الأربعة المقبلة يعني معالجة الملف وفقاً لنسبة التقدم في المفاوضات مع كل فئة على حدة، سواء كانت داخل أو خارج الوطن.

أحد مرتكزات هذه الترتيبات هو التخلي عن نخب “تامغرابيت” والعدالة الانتقالية وجيل 20 فبراير، والاتجاه نحو نخب الديناميات الاجتماعية الجديدة التي اعتمدت على المجال والجهوي والمحلي كحقل للصراع. ولكن، التشاؤم يكمن في أن بعض الأطراف، سواء من الداخل أو الخارج، تسعى لتدبير الملف وفقاً لحساباتها الخاصة، مما يؤدي إلى ضياع الحقيقة وتلاشي معالم الفهم.

ورغم ذلك، سأظل متفائلاً لأن تنفيذ مخرجات “النموذج التنموي الجديد” مرتبط بشكل كبير بشباب ونساء حراك الريف. من يعتقد عكس ذلك فهو واهم. وأخيراً، فإن البلد الذي لا يعرف كيف يتصالح مع نفسه، لا يعرف أيضاً الطريق نحو المستقبل. المصالحات الوطنية كانت دائماً بمثابة توقيع عقد مع غد ديمقراطي أفضل.

تصبحون على وطن.

عادل راشدي
الحسيمة، 20 غشت 2024

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى