وجهة نظر في التقرير السياسي لحزب العدالة والتنمية
(المؤتمر الوطني التاسع، أبريل 2025)

عبدالعالي الجابري – 27 أبريل 2025
السياق العام:
عقد حزب العدالة والتنمية مؤتمره الوطني التاسع في ظل ظروف سياسية واقتصادية ودولية صعبة، حيث يشهد العالم تحولات جيوسياسية كبرى، خاصة بعد حرب غزة (“طوفان الأقصى”) وتصاعد العدوان الإسرائيلي المدعوم أمريكيًا. على الصعيد الداخلي، يواجه المغرب تحديات اقتصادية واجتماعية وسياسية، بما في ذلك ارتفاع الأسعار والبطالة وتفشي الفساد وتراجع الثقة في المؤسسات الديمقراطية.
أولا – المحاور الرئيسية للتقرير:
1. السياق الدولي وانعكاساته على المغرب:
- القضية الفلسطينية: يؤكد الحزب على دعمه الكامل للمقاومة الفلسطينية ورفضه للتطبيع مع إسرائيل، معتبرًا أن الوقت قد حان لإغلاق مكتب الاتصال الإسرائيلي في الرباط. كما يشيد بمواقف الملك محمد السادس كرئيس لجنة القدس.
- الصحراء المغربية: يكرس الحزب دعمه لسيادة المغرب على الصحراء، معتبرًا مشروع الحكم الذاتي الحل الوحيد للنزاع. كما يدعو الجزائر إلى “طي صفحة الخلاف” لصالح التعاون الإقليمي.
- التحديات العالمية: يحذر التقرير من سياسات “التغول الاقتصادي” الغربي التي تهدد سيادة الدول، ويسلط الضوء على مخاطر تفكيك الأسرة والقيم تحت تأثير الأجندات الغربية.
2. التحديات الداخلية:
- الهوية الإسلامية: يدعو الحزب إلى الحفاظ على المرجعية الإسلامية للمجتمع والدولة، معارضًا أي تعديلات على مدونة الأسرة تتعارض مع الشريعة، مثل إباحة الإجهاض أو المساواة في الإرث.
- الاقتصاد والفساد: ينتقد التقرير فشل الحكومة في معالجة الأزمات الاقتصادية، مثل ارتفاع الأسعار والبطالة (13%)، ويشير إلى تفاقم الفساد (تراجع المغرب في مؤشر الفساد إلى المركز 99 عالميًا). كما يسلط الضوء على قضايا تضارب المصالح، مثل صفقة تحلية مياه البحر التي فازت بها شركات تابعة لرئيس الحكومة.
- الخدمات الاجتماعية: ينتقد الحزب تراجع الحماية الاجتماعية، حيث أُقصي 8.5 مليون مواطن من التغطية الصحية، وفشل الحكومة في تحقيق وعودها مثل “مدخول الكرامة” للمسنين.
- التعليم: يشير إلى تدهور التعليم (احتلال المغرب المرتبة 154 عالميًا) بسبب سياسات “التخبط” الحكومي، مثل تبني الفرنسية كلغة تدريس على حساب العربية.
3. الديمقراطية والحريات:
- الانتخابات: يدعو الحزب إلى إصلاح المنظومة الانتخابية لضمان نزاهة الانتخابات، منتقدًا “الإفساد الانتخابي” الذي شوه نتائج انتخابات 2021.
- الحريات الإعلامية: ينتقد تراجع حرية الصحافة وتضييق الحكومة على الإعلام المعارض، رغم المبادرات الإيجابية مثل العفو الملكي عن بعض الصحفيين.
- المؤسسات الدستورية: يحذر من تراجع الديمقراطية، مثل تعطيل اللجنة الوطنية لمحاربة الفساد وعدم تفعيل مبدأ “ربط المسؤولية بالمحاسبة”.
4. رؤية الحزب للمستقبل:
- إستراتيجية النضال: يطرح الحزب شعار “النضال من أجل مصداقية الاختيار الديمقراطي وكرامة المواطن”، مع التركيز على:
- تعزيز المرجعية الإسلامية والهوية الوطنية.
- مواجهة الفساد وتضارب المصالح.
- إصلاح التعليم والخدمات الصحية.
- دعم القضية الفلسطينية والوحدة الترابية.
- التواصل الشعبي: يؤكد على ضرورة تعزيز الحضور الجماهيري للحزب وتوسيع تحالفاته مع القوى السياسية والمدنية.
ثانيا – نقاط القوة، نقاط الضعف، والانتقادات الموجهة للتقرير السياسي
1. نقاط القوة :
- التشخيص الشامل للسياق الدولي والوطني:
- يقدم التقرير تحليلاً عميقاً للتحولات الجيوسياسية، مثل “طوفان الأقصى” والحرب الروسية-الأوكرانية، مع ربطها بتأثيراتها على القضية الفلسطينية والوضع الوطني. هذا يعكس وعياً بالتحديات العالمية ومحاولة لتحديد موقع الحزب فيها.
- يركز على قضايا وطنية حساسة مثل قضية الصحراء المغربية والهوية الوطنية، مع تأكيد التمسك بالثوابت الوطنية (الملكية، الوحدة الترابية، المرجعية الإسلامية).
- الوضوح في المواقف السياسية:
- يعبر التقرير بوضوح عن رفض الحزب للتطبيع مع الكيان الصهيوني، مع دعوة صريحة لإغلاق مكتب الاتصال الصهيوني وإنهاء الاتفاقيات. هذا الموقف يتماشى مع قاعدة الحزب الشعبية ويعزز مصداقيته لدى جمهوره.
- يؤكد على دعم القضية الفلسطينية والمقاومة، مع إشادة بالمبادرات الملكية في هذا السياق، مما يعكس انسجاماً مع الموقف الرسمي للدولة.
- التركيز على الهوية والمرجعية الإسلامية:
- يبرز التقرير التزام الحزب بالمرجعية الإسلامية كأساس للهوية الوطنية، مع الدفاع عن مدونة الأسرة ضد توجهات “تغريبية”. هذا يعزز تموضع الحزب كحامي للقيم التقليدية في مواجهة التيارات الليبرالية.
- يركز على مقاومة التيارات العالمية التي تستهدف القيم الأسرية والأخلاقية، مما يعكس حساسية تجاه التحديات الثقافية.
- النقد الذاتي والمرونة المؤسساتية:
- يعترف التقرير بنكسة انتخابات – التقرير بنكسة انتخابات 2021، مع تحمل الأمانة العامة السابقة مسؤوليتها وتنظيم مؤتمر استثنائي لتجاوز الأزمة. هذا يعكس نضجاً سياسياً ومؤسساتياً.
- يبرز التقرير قدرة الحزب على استعادة زخمه السياسي بعد الانتكاسة، مع إبراز دوره الريادي في المعارضة.
- التأطير الاستراتيجي للمرحلة المقبلة:
- يحدد التقرير مهام واضحة للحزب، مثل تعزيز الديمقراطية، مكافحة الفساد، ودعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية، مع شعار مركزي: “النضال من أجل مصداقية الاختيار الديمقراطي وكرامة المواطن“. هذا يوفر رؤية مستقبلية متماسكة.
2. نقاط الضعف
- الطول المفرط والتكرار:
- يعاني التقرير من طول مفرط (أكثر من 40,000 كلمة)، مما قد يقلل من تركيز القارئ ويجعل الوثيقة صعبة الاستيعاب. بعض النقاط تتكرر دون إضافة قيمة جديدة.
- يحتوي على تعابير مطولة وخطابية قد تقلل من وضوح الرسالة للجمهور العام.
- غياب التفاصيل العملية:
- على الرغم من التشخيص الدقيق للتحديات (اقتصادية، اجتماعية، ديمقراطية)، يفتقر التقرير إلى مقترحات عملية واضحة لمعالجتها. على سبيل المثال، يتحدث عن مكافحة الفساد دون تقديم آليات محددة.
- ينقصه وضع أهداف قابلة للقياس أو خطط تنفيذية لتحقيق الرؤية المستقبلية.
- التركيز المفرط على الخطاب الأيديولوجي:
- يركز التقرير بشكل كبير على الخطاب الأيديولوجي (المرجعية الإسلامية، مقاومة التغريب)، مما قد يحد من جاذبيته لشرائح أوسع من المجتمع، خاصة الشباب أو الفئات ذات التوجهات الليبرالية.
- قد يُنظر إلى بعض المواقف على أنها محافظة بشكل مفرط، مما يثير جدلاً اجتماعياً.
- ضعف التحليل الكمي:
- يعتمد التقرير على تحليل نوعي دون دعمه بإحصائيات أو بيانات كافية لتدعيم الادعاءات. على سبيل المثال، يتحدث عن فشل الحكومة في تحقيق التزاماتها دون تقديم مقارنات رقمية واضحة.
- يغيب عنه تقييم كمي لأداء الحزب في الحكومة أو المعارضة، مما يضعف من قوة الحجة.
- الافتقار إلى التوازن في النقد:
- يركز التقرير بشكل كبير على نقد الحكومة والأغلبية الحالية، دون تقديم نقد ذاتي معمق لأداء الحزب خلال فترة حكمه (2011-2021). هذا قد يُنظر إليه كمحاولة للتهرب من المسؤولية عن بعض الإخفاقات.
3. الانتقادات المحتملة
- التوجه الأيديولوجي المثير للجدل:
- موقف الحزب من قضايا مثل مدونة الأسرة قد يُنظر إليه كمتشدد من قبل شرائح ليبرالية أو شبابية، مما يحد من قدرة الحزب على استقطاب قاعدة أوسع.
- التركيز المكثف على المرجعية الإسلامية قد يُفسر كمحاولة لاستقطاب جمهور محدد بدلاً من بناء تحالفات سياسية واسعة.
- النبرة التصادمية:
- استخدام تعابير مثل “المحرقة النازية”، قد يُنظر إليه كخطاب متطرف أو مثير للانقسام، خاصة في سياق دبلوماسي حساس. هذا قد يؤثر على علاقات الحزب مع شركاء دوليين أو محليين.
- نقد الحكومة بشكل حاد كزواج المال بالسلطة قد يُنظر إليه كمحاولة لتبرير إخفاقات الحزب بدلاً من تحمل المسؤولية الكاملة.
- ضعف التواصل مع الشباب:
- التقرير لا يقدم استراتيجية واضحة لاستقطاب الشباب، رغم أهميتهم كقوة انتخابية. يغيب عنه الحديث عن قضايا مثل التكنولوجيا، ريادة الأعمال، أو التعليم العالي، التي تهم هذه الفئة.
- اللغة المستخدمة قد تُنظر إليها كتقليدية وغير جاذبة للأجيال الجديدة.
- الاعتماد المفرط على الخطاب الشعبوي:
- يستخدم التقرير خطاباً شعبوياً في نقد الحكومة (مثل اتهامها بالخضوع للوبيات)، دون تقديم أدلة ملموسة أو تحليل موضوعي. هذا قد يُنظر إليه كمحاولة لاستمالة العواطف بدلاً من تقديم حلول واقعية.
- التركيز على “كرامة المواطن” كشعار قد يُعتبر غامضاً ويفتقر إلى خطة تنفيذية واضحة.
- عدم الوضوح في استراتيجية التحالفات:
- التقرير يدعو إلى توسيع التعاون مع الفاعلين السياسيين والمدنيين، لكنه لا يحدد طبيعة هذه التحالفات أو كيفية بنائها في سياق تنافسي. هذا قد يُنظر إليه كعدم وضوح في الرؤية السياسية.
- يغيب عنه تحديد موقف الحزب من الأحزاب الأخرى، سواء في المعارضة أو الأغلبية، مما يثير تساؤلات حول إمكانية بناء جبهة موحدة.
4. توصيات لتحسين التقرير
- تبسيط اللغة وتنظيم المحتوى:
- تقليص حجم التقرير مع التركيز على النقاط الأساسية وتجنب التكرار. يمكن تقسيم الوثيقة إلى فصول أقصر مع عناوين فرعية واضحة.
- استخدام لغة أكثر وضوحاً وجاذبية للجمهور العام، خاصة الشباب.
- إدراج بيانات وإحصائيات:
- دعم الادعاءات ببيانات كمية (مثل معدلات البطالة، نسب الفقر، أو مؤشرات التعليم) لتعزيز المصداقية.
- تقديم مقارنات بين أداء الحزب في الحكومة وأداء الحكومة الحالية لتوفير تحليل موضوعي.
- تقديم حلول عملية:
- وضع خطط تنفيذية لمعالجة التحديات المذكورة، مثل استراتيجيات لمكافحة الفساد، تحسين التعليم، أو دعم الفئات الهشة.
- تحديد أهداف زمنية وقابلة للقياس لتحقيق الرؤية المستقبلية.
- تعزيز التواصل مع الشباب:
- إدراج قضايا تهم الشباب، مثل الابتكار، التكنولوجيا، وفرص العمل، مع استراتيجيات لاستقطابهم.
- استخدام منصات رقمية ووسائل تواصل اجتماعي لنشر أفكار التقرير بطريقة جذابة.
- توسيع قاعدة التحالفات:
- توضيح استراتيجية بناء تحالفات مع أحزاب ومنظمات مدنية أخرى، مع تحديد أولويات التعاون.
- تبني خطاب أكثر شمولية يجذب شرائح متنوعة من المجتمع، بما في ذلك الفئات ذات التوجهات الليبرالية.
ختاما، يقدم حزب العدالة والتنمية نفسه كحزب معارض قوي يركز على القيم الإسلامية والعدالة الاجتماعية، مع انتقاد حاد لسياسات الحكومة.
ومع اقتراب الانتخابات المحلية والتشريعية، يسعى الحزب إلى إعادة بناء قوته عبر خطاب يجمع بين الهوية الإسلامية والمطالب الشعبية، لكنه يواجه تحديًا في تجاوز آثار تراجعه الانتخابي الأخير.
نقاط قوته التقرير السياسي للمؤتمر الوطني التاسع لحزب العدالة والتنمية تكمن في شمولية التحليل، وضوح المواقف، والتأكيد على الهوية الوطنية والمرجعية الإسلامية.
ومع ذلك، يعاني من طول مفرط، افتقار إلى حلول عملية، وتركيز أيديولوجي قد يحد من جاذبيته. الانتقادات المحتملة تشمل النبرة التصادمية، ضعف التواصل مع الشباب، والاعتماد على خطاب شعبوي.
من خلال تبسيط المحتوى، إدراج بيانات، وتقديم حلول عملية، يمكن للحزب تعزيز تأثير التقرير وجعله أداة فعالة لتعبئة قاعدته واستقطاب شرائح جديدة.