مقاربة بنيوية لكتاب ” الإعلام في زمن اللايقين”

سعيد بنيس ( استاذ باحث في علم الاجتماع)

في هذه القراءة للإصدار الجديد للصحفي والكاتب جمال المحافظ المعنون ب” الإعلام في زمن اللايقين” تساءلنا في البدء الصيغة التي أتى عليها عنوان هذا  الكتاب. وكيف يمكن فهم اختيار صيغة المفرد في لفظة “اللايقين” في مقابل صيغة الجمع “اللايقينيات”؟.  

كما أن معنى اليقين سواء في صيغة المفرد أو الجمع، يحتوي عناصر التأكد والتحديد والوضوح في مقابل اللايقين أو اللايقينيات الذي من نتائجه عدم التحديد  و عدم التأكد  و الريبة  و الشك، كما وصفه بالإنجليزية هايزنبارك يقابله مبدأ   « Uncertainty   Principle  » اللايقين.    

في المقابل، تحتضن عبارة اليقين واليقينيات أو اللايقين واللايقينات متلازمة زمنية أساسها ثنائية الحاضر والمستقبل، حيث إنه لا يمكن ضبط مآلات المستقبل إلا إذا تمت معرفة الحاضر بدقة . 

فالقدرة على معرفة الحاضر شرط أساسي لبناء اليقين أو اللايقين أي بمعنى التنبؤ بمآلات المستقبل : ففي المسافة الكامنة بين  الحاضر والمستقبل  تتجذر وتنمو تمظهرات اليقين أو اللايقين.

لكن اختيار الكاتب جمال المحافظ استعمال صيغة المفرد في عنوان كتابه “الإعلام في زمن اللايقين” أو مقابلتها صيغة الجمع له تداعياته المنهجية والنظرية. 

 فاللايقين في صيغة المفرد يحيل على ما هو اجتماعي Social ، وبالتالي على ما هو بنيوي وقار  أما صيغة الجمع من خلال لفظ اللايقينيات فتلتصق بما هو مجتمعي Societal  وتباعا بما يندرج في الدينامية والمتحرك.  

لهذا يبدو أن المقاربة التي أثثت مضامين الكتاب هي مقاربة بنيوية للإعلام في زمن اللايقين. ركزت هذه المقاربة على عدة جوانب منها لا للحصر ما هو سياسي و ما هو مؤسساتي وما هو ثقافي وما هو تاريخي وما هو جيوستراتيجي وما يحيل على الثورة الرقمية . 

وهذه المقاربة تخترقها عدة حقول دلالية من قبيل تسليع  الصحافة وتداعيات المواطنة الافتراضية وتضخم الخطابات حول الصناعة الثقافية وترددات الذاكرة الصحافية وإعادة أنسنة الصحافة وتصويب التنوع الثقافي والتعدد اللغوي في الحقل الإعلامي والتربية على الإعلام وضبط رهانات إعلام مغربي محترف وقوي يعيد التوهج لمواضيع النقاش العمومي.

كل هذه الحقول الدلالية المذكورة أعلاه يعتبرها الكاتب جمال المحافظ مؤشرات وعناوين وإشارات وتنبيهات بالمعنى الصحفي، لأفول زمن اليقين وبداية زمن اللايقين  في الإعلام.  ويظل التوجس الأساسي نابع من عالم رقمي أفضى إلى صحافة تطوعية ديجيتالية وإلى مواطن افتراضي صحفي، مما تمخض عنه عهد ما بعد الحقيقة أو الحقيقة الزائفة بحسب رالف كايز  أو  عهد سائل متدفق لا يمكن التحكم من خلاله في المعلومات والأخبار بحسب زيكموند باومان.

هل في هذا السياق الجديد الذي تعرض له الكاتب، ستشكل هذه الخاصيات السالفة الذكر العناصر والمكونات المحورية لزمن اللايقين ، عناصر تمتح وتلبس لبوس الرقمي والافتراضي والديجيتالي؟. 

هل سينقلنا التحول الوشيك من البراديغمات (الأفكار والفلسفات والرؤى) إلى الخواريزمات (المعادلات الرياضية والرقمية) إلى عالم يهيمن فيه ويسطو عليه الذكاء الاصطناعي، وينذر لا محالة بخفوت وإفراغ القيم لاسيما في الحالة المغربية تلك القيم التي تمت إلى مقولة وسردية تَمَغْرِبِيتْ؟.

كتاب ” الاعلام في زمن اللايقين” الواقع في ما يناهز 330 صفحة من القطع المتوسط، الصادر عن مطبعة “المناهل” في يونيو 2023، يتضمن ستة فصول تتعلق ب” الإعلام والرقمنة” و” الثقافة والاعلام” و”الاعلام والسياسة” و”الصحافة والذاكرة” و”الاعلام والمؤسسات” وأخيرا “الاعلام والجوار، ويرى الأستاذ  الجامعي حسن طارق في تقديمه لهذا المؤلف الجديد.

إن نُصوص هذا الكتاب، تحمل قلق السؤال حول مُستقبل الإعلام في قلب تحولات جارفة. تفعل ذلك وهي تُفكر في أثر السياسي على الصحافة، وتقف على اختبار الأخلاقيات في زمن الرقمنة، و تستعرض تحديات الصحافة الثقافية أمام اكتساح الضحالة المُعممة، و تُدقق النظر في حُضور الطفل و المرأة و الثقافة والرياضة في إعلام اليوم ، و تبحث في مآلات بنيات و مؤسسات الأداء الإعلامي، كما كتب في تقديمه لهذا المؤلف الجامعي حسن طارق.

 وقال إذ أتصور أن هذه النُصوص التي تبدو – للقراءة السريعة – مقالات عابرة تُقدم رأياً أو تعليقاً يومياً حول حدث آيل للنسيان، تحمل في عُمقها عُصارة حياةٍ كاملة وسط الأحداث و مع الفاعلين ، و عُمراً مهنيا كثيفاً في معالجة الأخبار” الساخنة”، و تحليلها و متابعتها، و تجربة في تدبير المسافة مع الوقائع اليومية و تجريب التفكير “البارد” في التحولات و المآلات و الآفاق ذات الصلة بقضايا الديمقراطية و الإعلام. 

وبعدما لاحظ الأستاذطارق، أن الوفاء عند جمال المُحافظ يبدو تعبيراً عن الاعتراف بالأثر، و حرصاً على صيانة الذاكرة الجماعية، و الأهم كرسالة نبيلة اتجاه المُستقبل، وإن الاعتناء برموز الذاكرة، يبقى هاجساً وُجودياً لدى المُؤَلِف، خلص إلى القول أنه، ” ضمن هذا الأفق ، ( الوفاء )،  لا يخرج هذا الكتاب هو الآخر عن القاعدة، لكن تحضر – ضمن جدلية خلاقة – كل الأسئلة الحارقة لمستقبل الصحافة.

  *في تمهيد لقاء قراءة “كتاب الاعلام في زمن اللايقين” للكاتب الصحفي جمال المحافظ الأحد 11 يونيو بقاعة شالة ضمن البرنامج الثقافي للدورة 28 للمعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط المنعقدة ما بين 01 و11 يونيو  2023.* 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى