حراك جرادة في ميزان الرؤية الأكاديمية … ماذا بعد خمس سنوات؟

يصعب تحديد نقطة البدء في مسار الدرس المعرفي للحركات الاجتماعية، مع إمكانية اعتبار زمن ما بعد الحرب العالمية الثانية من القرن الماضي مجال للجدل الفكري، حيث عرفت السنوات الأولى لما بعد الحرب احتداما قويا للنقاش السوسيولوجي و السياسي بشأن تفسير الفعل الاجتماعي الذي تمارسه هذه الحركات. لقد كانت الرغبة في فهم شروط الأنبناء موجهة لكثير من الدراسات و شاحذة لعدد من الاجتهادات لباحثين أسسوا سوسيولوجيا الحركات الاجتماعية، كمبحث جديد داخل قارة سوسيولوجيا الحركات الاجتماعية، وفي سياق تناولنا لهذه لحراك جرادة في زاوية أكاديمية لابد من الإشارة إلى أن وضع الدراسة و التحليل للموضوع في قالب علم حقوق الإنسان، بقدر ما يتيح تعدد الإشكاليات الممكنة فانه يستعصى معه فرض منهج في معالجتها. و هذا ما تطلب دراسته في إشكالية تؤرق الباحث الأكاديمي في البحث أولا عن التحديد ألمفاهيمي للحركات الاجتماعية خاصة منها الجديدة بالثابت في كينونتها و المتغير فيها و علاقتها بحقوق الإنسان، و ثانيا بإعطائها الطابع العملي من خلال التجريب في المختبر العلمي لحقوق الإنسان، و هو ما أقتضى دراسة و تحليل حراك جرادة في سياق حق التظاهر و التجمع السلمي و كذا مخرجات ممارسته مع الإيمان بأن ذاكرة لا تقوم على عدم النسيان فحسب، لكن أيضا على عدم إدمان المظلومية التاريخية والاستحضار المستمر للماضي، وتجعل نصب أعينها استشراف المستقبل[1].
المطلب الأول: الحركات الاجتماعية في سياق حقوق الإنسان
بكثيرا من الاجتهاد العلمي سنحاول التطرق لهذا الموضوع في سياق التداول المستجد أكاديميا و منهجيا في علم حقوق الإنسان من خلال التحري و التقصي لموضوع الحركات الاجتماعية في سياق حقوق الإنسان(المطلب الأول)، و ذالك عبر تدقيقه و تمحيصه و معالجته من خلال المستوى الأول مفهوم الحركات الاجتماعية ( الفرع الأول)، و المستوى الثاني الحركات الاجتماعية و علاقتها بحقوق الإنسان(الفرع الثاني).
الفرع الأول: مفهوم الحركات الاجتماعية
لقد غدت الحركات الاجتماعية موضوعا للدرس و التحليل في اروقة الفكر المعاصر بتنوع و اختلاف حقوله المعرفية، و قد قدم هذا الجدل المعرفي عددا من العناصر الأساسية التي لابد منها حتى يتسنى لفعل الاحتجاج الانتقال من المستوى العرضي إلى مستوى الحركة الاجتماعية و نجملها في: جهود منظمة مقصودة بأهداف محددة، مجموعة من المشاركين، إرادة واعية،سياسات، أوضاع، تغيير، مكونات فكرية محركة، ووسائل تعبئة. وذات العناصر حددها “أبراهيم البيومي غانم” في سياق تعرضه للحركات الاجتماعية واصفا إياها “بتلك الجهود المنظمة التي يبدلها مجموعة من المواطنين بهدف تغيير الأوضاع، أو السياسات، أو الهياكل القائمة لنكون أكثر اقترابا من القيم العليا التي تؤمن بها الحركة”.[2]
وهو ما تماهى معه هربرت بلومر H. Bulmer من خلال تأكيده على أن الحركة الاجتماعية هي “ذلك الجهد الجماعي الرامي إلى تغيير طابع العلاقات الاجتماعية المستقرة في مجتمع معين، وهو ما يجعل منها مشاريع جماعية تستهدف إقامة نظام جديد للحياة وتستند إلى إحساس بعدم الرضا عن النمط السائد والرغبة في إقامة نسق مغاير.[3]
ويبدو على سبيل الملاحظة أن هناك توافق مبدأي على خاصيتين يؤطران لمفهوم الحركات الاجتماعية يتمثلان في:
-العمل الجماعي: الحركة الاجتماعية تنطوي بلا شك في إطار العمل الجماعي. ومع ذلك، فإنه يأخذ شكل الحركة فقط عندما يتم الحفاظ عليه لفترة طويلة. ليس من الضروري أن يتم تنظيم هذا العمل رسميا، و يمكن أن يكون بشكل غير رسمي. ولكن يجب أن تكون هذه الحركة قادرة على خلق مصلحة وجذب عدد كبير نسبيا من الأفراد.
-التوجه نحو التغيير الاجتماعي: يتم توجيه الحركة الاجتماعية عموما نحو إحداث التغيير الاجتماعي. هذا التغيير قد يكون إما جزئيا أو كليا. على الرغم أنه من هدف الحراك الاجتماعي إحداث تغيير في القيم والمعايير وأيديولوجيات النظام القائم، إلا انه هناك جهود تبذل من قبل بعض القوى الأخرى لمقاومة التغيرات والحفاظ على الوضع الراهن.
و تسلسلا لما سابق لابد من التفاعل العلمي مع ما استجد من سمات الحركات الاجتماعية الحديثة حيث أن[4]:
- هذه الحركات كلها تقع خارج إطار السياسة المنظمة سواء فى ذلك الأحزاب السياسية أو أجهزة الدولة .
- أن هذه الحركات لا تطرح استراتيجيات للوصول إلى السلطة بل غاية ما تصبو إليه هو التأثير على أجهزة السلطة على المستوى المحلى أو في قطاع من القطاعات لكن لا تستهدف هذه الحركات أن تصل بأعضائها أنفسهم إلي قمة أجزاء السلطة سواء على المستوى المحلى أو المستوى القومي .
- ترفض هذه الحركات مبدأ التنظيم بمعنى إنها ترفض في غالبيتها أن تتحول إلى أحزاب سياسية، كما إنها ترفض أن تنظم أعضائها على نحو شديد كما يجرى في جماعات المصالح من نقابات مهنية أو عمالية .
- تسعى تلك الحركات إلى ترجمة عدد من القيم على المستوى المحلى من العلاقات فيما بين أعضائها و يطلق على هذه القيم مسمى القيم ما بعد المادية كقيم التعاطف و التعاون .
الفرع الثاني: الحركات الاجتماعية و علاقتها بحقوق الإنسان
يعتبر الحق في التظاهر و التجمع السلمي من الحقوق الأساسية في منظومة حقوق الإنسان. كما انه الخيط الناظم الذي يؤسس للعلاقة المفترضة بين فعل الاحتجاج للحركة الاجتماعية و حقوق الإنسان في مستوى المشروعية و الإطار القانوني الممكن لممارسة الحراك الاحتجاجي. و المقصود به هو إبداء الرأي أو تعبير عن وجهة نظر معينة بشكل جماعي، و حرية التظاهر و الاحتجاج السلمي هي واحدة من وسائل التعبير التي تجمع بين كل الوسائل الفردية و الجماعية و الشفهية و المكتوبة، و هي وسائل رغم ما يبدو عليها من انفصال عن بعض فإنها، على الأخص، في حالة الاحتجاج تتداخل بحيث يتم الجمع بين التعبير الشفهي أو التصويري، و ذلك بالإضافة إلى أن الاحتجاج يتم مصحوبا بهذه الوسائل التعبيرية في الشارع العام، في شكل وقفة أو اعتصام أو مسيرة أو تجمع خطابي، على مرأى و مسمع ممن حضره. وقد تعاطت مجموعة من المواثيق الدولية المعبرة حصرا عن المنظومة الحقوقية على ممارسة الحق في التظاهر و التجمع السلمي و اعتبرته من الحقوق الأساسية و على رأسها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية، و تشكل ركيزة من ركائز المجتمعات الديموقراطية التي تسمح بالتعبير و المطالبة بالمصلحة المشتركة و خاصة التعبير عن اراء و مصالح الفئات الضعيفة التي لا تملك وسيلة أخرى لإسماع صوتها من غير التظاهر السلمي. وهو ما ذهب إليه التعليق العام رقم 37(2020) بشأن الحق في التجمع السلمي (المادة21) من العهد الدولي الخاص بالحقوق السياسية و المدنية الصادر عن اللجنة المعنية بحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة الصادر في 17 شتنبر 2020 ، مبرزا في مقدمته “يسمح حق الإنسان الأساسي في التجمع السلمي للأفراد بالتعبير الجماعي والمشاركة في تشكيل مجتمعاتهم. والحق في التجمع السلمي مهم في حد ذاته لأنه يحمي قدرة الناس على ممارسة الاستقلال الذاتي الفردي في تضامن مع الآخرين. وهو يشكل أيضاً، إلى جانب حقوق أخرى ذات صلة، الأساس ذاته لنظام حكم تشاركي قائم على الديمقراطية وحقوق الإنسان وسيادة القانون والتعددية. ويمكن أن تؤدي التجمعات السلمية دوراً حاسماً في تمكين المشاركين من تقديم أفكار وأهداف طموحة في المجال العام وتحديد مستوى الدعم أو المعارضة الذي تحظى به تلك الأفكار أو الأهداف. وعندما تستخدم التجمعات السلمية للتعبير عن المظالم، قد تتيح فرصاً لتسوية الخلافات على نحو شامل وتشاركي وسلمي.”[5] كما تم التطرق إلى نطاق ممارسة الحق في التظاهر السلمي و كذا التزام الدول الأطراف فيما يتعلق بالحق في التجمع السلمي و كذالك القيود المفترضة على ممارسة هذا الحق و التي الزمت سلطات الدولة مسؤولية تبريرها مع تبيان نظم الإخطار و واجبات و صلاحيات أجهزة إنفاذ القانون، مضيفا التعليق الوارد أعلاه التجمع في حالات الطوارئ و النزاع المسلح مع الوقوف على علاقة المادة 21 بغيرها من أحكام العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية و بالأنظمة القانونية الأخرى.
المطلب الثاني: حراك جرادة و مخرجاته في سياق حق التظاهر و التجمع السلمي
صادق المغرب على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية سنة 1966، و الذي نص في مادته 21 كما ذكرنا سابقا على أن الحق في التجمع و التظاهر السلمي معترف به، ولا يجوز منعه أو الحد منه إلا في الحالات المتعلقة بالأمن القومي أو السلامة العامة أو الصحة العامة أو حماية حقوق و حريات الآخرين في البلاد ليكون بذلك المغرب ملزم باحترام هذا الحق و تفعيله على مستوى الواقع. وهذا ما أكده التعليق العام السابق للجنة المعنية بحقوق الإنسان، بل ذهب المشرع الدستوري المغربي في الفصل 29 من دستور 2011 إلى أن حرية الاجتماع و التجمهر و التظاهر السلمي هي مضمونة بقوة الدستور و أن شروط ممارستها و الاستفادة منها تحدد في قانون . كما أكد في الفصلين 22و25 على التوالي انه لا يجوز المساس بالسلامة الجسدية أو المعنوية لأي شخص و في أي ظرف و من قبل أي جهة كانت و كذالك أن حرية الرأي و التعبير هي مضمونة بشتى الطرق و التي من بينها الاحتجاج و التظاهر. و من خلال هذه الأرضية المقتضبة للإطار القانوني للحركات الاجتماعية في ممارسة فعل الاحتجاج المؤطر في المواثيق الدولية و التشريع الوطني بحق التظاهر و التجمع السلمي سنحاول في مطلبنا هذا التركيز على مدى تفعيل حق الحركات الاجتماعية في الاحتجاج و التظاهر من خلال نموذج حراك جرادة شكل لحق التظاهر و التجمع السلمي(الفرع الأول) و التطرق إلى مخرجات ممارسه هذا الحق (الفرع الثاني).
الفرع الأول: حراك جرادة شكل لحق التظاهر و التجمع السلمي
لـم تختلف مطالب المحتجين بجرادة كثيرًا عــن مطالب حراك الريف.حيت عرفت مدينة جرادة مند بدابة نونبر 2017 عدد من الاحتجاجات وقد تصاعدت وثيرتها بعد امتناع المواطنين عن أداء فواتير للكهرباء اعتبروها باهظة في ظل وجود معمل حراري لإنتاج الكهرباء تقليدي يؤثر على البيئة، نتجت عنها اعتقالات طالت بعض الشباب. و تطور الاحتجاج على إثر حدث وفــاة شابين (حسن و جدوان)، حال استخراجهما للفحم مــن مناجم مهجورة، أعقبه احتجاجات تطالب بالبديل الاقتصادي و الاجتماعي و تسوية ملف فاتورات الماء و الكهرباء و محاسبة المسؤولين، قبــل أن يتّخــذ مسار الاحتجاج فــورة غضب ضــد التهميــش. غيــر أن فورات الغضب الجديدة مــا لبثت أن تهيكلت و أصبح الثابت فيها سلميتها ، وباستعمال ديناميات تعبيرية جديدة للاحتجاج السلمي تمثلت في أشكال متنوعة نطرحها كالأتي:[6]
- الاعتصام الذي نظم بعد مسيرة المشي على الأقدام نحو مدينة العيون الشرقية.
- الإفطار الجماعي بنقط الاحتجاج ببعض أحياء المدينة (حي المسيرة، ساحة المنار، ساحة الشهداء، أولاد أعمر،
حاسي بلال…). - إطفاء أضواء البيوت.
- الإضرابات العامة: التي نظمت في أكثر من مرة والتي غالبا ما كان المواطنون يتجاوبون معها، بحيث كانت
تسبب شللا شبه تام تجلى في إغلاق المحلات التجارية والمقاهي والصيدليات والأسواق وتوقف وسائل النقل… - مسيرات سلمية، جابت شوارع المدينة وحمل خلالها المحتجون الرايات الوطنية، مطالبين بالعدالة الاجتماعية
والمجالية وبإيجاد بديل اقتصادي لمدينتهم وفتح تحقيق في الوفيات التي وقعت في الآبار العشوائية لاستخراج
الفحم بعد إغلاق «شركة مفاحم المغرب». - طقطقة الأواني المنزلية، حيث لجأت مجموعات من ساكنة المدينة إلى طقطقة الأواني المنزلية بعد صلاة العشاء
ببعض الأحياء الشعبية، في بعض المرات، ومن أسطح وشرفات المنازل، استجابة لدعوات كان يتم تعميمها على
مواقع التواصل الاجتماعي (الفيسبوك والواتساب). - توقيع العرائض، إذ نظم بعض المواطنين حملة لتوقيع عرائض تنفي قيام المتابعين في «ملف احتجاجات جرادة»
بتحريضهم على الاحتجاج. - مشاركة مجموعة من المواطنين المقيمين بالقرى (تكافايت، عين بني مطهر، المريجة، تويسيت، كنفودة) في الاحتجاجات.
و وفق هذه الأشكال التعبيرية السلمية التي تركن إلى احترام حق التظاهر و التجمع السلمي انسجاما مع مقتضيات المادة 21 من العهد الدولي للحقوق السياسية و المدنية، و التعليق العام المذكور سلفا على المادة 21 في و وثيقتنا البحثية هاته. و في تناغم تام مع المقتضيات الدستورية خاصة الفصول 22و 25 و 29 ، تطرح معالجة إشكالية تأطير الفعل الاحتجاجي من خلال تعاطي الدولة مع تطورات الاحتجاج السلمي في 14 مارس 2018 . حيث سجل منعطفا في مسار الاحتجاج السلمي لحراك جرادة حسب تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان[7] عرفت هذه الاحتجاجات عنفا ما بين القوات العمومية والمتظاهرين نتجت عنه إصابات في صفوف القوات العمومية والمتظاهرين – بما فيهم الطفل (ز. ع)، الذي أوضحت عائلته أنه تعرض للدهس. وتم تسجيل إحراق عدد من سيارات القوات العمومية واعتقال عدد من المحتجين. ووجهت المحكمة للمتهمين عدة تهم من بينها “المشاركة في إضرام النار عمدا في ناقلات بها أشخاص والمشاركة في وضع أشياء على طريق عام تعوق مرور الناقلات والذي تسبب في حوادث خطيرة وإصابة أشخاص بجروح خطيرة وإهانة واستعمال العنف في حق موظفين عموميين… وتكسر أشياء مخصصة للمنفعة العامة وحيازة السلاح دون مبرر والتجمهر المسلح في الطرق العمومية والعصيان المسلح[8]“. هنا يطرح التساؤل حول مدى احترام حراك جرادة للإطار القانوني لحق التجمع و التظاهر السلمي؟ وان كان غير ذلك فما هي مبررات الدولة على خرق هذا الحق ؟ مع ضرورة الإشارة إلى التنصيص الوارد في التعليق المذكور سلفا حول المادة 21 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية ( وإذا كان سلوك المشاركين في تجمّع ما سلمياً، فإن عدم امتثال منظمي التجمع أو المشاركين فيه بعض المقتضيات القانونية المحلية المتعلقة بالتجمعات غير كاف لاستبعاد المشاركين من نطاق الحماية المنصوص عليها في المادة 21 و يمكن أن تشمل المادة21 حملات العصيان المدني الجماعي أو العمل المباشر، شريطة أن تكون غير عنيفة”. كما يتفاعل سؤالنا في الجانب القضائي في مستوى أول عن التعاطي المستقل و الشفاف مع المتهمين حيث ينص نفس التعليق “على انه يجب على الدول الأطراف أن تكفل رقابة مستقلّة وشفّافة على جميع الهيئات المعنية بالتجمعات السلمية، بطرق منها الوصول في الوقت المناسب إلى سبل الانتصاف الفعالة، بما فيها سبل الانتصاف القضائية، أو إلى المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، بغية التمسك بهذا الحق قبل التجمع وأثناءه .” و في مستوى ثاني يطرح تعاطي التقرير ألموضوعاتي للمجلس الوطني لحقوق الإنسان عن احتجاجات جرادة من حيث تأخره في الزمن ، و كذا سؤال مضمونه من توصيف الاحتجاج بالسلمي تارة و كذا انسجامه مع مبررات الدولة في تبرير أحداث 14 مارس 2018 و اعتبارها عنفا مابين القوات العمومية و المتظاهرين تارة أخرى.
الفرع الثاني: مخرجات حراك جرادة في سياق احترام حق التظاهر السلمي
يعتبر الجدل قائما في تعاطي الدولة عبر مؤسساتها من خلال مخرجات حراك جرادة في احترام حق التظاهر السلمي حيث تم التسجيل عدم التدخل القوات العمومية مع بداية الاحتجاجات، لكن أحداث 14 مارس 2018 أعطت مجال لاستفزاز تساؤلات نستقرؤ معالجتها في استنتاجات التقرير الموضوعاتي للمجلس الوطني لحقوق الإنسان عن احتجاجات جرادة. حيث سجل اعمال عنف وإضرام نار ترتب عنه إصابات ومس بالحق في التظاهر السلمي، كحق أساسي كما استنتج اعتبار منع السلطات العمومية بعض الاحتجاجات غير المصرح بها، أو التي لم يتم الإشعار بها من أي جهة منظمة، يمس بالحق في التظاهر السلمي[9]. و بالمقابل نجد تقرير الصادر عن ” هيومن رايتس واوتش” بتاريخ 04 يونيو 2018 تحت عنوان: قمع جديد للاحتجاجات في المغرب قوة مفرطة و اعتقالات و سوء معاملة في جرادة [10]و التي أكدت فيه على إن الشرطة المغربية ردّت على احتجاجات مارس 2018 في مدينة جرادة الفقيرة، المعروفة بمناجم الفحم، بالقمع طيلة أسابيع. استخدمت قوات الأمن القوة المفرطة ضد المتظاهرين، وقادت سيارة شرطة بشكل متهور فدهست صبيا يبلغ من العمر 16 عاما، أصيب بجروح بالغة. كما اعتقلت قادة الاحتجاج الذين وردت أنباء عن سوء معاملتهم خلال الاحتجاز. مسترسلة في تقريرها على أن ورغم أن بعض المتظاهرين رشقوا الحجارة في 14 مارس/آذار، وتدعي السلطات أنهم أشعلوا حرائق أيضا، فهذا لا يبرر استخدام القوة العشوائية والمفرطة، أو الاعتقالات التي بدأت قبل ذلك التاريخ. كما أنه لا يبرر قمع الاحتجاجات السلمية أو سوء المعاملة المزعومة للمحتجزين. وهو ما يتناغم مع ما ذكر في التعليق العام رقم 37(2020) للجنة المعنية بحقوق الإنسان حول العهد الدولي الخاص بالحقوق السياسية و المدنية المادة (21) خاصة في الجانب المتعلق بالمادة 16 و المعنون تحت عبارة نطاق الحق في التجمع السلمي.كما قالت “سارة ليا ويتسن“، مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: “ذهب القمع في جرادة أبعد من محاولة تقديم المتظاهرين العنيفين المزعومين إلى العدالة. يبدو أن الأمر يتعلق بقمع الحق في الاحتجاج السلمي على الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية”.[11] وهذا يضعنا أمام المعالجة العلمية و الأكاديمية الدقيقة حول مخرجات حراك جرادة في سياق احترام حق التظاهر السلمي من عدمه. كما يساءل التزامات الدولة اتجاه الوثيقة الدستورية أولا، و المواثيق الدولية ذات الصلة باحترام حقا من الحقوق الاساسية و هو الحق في التظاهر و التجمع السلمي ثانيا.
خاتمة:
إن التعاطي العلمي و الأكاديمي مع موضوع الحركات الاجتماعية و حقوق الإنسان يخضع في كثير من الأحيان إلى التوجس في معالجة الحقائق المعرفية خاصة إذا ارتبط الأمر بطرحها في السياق التجريبي أو مقارعة “طابو” دراسة و تحليل تجربة عاشتها حركة اجتماعية معينة و محددة بمسارتها. و هو ما يحتاج إلى الجرأة العلمية في سبر أغوار المحظور و تناوله بموضوعية. لهذا حاولنا جعل حراك جرادة كمختبر علمي لميزان ممارسة الحق في التظاهر و التجمع السلمي لانتاج مؤشرات قياس ترهن تطور التعاطي الحقوقي للدولة مع الحركات الاجتماعية و الاحتجاجية، و يكشف مدى الصدق في الوفاء بالوثيقة الدستورية التي تضمن حق التجمع و التجمهر و التظاهر السلمي. و في نفس الوقت الالتزام بالمواثيق الدولية ذات الصلة كما يقارع إشكاليات عدة حول حقوق أساسية كانت البناء المؤسس للفعل الاحتجاجي. و هذا يساءل التعاطي مع مطالب حراك جرادة على سبيل المثال، و التي كانت محددة في البديل الاقتصادي و الاجتماعي، و تسوية ملف فاتورات الماء و الكهرباء، و محاسبة الفاسدين. و بعد مرور خمس سنوات على اندلاع حراك جرادة و المتضمن لهذه الحقوق أو ما يمكن الإطلاق عليها بحقوق الانبناء للحق في ممارسة التظاهر و التجمع السلمي في سياق الحراك الاحتجاجي الاجتماعي، نضع اليوم إشكاليات عدة منها هل بالفعل تم التفاعل الايجابي لدولة بما يكفي استجابة للفعل الاحتجاجي حراك جرادة؟ هل بالفعل نحن أمام وفاءا لالتزامات الدولة دستوريا و كذا المواثيق الدولية للحق في التجمع و التظاهر السلمي؟ هل بالفعل انتفت شروط إنتاج حراك جرادة بعد خمسة سنوات من ملأ الشارع العام في تعبير صارخ لحقوق الساكنة؟
المراجع:
- محمد سعدي، شباب حراك الريف في المغرب و الذاكرة الجمعية الحارقة الاعتراف بوصفه مدخلا لمصالحة الدولة مع الماضي الأليم، مجلة عمران العدد33/09 ، سنة 2020، ص 38.
- أيمان الرامي، الاحتجاج المغربي و الخطاب السوسيولوجي، مجلة دراسات، المجلد 09، العدد01، السنة 2020، ص10.11.
- محمود خليفة جودة محمد، الدولة و الحركات الاجتماعية الجديدة،المركز الديموقراطي العربي، متاح على الرابط: https://democraticac.de/?p=646
- المجلس الوطني لحقوق الإنسان، التقرير ألموضوعاتي حول احتجاجات جرادة، مارس 2020، ص14، متاح على الرابط الاتي: https://www.cndh.ma/ar/node/37007[1]
- إبراهيم البيومي غانم، “الحركات الاجتماعية :تحولات البنية وانفتاح المجال”، 8 ماي 2004. متاح عللى الرابط «http://www.islamonline.net/arabic/mafaheem/2004/05/article01.shtml »
- الامم المتحدة، متاح على الرابط http://docstore.ohchr.org
- https://www.dw.com/ar
[1] محمد سعدي، شباب حراك الريف في المغرب و الذاكرة الجمعية الحارقة الاعتراف بوصفه مدخلا لمصالحة الدولة مع الماضي الأليم، مجلة عمران العدد33/09 ، سنة 2020، ص 38.
[2] إبراهيم البيومي غانم، “الحركات الاجتماعية :تحولات البنية وانفتاح المجال”، 8 ماي 2004. متاح عللى الرابط «http://www.islamonline.net/arabic/mafaheem/2004/05/article01.shtml »
[3] أيمان الرامي، الاحتجاج المغربي و الخطاب السوسيولوجي، مجلة دراسات، المجلد 09، العدد01، السنة 2020، ص10.11.
[4] محمود خليفة جودة محمد، الدولة و الحركات الاجتماعية الجديدة،المركز الديموقراطي العربي، متاح على الرابط: https://democraticac.de/?p=646
[5] الامم المتحدة، متاح على الرابط http://docstore.ohchr.org
[6] المجلس الوطني لحقوق الإنسان، التقرير ألموضوعاتي حول احتجاجات جرادة، مارس 2020، ص14، متاح على الرابط الاتي: https://www.cndh.ma/ar/node/37007
[7] المجلس الوطني لحقوق الإنسان، التقرير ألموضوعاتي حول احتجاجات جرادة، مرجع سابق،ص17.
[8] متاح على الرابط: https://www.dw.com/ar
[9] تقرير الموضوعاتي للمجلس الوطني لحقوق الانسان مرجع سابق،ص 35.
[10] تقرير الصادر عن ” هيومن رايتس واوتش” بتاريخ 04 يونيو 2018 تحت عنوان: قمع جديد للاحتجاجات في المغرب قوة مفرطة و اعتقالات و سوء معاملة في جرادة، متاح على الرابط: https://www.hrw.org/ar/news/2018/06/04/318661
[11] [11] تقرير الصادر عن ” هيومن رايتس واوتش” بتاريخ 04 يونيو 2018 تحت عنوان: قمع جديد للاحتجاجات في المغرب قوة مفرطة و اعتقالات و سوء معاملة في جرادة، المرجع السابق.