الشاي… ثقافة مشتركة بين المغرب والصين بدأت في الصويرة

عبد الرحيم باريج

“كان المغرب ثاني بلد في إفريقيا،بعد مصر،يعترف بجمهورية الصين الشعبية،في الوقت الذي كانت فيه الصين منبوذة من قبل الدول الغربية،ومقصية من مقعدها في مجلس الأمن لفائدة جزيرة تايوان.بعد أن نال المغرب استقلاله عن فرنسا عام 1956 بأشهر قليلة،زار وفد من الجمعية التأسيسية المغربية الصين في 29 أبريل 1957 واستقبلها زعيمها ماو تسي تونغ ورئيس مجلس الدولة (رئيس الوزراء) شو ان لاي.وتلا ذلك قيام البلدين بإبرام أول اتفاق تجاري بينهما في 13 أكتوبر 1957،ثم لاحقا في 1 نوفمبر 1958 أقيمت العلاقات الدبلوماسية على مستوى السفراء.وأقيمت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في فترة تاريخية حرجة،كانت خلالها الأيدلوجيا هي التي تحرك علاقات الدول فيما بينها،فقد وجد المغرب،الذي خرج لتوه من الاستعمار،نفسه مطالبا ببناء دبلوماسيته وإقامة شبكة علاقاته الخارجية بعيدا عن فرنسا. وكان لملك المغرب محمد الخامس رؤية خاصة تتمثل في إقامة علاقات متميزة مع الجميع بمعزل عن الخلافات الإيديولوجية،والنأي عن التدخل في السياسة الداخلية للبلدان،مع الحرص على مساندة قضاياها المشروعة،فلم يكن يرى في الصين الخطر الأصفر كما كان يصورها الغرب ووسائل إعلامه”.

وفي إطار الاهتمام بتطوير العلاقات بين المملكة المغربية والصين الشعبية،قام جلالة الملك محمد السادس بزيارة للصين في الفترة ما بين 4 و9 فبراير 2002،وتعتبر ثاني زيارة رسمية له لهذا البلد بعد زيارته الأولى في عام 1991 عندما كان وليا للعهد،حيث كانت زيارات جلالته للصين تساهم في توطيد هذه العلاقات.ومما يشكل دعما قويا للقضية الوطنية،أن هذا البلد الآسيوي لا يعترف بالجبهة الوهمية لعصابة “البوليساريو” التي خلقتها الجزائر لزعزعة استقرار المغرب وما استطاعت ولن تستطيع.

وعلى العموم،فالبعض يرى أن اهتمام التنين الصيني بإفريقيا يخفي رغبة جامحة في البحث والاستحواذ على مصادر الطاقة والسلع الأساسية المتواجدة بالقارة السمراء،لاسيما النفط والمواد الأوليّة،لكن من جهة أخرى،هناك من يرى بأن هذه الدولة الأسيوية العظمى تريد أن تقدم نفسها لأفريقيا “كبديل” لسياساتها المحلية التقليدية ولعلاقاتها الخارجية ولممارساتها الاقتصادية والاجتماعية”،وبالتالي فرض نفسها كنموذج لعولمة جديدة قادمة من آسيا. وقبل هذا أو ذاك،”علاقات الصداقة والتعاون التي غذتها السنون،رغم بعد البلدين الجغرافي حيث يفصل بينهما أزيد من 11 ألف كلم كما لم تشبها شائبة أو تعترضها مشاكل أو صعوبات”.

وفي إطار تعزيز العلاقات والشراكة مع المغرب من أجل المساهمة في تحقيق تقدم الشعبين الصيني والمغربي.

والعلاقات بين المغرب والصين تتميز بالوفاء السياسي والثقافي ،ووصلت منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بينهما قبل 50 عاما،إلى مرحلة جديدة من النمو الشامل.وازدادت بذلك الزيارات الثنائية رفيعة المستوى بشكل كبير منذ أن تبادل قادة البلدين الزيارات في عامي 2001 و2006،وهو ما أدى إلى علاقات سياسية أوثق بين الجانبين.والصين تعرف جيدا بأن المغرب تمسك دائما بسياسة صين واحدة ورفض إجراء أي اتصال رسمي مع سلطات تايوان.زيادة على أن المغرب والصين شهدا تنسيقا ودعما متبادلا في الشؤون الدولي،وتم إطلاق آلية التشاور السياسية بين وزارتي خارجية البلدين والتي تعمل بشكل جيد حاليا.

والبلدين يشهدان تعاونا مثمرا في مجالات الرعاية الصحية ووسائل الإعلام والثقافة والتعليم.والتعاون التجاري جزء مهم في العلاقات الثنائية.

وتضاعفت الواردات الغذائية الصينية 7 مرات خلال العشرة أعوام الأخيرة،وبإمكان دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا المنتجة للمواد الغذائية تلبية هذا الطلب.ونظرا للدفع الذي توفره الحاجة الصينية الملحة للأمن الغذائي طويل المدى،فإن الصين قد تواصل رفع مستوى استثماراتها الأجنبية في قطاع الزراعة،ويمكنها أن تستثمر المغرب.وفي مجال الكيماويات الزراعية يمكن للمغرب كذلك أن يوفر فرص جيدة للصين،حيث يستحوذ المغرب على 77 بالمائة من الإحتياطي العالمي للفوسفاط الذي يعد احد المواد الكيميائية التي لا يمكن الاستغناء عنها في مجال الزراعة،وإلى جانب زيادة الصين لوارداتها في هذا المجال يمكنها أيضا الاستثمار في المغرب والحصول على أكبر أرباح سلسلة القيمة.

لقد أصبحت الصين،رغم بعدها الجغرافي،أكثر قربا للمغرب بالنسبة للتجار ورجال الأعمال حيث يزورها سنويا أكثر من 11 ألف مغربي للتجارة وشراء البضائع،وإن كانت أبرز المؤاخذات عليهم غياب أية محاولات من جانبهم لاستكشاف فرص الولوج إلى السوق الصيني،خصوصا في قطاعات زراعية أو تصنيعية يمكن أن تحدث اختراقا هاما في هذا السوق البالغ الأهمية،في مقابل سعي دائم ودؤوب بصبر وجلد وإصرار يقوم به الصينيون للترويج لمنتجاتهم بالمغرب.وصحيح أننا نتوفر على شراكة تجارية مهمة،لكنها تحتاج إلى توسيع وديناميكية.وعلى صعيد آخر،يمتد التعاون بين البلدين إلى مجالات أخرى مثل الثقافة والصحة والتعليم،فقد أرسلت الصين منذ عام 1975 ما مجموعه 111 دفعة من القوافل الطبية إلى المغرب للعمل في قرى ومناطق قروية ونائية شملت 1175 عاملا طبيا بمعدل عشرة أطباء لكل دفعة.

وفي نفس السياق،سبق وعرفت مدينة الصويرة فعاليات معرض تراثي تحت عنوان “الشاي ثقافة مشتركة بين المغرب والصين” احتفة خلاله بمنتج الشاي الأخضر الصيني المشروب الرئيسي لسكان المغرب،الذي أصبح على مر الأعوام عنوانا لكرم الضيافة.

وأقيم هذا المعرض خلال الفترة من 25 نونبر حتى 15 يوليوز 2014،بمتحف “سيدي محمد بن عبد الله” بهذه المدينة المطلة على المحيط الأطلسي،وأبرز أهمية شرب الشاي الأخضر الصيني والطقوس المواكبة له بالنسبة للمغاربة منذ اكتشافهم لهذا المشروب خلال القرن الثامن عشر انطلاقا من مرفأ المدينة.وحسب بيان لوزارة الثقافة المغربية حينها،فإن المعرض مناسبة لاكتشاف كل أوجه الثقافة التي نسجت حول الشاي وتتبع تاريخ هذه النبتة،عبر محطاتها التجارية التي حملتها من الشرق الأقصى إلى المغرب الأقصى ومنها إلى بلاد السودان الغربي.وأضاف البيان أنه قبل أن يتحول الشاي الأخضر إلى مشروب شعبي بالمغرب،كان في البداية ولمدة كبيرة شرابا نخبويا حكرا على طبقة الأعيان و فئات الميسورين،وبدأ بعد ذلك الاهتمام بتحضير وتذوق الشاي الأخضر،ليصبح فيما بعد رمزا للضيافة في المغرب وعنوانا لحسن وكرم الاستقبال.واشتمل المعرض على فقرات وموضوعات تتحدث عن بداية اكتشاف نبتة الشاي منذ فجر التاريخ مرورا بتصنيعه ورحلته من بلاد الصين نحو العالم،مسلطا الضوء على التقاطعات الثقافية والفنية في طقوس تذوق الشاي في كل من المملكة المغربية وجمهورية الصين الشعبية.

يذكر أن المغرب يعد أول مستورد للشاي الأخضر الصيني بقيمة واردات سنويا تبلغ 120 مليون دولار حسب الإحصائيات الرسمية لسنة 2012.

ولاحظت “المنعطف” من خلال اللقاءات الكثيرة التي جمعتها طيلة أعوام مع الصينيين خاصة ممن عملوا أو تطوعوا أو زاروا الجهة الشرقية،أولا جرأة الصينيين في التعامل مع المشاكل، والحديث عن الفساد،ثانيا،تواضع الصينيين،فهم لا يتحدثون بتفاخر عن إنجازاتهم. والصين حققت وحدتها الوطنية عام 1949.ومثل الدول العربية،دخلت في مرحلة من التقلبات السياسية،وبدأت في الخمسينيات تتفتح مثل الوردة،وانشقت عن المعسكر الشيوعي،وقامت الحرب الصينية الهندية،وأخيرا الانتفاضة الصينية التي سميت بالثورة الثقافية في نهاية الستينيات.وقد أخذت الصين حذرها من تلك الانتفاضة وتعلمت الدرس.واعتبارا من عام 1978 بدأت مسيرة جديدة من التقدم وكان شعارها الأول التحديثات الأربعة وكان لدى الصينيين والقيادة الصينية القدرة على رفع أفكار ما كان أحد يعتقد أن دولة يقودها الحزب الشيوعي تستطيع ذلك.ولكن القيادة الصينية تحلت بالشجاعة وتحلت بالكفاءة، وكانت لديهم الآليات لمكافحة الفساد.

لقد استطاعت الصين منذ بدء عملية الإصلاح والانفتاح أن تلعب دورا بناء متزايد الأهمية في تسوية القضايا الدولية والإقليمية الساخنة ومعالجة التحديات الكونية والحفاظ علي السلام العالمي،وبوصفها عضوا دائما في مجلس الأمن الدولي تلتزم بمقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة وتسعى إلى تسوية النزاعات الدولية سلميا من خلال الحوار والمفاوضات،وشاركت مشاركة واسعة في التعاون الدولي في مختلف المجالات،كما تدعم الصين إصلاح الأمم المتحدة ومجلس الأمن،وتعمل من أجل تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية ودفع إصلاح النظام المالي الدولي،وتتعاون بشكل وثيق مع الدول الأخرى لمواجهة تحديات تغير المناخ وأمن الطاقة وانتشار أسلحة الدمار الشامل وغيرها من التحديات العالمية.

المصدر: جريدة المنعطف

الشاي… ثقافة مشتركة بين المغرب والصين بدأت في الصويرة插图

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى