معالم الذكرى 250 للعلاقات المغربية-الأمريكية: من الشراكة التاريخية إلى دور مركزي في التوازنات الدولية

جيل24
تُعدّ العلاقات المغربية-الأمريكية، التي تمتد لأكثر من قرنين ونصف، واحدة من أقدم الشراكات الدبلوماسية في تاريخ الولايات المتحدة، حيث بدأت في 20 ديسمبر 1777 عندما أصبح المغرب، بقيادة السلطان محمد بن عبد الله، أول دولة تعترف باستقلال أمريكا الناشئة. وفي عام 1787، عززت معاهدة السلام والصداقة، التي وقّعت في مراكش وصادق عليها الكونغرس الأمريكي، هذه العلاقة لتصبح أطول معاهدة دبلوماسية مستمرة في تاريخ الولايات المتحدة.
كما قدم المغرب في عام 1821 مبنى المفوضية الأمريكية في طنجة كهدية، وهو أول ملكية دبلوماسية أمريكية خارجية، ليبقى رمزًا حيًا للصداقة بين البلدين.
وخلال الحرب الأهلية الأمريكية بين 1861 و1865، أظهر المغرب دعمه للاتحاد برفضه استقبال سفن الكونفدرالية في موانئه، مما عزز الثقة المتبادلة.
في الحاضر، تطورت هذه الشراكة التاريخية إلى تعاون استراتيجي شامل، حيث أصبح المغرب الدولة الأفريقية الوحيدة المرتبطة باتفاقية تجارة حرة مع الولايات المتحدة منذ 2006، مما ساهم في تعزيز التبادل التجاري وجذب الاستثمارات.
كما يُعتبر المغرب حليفًا رئيسيًا خارج الناتو، يشارك الولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب وتعزيز الاستقرار في شمال أفريقيا والساحل من خلال تدريبات عسكرية مشتركة مثل “الأسد الأفريقي”. وفي ديسمبر 2020، عززت الولايات المتحدة هذا التحالف بالاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، وهي خطوة تعكس عمق الشراكة.
وفي مارس 2025، قدم النائبان جو ويلسون وبرادلي شنايدر مشروع قرار (H.Res.251) للاحتفال بالذكرى الـ250 للعلاقات، مشيدين بدور المغرب في تعزيز التعايش الديني وحماية التراث اليهودي.
بين الماضي والحاضر، بدأت هذه العلاقة في سياق جيوسياسي معقد بالقرن الثامن عشر، حيث كان المغرب نقطة تقاطع تجاري ودبلوماسي، لتتطور اليوم إلى شراكة حديثة تشمل الاقتصاد الرقمي، الطاقة المتجددة، والتعاون في مواجهة التحديات العالمية مثل التغير المناخي.
ومع اقتراب الذكرى الـ250 في 2027، تظل هذه العلاقة نموذجًا للتعاون المستدام، تجمع بين جذور تاريخية عميقة وقيم مشتركة للسلام والازدهار، مما يجعلها ليست مجرد احتفال رمزي، بل فرصة لتعزيز التحالف في مواجهة التحولات الجيوسياسية المعاصرة.
إن قرار الكونغرس الأمريكي (H.Res.251)، الذي قُدم في مارس 2025 من قبل النائبين جو ويلسون وبرادلي شنايدر للاحتفاء بالذكرى الـ250 للعلاقات المغربية-الأمريكية، يحمل أبعادًا تاريخية واستراتيجية تستحق القراءة المتأنية. هذا القرار، الذي يُخطط للاحتفال الرسمي في الأول من ديسمبر 2027، يعكس ليس فقط عمق الشراكة بين البلدين، بل أيضًا السياق الجيوسياسي المعاصر الذي يبرز فيه المغرب كحليف محوري لواشنطن.
السياق التاريخي
القرار يرتكز على حدثين بارزين: أولاً، اعتراف المغرب باستقلال الولايات المتحدة في 20 ديسمبر 1777، بقرار من السلطان محمد بن عبد الله، مما جعله أول دولة تتخذ هذه الخطوة، وثانيًا، توقيع معاهدة السلام والصداقة في 1787، التي تُعد أطول معاهدة دبلوماسية مستمرة في تاريخ أمريكا. هذه الجذور التاريخية ليست مجرد رمزية، بل أسست لعلاقة استثنائية تجاوزت التحديات الزمنية، كما يتجلى في هدايا دبلوماسية مثل مبنى المفوضية الأمريكية في طنجة (1821) ودعم المغرب للاتحاد خلال الحرب الأهلية الأمريكية.
البعد الاستراتيجي
في الحاضر، يأتي القرار ليعزز التحالف في وقت تشهد فيه المنطقة تحولات جيوسياسية كبرى. المغرب، كحليف رئيسي خارج الناتو، يلعب دورًا حاسمًا في استقرار شمال أفريقيا والساحل، وهو ما يتجلى في التعاون الأمني مثل مناورات “الأسد الأفريقي”، والدعم الأمريكي لسيادته على الصحراء الغربية (2020). القرار يشير أيضًا إلى الشراكة الاقتصادية، مع اتفاقية التجارة الحرة الوحيدة بين الولايات المتحدة ودولة أفريقية، مما يعكس مصلحة واشنطن في تعزيز الاستثمارات ومواجهة النفوذ الصيني أو الروسي في المنطقة.
الدلالات السياسية
تقديم القرار من قبل نائبين من الحزبين (جمهوري وديمقراطي) يظهر توافقًا نادرًا في الكونغرس، مما يعزز فكرة أن دعم المغرب يتجاوز الانقسامات الحزبية. كما أن إشادة القرار بدور المغرب في التعايش الديني وحماية التراث اليهودي تحمل رسالة موجهة للداخل الأمريكي وللشركاء الدوليين، تؤكد على قيم مشتركة مثل التعددية والاستقرار. ومع دعوة جو ويلسون السابقة لتصنيف جبهة البوليساريو كمنظمة إرهابية، يمكن قراءة القرار كتأكيد ضمني للموقف الأمريكي الداعم للمغرب في قضية الصحراء.
التوقيت والرمزية
اختيار عام 2025 لتقديم القرار، قبل الاحتفال الرسمي بسنتين، يشير إلى رغبة في إعداد أرضية دبلوماسية وسياسية لتعزيز الشراكة. في سياق عالمي مضطرب، يبدو أن الولايات المتحدة تسعى لتثبيت تحالفاتها مع دول مستقرة مثل المغرب، خاصة في منطقة البحر المتوسط والأطلسي، حيث تتقاطع مصالح أمنية واقتصادية كبرى.
الخلاصة
قرار الكونغرس ليس احتفاءً تاريخيًا فحسب، بل خطوة استراتيجية تعكس رؤية أمريكية طويلة الأمد للشراكة مع المغرب. يُبرز المغرب كشريك لا غنى عنه في مواجهة التحديات الإقليمية والعالمية، ويرسخ مكانته كحلقة وصل بين أفريقيا والغرب. بالنسبة للمغرب، هذا القرار يمثل فرصة لتعزيز موقعه الدبلوماسي والاقتصادي، مستفيدًا من هذا الاعتراف لتحقيق مكاسب ملموسة في المستقبل.