بنات أورشليم ( المصادر الجديدة للتهديد )

 كَاسة البشير –   مونبليي فرنسا 15/04/2020  

يا بنات أورشليم ، أنا سوداء وجميلة ، سأذهب الى حجرات الهيكل حيث حبيبي و الدرع الأحمر ومخازن قورش ومحاربو بني إسرائيل الجبارين ….،

يبدو العالم سنة 2020 ككومة رماد ، حيث جسامة وقوة الدمار فاقت الاعتداء النووي على اليابان سنة 1945 ، وما تلاه من تداعيات ماكروستراتجية على النظام العالمي الاستعماري المنبثق عن اتفاقية يالطا و سايس بيكو ، من حيث التوافق على ميثاق الأمم المتحدة التي بموجبها تم تقسيم النفوذ والسيطرة عبر آلية الأعضاء الدائمين وحق الفيتو بمجلس الأمن . ما ميز تلك المرحلة التاريخية التحالف العضوي بين الفيزياء والحرب والسلام ،إذ دشن الإنسان دخول عصر ما بعد الحداثة ، فتم سحبه إلى عالم الأشياء بعدما قاموا أولا بفصلها عنه.

القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين أصبحا بكل بساطة عصرا الفيزياء والانفجار العظيم وعلوم الفضاء. اكبر خاصية محددة للاتجاهات العامة للاجتماع السياسي البشري إذ تم التفاهم على إسناد صناعة الأوراق النقدية لأقلية من الخواص المالكين لتجارة المال، و اشتغال الدولة بصناعة القوانين ، فاحتكروا تأسيس البنوك المركزية ،كالبنك المركزي الفرنسي والاحتياط الفدرالي الأمريكي و البنك المركزي الانجليزي والألماني(تصفية خمسة رؤساء أمريكيين جسديا حينما عارضوا هذا الاختيار الخطير و المدمر على الأمة الأمريكية)… وهي بالمناسبة ابناك خاصة تتحكم في عملية صناعة النقد والصرف و تقديم الديون ( احتكار مادة الذهب والدولار وتجارة البترول …) وتمويل المنظمات الدولية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة الصحة العالمية…

كما شهد العالم اكبر صفقة بين الحركة الصهيونية والغرب الاستعماري المنتصر في الحرب(التحالف الانكلوساكسوني الصهيوني ) وهذا ما تم إفراغه في وثيقة عهد بلفور سنة 1917 بين اللورد بلفور الكاره لتدفق يهود الاشكناز من أوروبا الشرقية الى إنكلترا والعالم الفيزيائي الصهيوني عزرا وايزمان الذي لم يسانده آنذاك في هذا المشروع الاستيطاني الصهيوني في المملكة المتحدة سوى 12% من يهودها كما هو الحال أنداك مع اليهود الشرقيين والأشكناز والسفرديم والدونما والسامريين..، ، بالمقابل يتولى ال روتشيلد التمويل و الاعمار.

الحصيلة حروب أوروبية ( الحرب البروسية ، حرب واترلوا بين فرنسا وانكلترا تمويل ال روتشلد الطرفين ، الحرب الاسبانية الفرنسية ، الحرب الاسبانية الانكليزية ، احتلال بيسمارك لباريس …) حملة نابليون على مصر ،الاستيلاء على غرب الدولة العثمانية الهند والعراق والشام والحجاز ، احتلال الجزائر وباقي شمال. افريقيا ، إبادة الهنود الحمر في الامريكيتين وحملة الاتجار في الرقيق وتدمير افريقيا ، حرب الشمال والجنوب في أمريكا الغربية ، حرب موكدن بين اليابان و روسيا ،وحربين عالميتين ، الحرب العربية الإسرائيلية ، حرب المالوين ، حرب الفوكلاند ،حرب الفيتنام ،حرب الهند الصينية ، الحرب الباردة ، حرب الكوريتين،حرب أفغانستان، حرب البوسنة ، انهيار المعسكر الشرقي ، تصفية الاستعمار في جنوب افريقيا، حرب الصومال ، الحرب بالوكالة في أمريكا اللاتينية ،حرب الخليج الاولى والثانية …

خصوصية هذه الحروب انها تضع الهيمنة والنفوذ محل اهتمامها الاول على حساب العيش المشترك والتعايش السلمي ، ثم انها ممولة من أقلية دوغمائية مالكة للمال والنقد وسلطة إصدار الأوراق النقدية ، والاهم فيها انها غيرت وجه العالم وأرست نظاما جديدا.

مع بداية القرن 21 أغلق النادي النووي ، وأشهر رسميا عن موت الحرب ، واندلعت ثورة رابعة عمادها العقل البشري الجبار بوعاء يقدر 100 مليار خلية عصبية ، اذ ان مفهوم الهيمنة والسيطرة تغيرت أسسه الفلسفية والمادية ، واصبح تحالف البيولوجيا والمعلوماتية وصناعة العملة والنقد اهم ركائز العالم الجديد ، فالسيطرة على المعلومة وتخزينها داخل الخلايا البيولوجية بدل السيليكون المعرض لارتفاع حرارة التخزين في نقطة محددة .

فمصادر التهديد الجديدة للنظام العالمي الجديد ؛ الجراثيم البيولوجية ، الذكاء الاصطناعي والأقلية المهيمنة.

مات في القرن الماضي ما يقارب 500 مليون نسمة من سكان العالم من جراء وباء الجذري ،(رقم يعادل مجموع قتلى كل حروب القرن العشرين )، وقبله الطاعون الأسود الذي تنقل عبر تجار البندقية من المقاطعة الماغولية الصينية كافا سنة 1345 ، اذ دمر في طريقه 75% من سكان جنوب فرنسا ، وحصيلة عامة قدرت ب 10 ملايين قتيل اي 1/3 سكان أوروبا ، وفِي سنة 1984 تعرضت مدينة دالز الامريكية الى اعتداء بيولوجي ( وباء salmonella) من طرف جماعة هندوسية بمدينة أوريغون المجاورة ، و في سنة 1994 خلف طاعون سورات بالهند ما يقارب مليون مهاجر وخسارة مالية تقدر ب 600 مليون دولار ، وبعد هجمات 11 سبتمبر 2001 وبشهر واحد تمت مهاجمة الولايات المتحدة الامريكية بسلسلة رسائل بويغة الجمرة الخبيثة وقد خسر البريد الامريكي ما يقارب 1,5 مليار دولار .

ويمكن سرد مجموعة من هذه البويغات الوبائية القاتلة : الطاعون الأسود (سفاح القرون الوسطى )، الجذري ، الحمى الاسبانية ، انفليونزا الطيور ، انفليونزا الخنازير ، الجمرة الخبيثة ، ابيولا ،كرونا…

هذا السلاح الجرثومي غير مرئي ، وبيد امم وأشرار ويطور في مختبرات غير رسمية ( حوالي 12 منشأة صناعية )مابين فترة 1945/1972.

اما مخلفاته المباشرة , فان قوة السلاح البيولوجي ؛ الخوف ، ثم انه غير مرئي ، يمكن توقع ما لا يمكن توقعه ، سلاح نفسي(كيفية السيطرة على الخوف و الفزع و الاكتئاب ) ، يساعدنا ويقتلنا ، المصابون أسلحة حية متنقلة ، يشل الخدمات الطبية ، جهل المصدر ، كيف نعامله ( خيار الاستعداد ، الرعاية الصحية ، صندوق الكوارث البيولوجية )، المخلفات الاقتصادية حيث يقتل الإنسان أو الحيوان ولا يخلف دمارا للعمران والتأثير على القانون والنظام.

اما خصوصية corona – covid 19 فانه اهدم النظام الدولي القائم (انتهاء صلاحية ميثاق الأمم المتحدة و نظام بروتون وودز ) ، وغير من مفهومنا للأمن الدولي والعيش السلمي المشترك، وغير مفاهيم كثيرة حول المؤسسة العسكرية و التهديد و التجنيد ( المناورات البيولوجية واشكال التهديد ) ، وانصهار الثكنة و المختبر والمستشفى (التجنيد الإجباري البيولوجي )كمفهوم جديد للتصورات الجديدة لمصادر التهديد الدولي( التفكير في بديل عن نظام الأمم المتحدة ، كثر الحديث عن الحكومة العالمية بقيادة الغرب ) ،كما غير من مفهوم موسسة التعليم والمدرسة (نهاية فكرة المعلم والمقعد داخل الفصل )والطرق البيداغوجية الجديدة (الافتراض ، eco système ، الذكاء الاصطناعي، التعلم عن بعد، موت الكتابة على الورق ، تسارع واحتكار المعرفة…)، وموت مهن ووضاءف وقطاعات اقتصادية كثيرة.

ان عالمنا دخل ثورته الصناعية الرابعة القائمة على الذكاء الاصطناعي ،حيث ان العقل الإنساني هو مركز هذا التحول الكبير ، فهل يصبح يوما متجاوزا واقل قوة من العقل الاصطناعي ؟ أو ان الحرية والمسؤولية البشرية هي القاعدة الفلسفية لهذا القدرات التكنولوجية الهائلة  ؟.                          

فالأدوات المبرمجة عن بعد ، كالروبوتات الصناعية ،تقوم بوظائف الخدمات ،والحسابات الهندسية ، و المسح الطوبوغرافيا ، والاستشارات الطبية ، وقياس الحرارة ، والمحاسبة ، والأعمال المنزلية…. 

ما يهدد مستقبل المجتمع الإنساني ،  هل سنصبح يوما تحت رحمة هذه الذكاء الاصطناعي ، من حيث توجيهنا علميا وشعوريا ، ويصبح العقل البشري البيولوجي مدعاة للعبودية والإضغان للآلة …  ؟ وهل ستصبح الأسلحة الكيماوية والبيولوجية ذات استقلال تكنولوجي ذاتي ، حيث تحدد أهدافها البشرية والمادية بمعزل عن المسؤولية الأخلاقية للإنسان ؟ .

لقد راكم الإنسان في الخمسين سنة الأخيرة ما أنتجته الإنسانية منذ وجودها على وجه الأرض ، وأصبحت المواقع الاجتماعية ومحركات البحث من غوغل ، ماكروسوفت ،فايسبوك ،يوتوب … اكثر احتكارية للمعلومات وأكثر مراقبة للمجموعات البشرية ، اذ تتحكم في أذواقها ، وسلوكاتياتها التجارية ، ومصيرها الجيني (احتكار الابناء الجينية ) ، وتمترس المعرفة والبحث العلمي عبر آلية حقوق الملكية الفكرية ، فالامن الغذائي سيصبح بيد أقلية من البشر تملك المال وحقوق الملكية الفكرية .                                         

ما اثار انتباهي  في هذه المرحلة الحرجة التي تمر بها الإنسانية (وباء كورونا) ،ماذا سيكون وجه العالم اذا ما وقع هجوم سبرتينيكي (قراصنة المجال الافتراضي ) على المحطات العصبية للكهرباء وقطاع الابناء ، وابناك  البيانات ، واختراق حسابات الحكومات ، فهل سينتهي التاريخ ويموت الإنسان و تستولي الوحوش والحيوانات على مجالنا الحيوي ؟ .

انه جنون القرن الواحد والعشرين و كذا مشكل المنظومة الأخلاقية وسلم القيم ،ان مشكل الإنسان انه يتسارع بشكل رهيب ولا يعرف وجهته ، وفقد التحكم في الأدوات التي أنتجها من اجل تيسير رفاهيته، ولو على حساب الكائنات الأخرى ، والطبيعة والفضاء ، بكل بساطة قتل الانسان ما كافره .           

السؤال المحرج للمجتمع الدولي ، من المستفيد من هذا الانهيار الكبير ؟ ومن يملك الحلول الاستعجالية لإنقاذ الإنسان الأخير ؟ ومن المسؤول عن هذا الشر المبين ؟ 

غالبية الدول خصصت مخصصات مالية للاستهلاك ، ووضعت خطط اقتصأندية هائلة لما بعد أزمة كورونا ، لكنها لا تملك السيولة و ستلجا للاقتراض .

 ونعلم ان سلطة إصدار الأوراق النقدية ليست من الاختصاصات السيادية للدول ، بمقتضى الاتفاق بين أقلية تملك المال و القوى الناشئة بعد تقسيم العالم بين القوى الاستعمارية ، فهاك خمسة عائلات كبيرة ( روتشيلد – روكفيلر – دي بون du pont – مورغان – بوش ) ، وكلها متمركزة في الولايات المتحدة الأمريكية ، وراء إنشاء الابناك المركزية ، وتمويل الحروب ، وتقديم القروض للمنظمات الدولية(FMI-BIRD) ، والدول، وتمويل المؤسسات البحثية في مجال الصحة والمعلومات والذكاء الاصطناعي والبيولوجيا والصناديق الخيرية (موسسة بيل غيت )٠. 

ان العالم رهين بمدى التوصل إلى آلية للتفاهم مع هذه الأقلية المهيمنة ، حول الدولار كعملة عالمية ، والمصادر الطاقية (البترول) ،والحقوق السيادية للدولة على اصدار الأوراق النقدية .

 فانا جد مقتنع ان لم  يكن وباء كورونا القاتل للإنسان ، فان هذه الأقلية المهيمنة كانت بحاجة إلى مواجهة عالمية ودمار كبيرين ، يعيد تشكيل العالم على صورة حكومة عالمية ( وجهة نظر هنري كيسينجر )بقيادة الغرب التعجرف والأناني.

كَاسة البشير – مختص في العلاقات الاسترتيجية الدولة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى