راقصات الجمهورية

بقلم كاسة البشير – مونبليي

في سنة 1965 انقلب جيش الحدود بقيادة الهواري بومدين على القيادة السياسية للثورة الجزائرية ، اذ انقضوا على مقررات مؤتمر الصومام التي اعطت الاسبقية للسياسي على العسكري و مناضلوا الداخل على مناضلي الخارج ، والانقلاب على ميثاق خارطة الحدود الوهمية والممنوحة من طرف المحتل ، وبالتالي التخلص من الالتزام بإعادة الأراضي المقتطعة من طرف المستعمر انتقاما من المملكة المغربية والجمهورية التونسية
لمساندتهما الثورة الجزائرية ، ومصادرة الاستقلال ،حسب تعبير رئيس الحكومة المؤقتة فرحات عباس ، ثم ايداع الرئيس الشرعي للدولة الإقامة الجبرية ، و تصفية احمد الخيضر باسبانيا ، ولجوء الحسين ايت احمد الى سويسرى و محمد بوضياف الى المغرب الى حين اغتياله بالجزائر ( القياد السياسية الخماسية التي كانت تفاوض فرنسا على الاستقلال)، الى جانب اغتيال هامات سياسية وفكرية أمثال عبان رمضان بالمغرب ،وإبعاد مفدي زكريا الى تونس ( انظر الرسالة التي وجهها مفدي زكريا الى احمد بن بلة قبل الانقلاب عليه بشهر واحد سنة 1965 )
ان كل الحركات المناهضة للاستعمار في افريقيا قد تولت مقاليد الحكم في بلدانها بعد جلاء المحتل ، ما عدا كينيا والمغرب حيث اصطفت هذه القوى المنبثق عن الحرب التحريرية في المعارضة .
ان هذه النشاة المشوهة لبناء الدولة الجزائرية الجديدة من طرف الجيش تفسر الانتكاسات الاقتصادية والتخبط السياسي والتعثر الاستراتيجي للجمهورية الوليدة ، ويعكس الصورة الحقيقية للنخبة السياسية التي توالت حكم البلد والتي لا تملك في رصيدها التكويني سوى شهادات ميلادها . ثم التقاطع الضمني مع دور المستعمر في تغيير الأدوار بوأد القيادة السياسية (اختطاف طاءرة القيادة الخماسية المتجهة من المغرب الى تونس )، وطغيان القيادة العسكرية ،اذ انها تجاوزت جبهة التحرير وقزمتها ، وهي المرحلة التي اطلق عليها الهواري بومدين سنة 1965 التصحيح الثوري .
فكيف لهذه الدولة الوليدة ان تتنصل من التزاماتها السياسية مع جيرانها لتصفية التركة الاستعمارية ( وعود فرحات عباس بالتفاهم مع دول الجوار بعد الجلاء )؟ وكيف لها ان تدخل في حروب اقليمية (حرب الرمال ، حرب امكالا ، المنازعات الحدودية مع تونس و الحرب مع موريتانيا من 1975 الى 1979 وفرض الهواري بومدين على المختار ولد داده الاندماج الفدرالي مع الجزائر )؟
وكيف لها ان تختار الانحياز للمعسكر الشرقي بدون حساب التكلفة السياسية والارهاصات الجيوبوليتيكية لهذا التوجه المعادي للمحيط الاقليمي للدولة ، ( هناك دول تبنت توجها اشتراكيا مرنا وغير عدائي لمحيطها ، وهو اكثر اجتماعى وتضامني ) ؟
وكيف لها ان تتغاضى على هشاشتها الداخلية وتوجيه آلاتها العسكرية الى المواجهة مع الخارج ؟
ان أزمة الشرعية والمشروعية ، والتصادم بين مجموعة تلمسان بقيادة بن بلة و مجموعة القبائل بقيادة عبد الكريم بلقاسم ومحمد بوضياف ،و جيش الحدود بقيادة الهواري بومدين كان اصل محنة الجزائر ، وسر مرضها( كانت مقررات مؤتمر الصومام ، و ء مجموعة بن بلة ، بوضياف… ء مجموعة عبد الكريم بلقاسم ، بنطوبال ، عبد الحفيظ بوصوف ء مؤتمر طنجة 1958 الذي مهد للاندماج للاندماج الفدرالي للمغرب الكريم ، المرجعية السياسية للعقل السياسي الجزائري الحديث ،) فقائد الولاية الرابعة سليمان دهيليس وقائد المنطقة الثالثة امحند اولحاج بمنطقة القبائل في حوار صحفي اوضحا ان الجزائر لن تكون سوى بإرساء الديموقراطية والعدالة والحرية ، وان الثوار لن يتجردوا من بدلهم العسكرية ولن يسلموا أسلحتهم دون ذلك .
نقدر ان الانقلاب الأول بإبعاد فرحات عباس ، والانقلاب الثاني على الرئيس احمد بن بلة في 19 جوان 1965 ، واغتيال خنقا موقع اتفاقية إيفيان ، شهادة استقلال الجزائر، عبد الكريم بلقاسم سنة 1970 بألمانيا ، والتنصل من الالتزامات السياسية لميثاق اعادة الأراضي ، والتخلص من فرحات عباس وعبان رمضان والعقيد شعباني ، وسرقته جثتي اعميروش والسي الحواس وإيداعها باقبية الثكنات العسكرية (اعادة دفنهم بمقبرة الشهداء العالية مع مجيء الشاذلي بن جديد لحكم الجزائر ) … أدت الى حرب أهلية داخلية طاحنة اودت بحياة لأكثر من 200 الف قتيل ، وعشرات آلاف من المفقودين …وتدمير الاقتصاد والاجتماع السياسي للدولة.
ان ربط الهوية السياسية الحديثة للجزائر مع الهواري بومدين الذي وصفه فرانز فانون Fرانز فانون بالمحتل عقليا ، إهانة لثورة نوفمبر والشهداء ، ومقررات موتمر الصومام …
و يبقى التاريخ كمنهجية فكرية وسياسية للتطلع الى المستقبل إذا استحضرنا اهم المحطات السياسية الكبرى للعقل السياسي الحديث للجمهورية الجزائرية ، تحالف الهواري بومدين الهواري بومدين مع ضباط جيش فرنسا ضد رجالات الثورة التحريرية ،والانقلاب على اول رئيس للجمهورية احمد بن بلة ضاربا بعرض الحائط للشرعية الثورية وسارقا للثورة الوليدة والتي لم يكن له فيها سوى نصف مجاهد ، ومشوها للولادة الطبيعية للجمهورية الجزائرية الحديثة ، تحت يافطة التحديث الثوري ، أما المسالة الثانية والتي قصمت ظهر الجمهورية تبنيه لتوجه ايديلوجي مناف للطبيعة السياسية والثقافية والجغرافية للبلد ، بتبنيه لفلسفة الحزب الواحد ، فهو مرة تقدمي شيوعي اشتراكي ، وأخرى عروبي إسلامي ، ثم تهييجه لمنطقة القبائل وممارسة الضغط المنهجي والاستلاب الفكري والتهميش السياسي والتضييق على رجالاتها وخنقها سياسيا واستعمالها بعبع التفكك الداخلي ولمز قياداتها بالنزعة الانفصالية ومنهم الحسين ايت احمد وبوضياف … أما خارجيا فان افتعاله للقلاقل السياسية على حود جغرافيته السياسية باختلاق ما يسمى بالجمهورية الوهمية الصحراوية ، الاعتداء ات المتكررة على الجمهورية الموريتانية وفرض الاندماج الفيديرالي على الطايع ولد دادا ، والتحرش العسكري عليها باستعمال مرتزقة البوليزاريو ، والاعتدا ء ات على أراضي الجمهورية التونسية . و في إطار العلاقات العربية الجزائرية فان تحالفه مع الملالي الإيرانية والحمير الكردية لتأسيس كيان كردي بالعراق كانت رقصة الموت الأخيرة لهذا المختل عقليا كما وصفه فرانز فانون .
استمرت الجمهورية بعده مع الشاذلي بن جديد ورجع من رجع ومن بينهم رئيس أركانه السابق العقيد الزبيري ،واستمر الضباط الغير الشرعيون في التآمر على الوطنيين ، ميلود حمروش ، العربي بالخير ، قاصدي مرباح ، وآلذين أداروا عملية الانتقال السياسي ومحاولة تجنيب الجزائر الولادة القصرية المشوهة الثانية ، الا ان اقالة الشاذلي بن جديد وتعيين احمد اغزالي رئيسا للحكومة ادخل الدولة الجزائرية في حرب أهلية اودت 250 الف قتيل ، و 18 الف مبعد الى معتقلات الصحراء ، و20 الف مفقود . و رقص ضباط فرنسا مرة أخرى ضامنين ولاء الجمهورية وخنوع الشعب كما كان في البدء مع الهواري بومدين وعلي كافي .
ان اجترار التجربة مع بوتفليقة و خالد نزار وتوفيق مدين ادخل البلد في فترة نكوص سياسي وركوض اقتصادي لم تعرف له الجزائر مثيل ، لولا قيامة الحراك ، كاول حركة سلمية جماهيرية ، تسري بشكل انسيابي ، اذ ارجعت الجمهورية الى السؤال الأول ، الشرعية والمشروعية أساس الحكم ، والدولة المدنية و العدالة والديموقراطية الدين الرسولي آلجديد للجمهورية ، لاتطعه واسجد واقترب .
فالحراك السلمي ارجع مقررات مؤتمر طنجة ، ومؤتمر الصومام ،ومؤتمر مدريد ، واتفاقية إيفران … كأرضية سياسية لمشروع دمقرطة المغرب الكبير ، وبناء الدولة القطرية على أساس الشرعية والمشروعية و تبني مشروع اندماجي تكاملي لدول المغرب الكبير .
23/05/2021

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى