واقع الصحافة المغربية: بين الدعم المالي والتحديات الرقمية – اعادة قراءة كلمة مصطفى الخلفي

وجدة – عبدالعالي الجابري
تناول السيد مصطفى الخلفي، وزير الاتصال سابقا، واقع الصحافة المغربية من خلال استعراض التطورات القانونية والمالية التي شهدها القطاع خلال فترة توليه المسؤولية، مع إبراز التحديات الحالية والحاجة إلى إصلاحات شاملة.
وقد عكست كلمته ضمن فعاليات الندوة الوطنية التي نظمتها الفيدرالية المغربية لناشري الصحف، يوم السبت 12 أبريل 2025، بالعاصمة الرباط، تحت عنوان “الصحافة المغربية: الأزمة الوجودية وسبل الإنقاذ”، رؤية نقدية لواقع الصحافة، مع التركيز على قضايا الدعم المالي، التحول الرقمي، الإعلانات، التوزيع، ووضعية الصحفيين.
طاقم الجريدة الذي تابع المداخلة مباشرة عمل على محاولة اعادة قراءتها وتفكيك ولملمة معطياتها، طوال اربعة ايام، وفيما يلي خلاصاتها في ذلك:
1. تطور الدعم المالي العمومي للصحافة
أ. الوضع قبل يوليوز 2020
- النظام القديم:
- كان الدعم المالي للصحافة يُخصص من ميزانية وزارة الاتصال، بقيمة ثابتة قدرها 65 مليون درهم سنويا. هذا المبلغ كان يُعتبر محدودا مقارنة بحجم التحديات التي يواجهها القطاع.
- النظام عانى من انتقادات حادة بسبب “التسييس” المحتمل في توزيع الإعلانات والدعم المالي. هذه الانتقادات تشير إلى احتمال وجود تحيزات سياسية في اختيار المؤسسات الإعلامية المستفيدة، مما يؤثر سلبا على استقلالية الصحافة.
- طريقة التوزيع كانت تعتمد على قرارات إدارية، مما قد يؤدي إلى عدم الشفافية أو تفضيل مؤسسات معينة على أخرى بناء على معايير غير موضوعية.
- الإشكاليات:
- المبلغ المخصص (65 مليون درهم) لم يكن كافيا لمواجهة التحديات الهيكلية مثل تراجع مبيعات الصحف وانخفاض الإيرادات الإعلانية.
- ضعف الإطار القانوني المنظم للدعم جعل القطاع عرضة للتأثيرات السياسية، مما أضعف الثقة في نزاهة النظام.
ب. النظام الجديد بعد يوليوز 2020
- آلية “النفقات المشتركة”:
- في يوليوز 2020، تم إدخال نظام جديد يعتمد على “النفقات المشتركة”، وهو آلية تهدف إلى تجميع الموارد من مصادر متعددة لزيادة الدعم المالي. هذا النظام سمح بزيادة كبيرة في الميزانية المخصصة للصحافة:
- بين يوليوز 2020 ويونيو 2022، بلغ إجمالي الدعم 435 مليون درهم.
- في سنة 2024 وحدها، وصل الدعم إلى 330 مليون درهم، مما يعكس التزاما متزايدا بدعم القطاع.
- هذا النظام يعتمد على إطار قانوني أكثر وضوحا، مما يهدف إلى تعزيز الشفافية وتقليل التدخلات السياسية.
- في يوليوز 2020، تم إدخال نظام جديد يعتمد على “النفقات المشتركة”، وهو آلية تهدف إلى تجميع الموارد من مصادر متعددة لزيادة الدعم المالي. هذا النظام سمح بزيادة كبيرة في الميزانية المخصصة للصحافة:
- الأهداف:
- تعزيز القراءة وتشجيع التنوع الإعلامي.
- دعم استقلالية الصحافة كجزء من البناء الديمقراطي.
- حماية القرار الوطني من التدخلات الخارجية، خاصة في سياق محاولات التلاعب بالمعلومات.
- مكافحة الأخبار الزائفة من خلال دعم إعلام قوي ومستقل.
- الإطار القانوني:
- المادة 7 من قانون الصحافة: تنص على أن الدعم يجب أن يهدف إلى تعزيز القراءة، التنوع الإعلامي، وتطوير الموارد البشرية، مع ضمان الشفافية والاستقلالية.
- مرسوم يناير 2023: يلزم الجهات المسؤولة بنشر قائمة المستفيدين من الدعم سنويا، مع إجراء تدقيق سنوي لضمان النزاهة والشفافية في التوزيع.
ج. التحديات الحالية
- عدم كفاية الدعم:
- رغم الزيادة الكبيرة في الميزانية، يبقى الدعم غير كاف لمواجهة الأزمة الهيكلية للقطاع. على سبيل المال، أشار تقرير المجلس الأعلى للحسابات (2014) إلى تراجع مبيعات الصحف من 89 مليون نسخة سنويا إلى 15 ألف نسخة حاليا، أي بانخفاض يصل إلى 24 مرة خلال عقد من الزمن.
- هذا التراجع يعكس أزمة عميقة في الطلب على الصحافة الورقية، مما يتطلب دعما أكبر وأكثر استهدافا.
- تخصيص الدعم:
- جزء كبير من الدعم (153 مليون درهم) يُخصص لتغطية الأجور، لكن متوسط الأجر للصحفي يبلغ أقل من 5000 درهم شهريا (شاملا اشتراكات الضمان الاجتماعي)، وهو مبلغ أقل من الحد الأدنى المنصوص عليه في الاتفاقيات الجماعية. هذا يعكس هشاشة الوضعية المالية للصحفيين.
- تخصيص الدعم للأجور بدلا من الاستثمار في التكوين أو التطوير الرقمي يحد من قدرة القطاع على التكيف مع التحولات العالمية.
- تراجع عدد الصحفيين:
- النظام الحالي لم يتمكن من منع الانخفاض الكبير في عدد الصحفيين العاملين في الصحافة المكتوبة. هذا التراجع يعكس تقلص حجم القطاع وصعوبة استقطاب مواهب جديدة بسبب الأجور المنخفضة وظروف العمل غير المستقرة.
د. ملاحظات الجريدة :
- بحسب تقرير مراسلون بلا حدود لسنة 2023، يحتل المغرب المرتبة 129 في مؤشر حرية الصحافة العالمي (من أصل 180 دولة)، مما يعكس تحديات مرتبطة باستقلالية الصحافة والتمويل. هذا التصنيف يدعم فكرة أن الدعم الحكومي قد يكون عرضة للتأثيرات السياسية إذا لم يتم تعزيز آليات الشفافية.
- تجربة دول مثل فرنسا، التي تخصص حوالي مليار يورو سنويا لدعم الصحافة (بما في ذلك إعانات مباشرة وإعفاءات ضريبية). في المقابل، ميزانية المغرب (330 مليون درهم في 2024) تبقى متواضعة نسبيا، مما يحد من تأثيرها.
- في السويد، يتم تقديم دعم مباشر للصحف المحلية مع شروط صارمة للشفافية، مما يقلل من مخاطر التسييس. هذا النموذج يمكن أن يكون مصدر إلهام للمغرب.
2. التحول الرقمي: التحدي المركزي للصحافة المغربية
أ. الوضع الحالي
- الفلسفة القديمة (2016):
- نظام الدعم الذي أُسس في 2016 لم يأخذ بعين الاعتبار التحول الرقمي بشكل كاف. في ذلك الوقت، كان التركيز ينصب على دعم الصحافة الورقية التقليدية، دون الاستجابة للتغيرات السريعة في استهلاك الأخبار عبر الإنترنت.
- هذا النظام أصبح متجاوزا لأنه لا يتماشى مع متطلبات العصر الرقمي، حيث أصبحت المنصات الرقمية والشبكات الاجتماعية المصدر الرئيسي للأخبار.
- التحديات المحلية:
- ضعف الاستثمار في الأمن المعلوماتي يعرض المؤسسات الإعلامية لمخاطر القرصنة والتلاعب بالمعلومات.
- قلة التفاعل مع الشبكات الاجتماعية يحد من قدرة الصحافة المغربية على الوصول إلى جمهور واسع، خاصة الشباب الذين يعتمدون بشكل رئيسي على منصات مثل فيسبوك وإنستغرام.
- غياب نماذج أعمال رقمية ناجحة (مثل الاشتراكات الرقمية) يجعل المؤسسات الإعلامية تعتمد بشكل كبير على الدعم الحكومي.
- الأمثلة الدولية:
- نيويورك تايمز: نجحت في تحقيق 10 ملايين مشترك رقمي، مما سمح لها بتسجيل أرباح رغم تراجع مبيعات الصحف الورقية إلى 600 ألف نسخة. هذا النجاح يعتمد على استراتيجية رقمية متكاملة تشمل محتوى متميزا وتجربة مستخدم متقدمة.
- لو موند: على الرغم من وجود 666 ألف مشترك رقمي، فإن استراتيجيتها الرقمية تُعتبر فاشلة نسبيا لأنها لم تحقق استدامة مالية، مما يعكس الحاجة إلى نموذج أعمال أكثر فعالية.
ب. المقترحات لتعزيز التحول الرقمي
- إعادة توجيه الدعم العمومي:
- يجب أن يركز الدعم على تمكين المقاولات الإعلامية من تنفيذ استراتيجيات تحول رقمي ناجحة. هذا يشمل:
- الاستثمار في الأمن المعلوماتي لحماية المحتوى والسمعة.
- تطوير محتوى مخصص للشبكات الاجتماعية لجذب جمهور أوسع.
- إنشاء منصات رقمية سهلة الاستخدام مع خيارات اشتراك ميسورة التكلفة.
- يجب أن يركز الدعم على تمكين المقاولات الإعلامية من تنفيذ استراتيجيات تحول رقمي ناجحة. هذا يشمل:
- إعادة توزيع إيرادات العمالقة الرقميين:
- في 2015، تمت مناقشة فكرة إنشاء صندوق تمويل يعتمد على إيرادات شركات مثل جوجل وفيسبوك لدعم الصحافة المغربية. هذا الصندوق يمكن أن يُستخدم لتمويل مشاريع رقمية وتكوين الصحفيين.
- هذا النموذج يُطبق جزئيا في دول مثل فرنسا، حيث فرضت ضرائب على الشركات الرقمية لدعم الإعلام المحلي، وفي الاتحاد الأوروبي الذي يستكشف آليات مماثلة.
- إصلاح النظام الضريبي:
- النظام الحالي، الذي يعفي الطباعة من الضريبة على القيمة المضافة دون حق الخصم، يُعتبر عائقا لأنه يزيد من تكاليف الإنتاج. إصلاح ضريبي يشمل إعفاءات مستهدفة للاستثمارات الرقمية (مثل شراء البرمجيات أو الأجهزة) يمكن أن يشجع التحول الرقمي.
ج. ملاحظات الجريدة:
- وفقا لتقرير Digital News Report 2023 الصادر عن معهد رويترز، فإن 70% من المغاربة يعتمدون على الإنترنت كمصدر رئيسي للأخبار، و50% منهم يستخدمون الشبكات الاجتماعية لهذا الغرض. هذا يبرز الحاجة الملحة للتحول الرقمي.
- قلة من المؤسسات الإعلامية المغربية تمتلك نماذج اشتراك رقمية ناجحة. على سبيل المثال، مواقع مثل Hespress تعتمد بشكل رئيسي على الإعلانات، مما يجعلها عرضة لتقلبات السوق.
- تجربة النرويج، التي تدعم التحول الرقمي من خلال إعفاءات ضريبية وتمويل مباشر للمشاريع الرقمية، تُظهر أن الدعم المستهدف يمكن أن يؤدي إلى نتائج ملموسة. على سبيل المثال، الصحف النرويجية المحلية نجحت في بناء منصات رقمية مستدامة بفضل هذا الدعم.
3. تراجع الإيرادات الإعلانية
أ. الوضع
- في 2014:
- كان هناك إمكانية إيرادات إعلانية تصل إلى 1.2 مليار درهم (ميزانية خام)، لكن المبلغ الفعلي الذي كانت تتلقاه المؤسسات الإعلامية كان يمثل حوالي ربع هذا المبلغ (أي حوالي 300 مليون درهم).
- التراجع الحالي:
- الإيرادات الإعلانية انخفضت إلى حوالي 300 مليون درهم، ثم استمرت في الانخفاض، لتصل إلى مستويات أقل بكثير. الوزير يشير إلى أن الإيرادات تراجعت بما يعادل خمس مرات مقارنة بالإمكانيات السابقة.
- الإعلانات الإدارية:
- قبل 2020، كانت الإعلانات الإدارية (مثل إعلانات الوظائف العمومية) تشكل 21-30% من موارد المقاولات الإعلامية.
- حاليا، هذا النظام يُعتبر غير فعال بسبب:
- البيروقراطية: إجراءات الحصول على هذه الإعلانات معقدة وتستغرق وقتا طويلا.
- محدودية المستفيدين: أقل من 20 مقاولة إعلامية تستفيد من هذه الإعلانات، مما يعكس توزيعا غير عادل.
ب. الأسباب
- اختفاء الوعاء الإعلاني:
- حوالي 80% من السوق الإعلاني التقليدي اختفى بسبب انتقال الإعلانات إلى المنصات الرقمية مثل جوجل وفيسبوك. هذه المنصات تقدم خيارات إعلانية أكثر فعالية وأقل تكلفة، مما يقلل من جاذبية الصحافة التقليدية.
- تراجع مبيعات الصحف:
- انخفاض عدد القراء قلّص من جاذبية الصحف الورقية للمعلنين، حيث أصبحت الصحف أقل قدرة على الوصول إلى جمهور واسع.
- المنافسة الرقمية:
- ظهور مواقع إخبارية رقمية مجانية (مثل Hespress وChouf TV) زاد من الضغط على الصحف التقليدية التي تعاني من صعوبة في تقديم محتوى تنافسي.
ج. ملاحظات الجريدة:
- وفقا لدراسة أجرتها GroupM سنة 2023، فإن الإعلانات الرقمية تشكل الآن أكثر من 60% من إجمالي الإنفاق الإعلاني في المغرب، مما يعكس تحولا كبيرا في السوق بعيدا عن الإعلام التقليدي.
- تجربة كندا، التي فرضت ضرائب على الإعلانات الرقمية لتمويل الصحافة المحلية (من خلال قانون Online News Act لسنة 2023)، يمكن أن تكون مصدر إلهام للمغرب. هذا القانون يلزم الشركات الرقمية الكبرى بالمساهمة في تمويل الإعلام المحلي.
- في أستراليا، تم اعتماد نموذج مماثل (قانون News Media Bargaining Code لسنة 2021)، حيث وافقت شركات مثل جوجل وفيسبوك على دفع مبالغ مالية للصحف مقابل استخدام محتواها.
4. مشكلة التوزيع
أ. الوضع
- تنويع الأنشطة:
- شركات التوزيع، مثل سابريس (Sapress)، حققت إيرادات تجاوزت 100 مليون درهم في 2023. لكن هذا النجاح لا يعكس قوة توزيع الصحف، بل يعكس تنويع أنشطتها لتشمل توزيع منتجات أخرى (مثل الكتب أو المنتجات الاستهلاكية).
- هذا التحول يعني أن توزيع الصحف لم يعد النشاط الرئيسي لهذه الشركات، مما يفاقم أزمة الصحافة الورقية.
- التحدي:
- مشكلة التوزيع تُعتبر العامل الثالث (بعد تراجع الإيرادات الإعلانية وعدم كفاية الدعم) الذي يساهم في أزمة القطاع. ضعف البنية التحتية للتوزيع، خاصة في المناطق النائية، يحد من وصول الصحف إلى القراء.
ب. الأسباب
- ارتفاع التكاليف: تكاليف النقل والتوزيع مرتفعة مقارنة بالعائد من مبيعات الصحف، مما يجعل هذا النشاط غير مربح.
- تراجع الطلب: مع انخفاض مبيعات الصحف، أصبحت شبكات التوزيع أقل جدوى اقتصادية.
- التحول الرقمي: تزايد الاعتماد على الأخبار الرقمية قلّص من الحاجة إلى التوزيع التقليدي.
ج. ملاحظات الجريدة:
- بحسب تقرير صادر عن الاتحاد الدولي للصحفيين (IFJ) سنة 2022، فإن أنظمة التوزيع التقليدية في الدول النامية، بما في ذلك المغرب، تعاني من ضعف البنية التحتية وارتفاع تكاليف النقل، مما يفاقم أزمة الصحافة الورقية.
- تجربة الهند، التي طورت شبكات توزيع رقمية مدعومة بتطبيقات مثل PressReader، يمكن أن تلهم حلولا مبتكرة للمغرب. هذه التطبيقات تتيح للقراء الوصول إلى الصحف الرقمية بسهولة وبتكلفة منخفضة.
5. وضعية الصحفيين
أ. الوضع
- الهوية المهنية:
- بطاقة الصحافة تُمنح وتُسحب من قبل المجلس الوطني للصحافة، وهو هيئة ذات طابع ديمقراطي انتقلت من نظام التعيين إلى الانتخاب، بما يتماشى مع الدستور المغربي الذي يضمن الاستقلالية.
- في 2014، كان هناك 2200 بطاقة صحافة، منها 1000 للصحافة المكتوبة. اليوم، يوجد حوالي 4000 بطاقة، لكن عدد الصحفيين في الصحافة المكتوبة يبلغ حوالي 2300 ( علما ان 4000 تشمل البطاقات أيضا صحفيين في القطاع السمعي البصري والوكالات).
- الأجور:
- من إجمالي الدعم المخصص للأجور (153 مليون درهم)، يذهب 38 مليون درهم للضمان الاجتماعي و46 مليون درهم كأجور مباشرة لـ239 موظفا. هذا يعني أن متوسط الأجر الشهري يبلغ أقل من 5000 درهم (شاملا الضمان الاجتماعي)، وهو أقل من الحد الأدنى المنصوص عليه في الاتفاقيات الجماعية.
- هذا المستوى المنخفض من الأجور يعكس هشاشة الوضعية المالية للصحفيين، مما يؤثر على استقرارهم المهني.
- التكوين والتأهيل:
- الدعم الحالي يركز على تغطية الأجور بدلا من التكوين والتأهيل، مما يحد من قدرة الصحفيين على اكتساب مهارات رقمية جديدة (مثل إنتاج المحتوى الرقمي أو تحليل البيانات).
- مقتضيات المجلس (وأغلب التنظيمات المهنية) تشير إلى الحاجة إلى دعم تطوير الموارد البشرية، لكن هذا الهدف لم يتحقق بشكل كاف.
- الحماية القانونية:
- هناك محاولات لإصلاح قانون الصحافة لتخفيف العقوبات على التشهير، بما في ذلك اقتراح لإلغاء عقوبة السجن. لكن هذا الإصلاح لم يكتمل، مما يعني أن الصحفيين لا يزالون عرضة لضغوط قانونية.
- التنظيم الذاتي:
- إنشاء المجلس الوطني للصحافة يُعتبر خطوة إيجابية نحو تنظيم المهنة ذاتيا. هذا المجلس يتولى مسؤوليات مثل منح بطاقات الصحافة ووضع معايير أخلاقية، مما يعزز استقلالية المهنة.
ب. التحديات
- الأجور المنخفضة تؤدي إلى هجرة المواهب إلى قطاعات أخرى أو إلى العمل الحر، مما يقلل من جودة الصحافة.
- ضعف التكوين يجعل الصحفيين غير مجهزين لمواجهة متطلبات العصر الرقمي، مثل إنتاج محتوى فيديو أو إدارة الحملات على الشبكات الاجتماعية.
- الضغوط القانونية، مثل قوانين التشهير، قد تؤثر على حرية الصحفيين في تغطية مواضيع حساسة.
ج. ملاحظات الجريدة:
- بحسب تقرير UNESCO لسنة 2023، فإن الصحفيين في الدول النامية، بما في ذلك المغرب، يواجهون تحديات مرتبطة بـالأجور المنخفضة وضعف التغطية الاجتماعية، مما يؤثر على استقرارهم المهني.
- تجربة تونس، التي أطلقت برامج تكوين رقمي للصحفيين بدعم حكومي من خلال معاهد مثل المعهد العالي للصحافة، يمكن أن تكون نموذجا لتعزيز مهارات الصحفيين المغاربة.
- في جنوب إفريقيا، تم إنشاء برامج تدريبية مشتركة بين الحكومة والقطاع الخاص لتعليم الصحفيين مهارات مثل صحافة البيانات وإنتاج المحتوى الرقمي، مما يعزز قدرتهم التنافسية.
6. الحاجة إلى إصلاح شامل
أ. المقترحات
- تغيير النموذج:
- هناك حاجة إلى نهج شامل يجمع بين الإصلاحات الاقتصادية (مثل زيادة الدعم)، القانونية (مثل حماية الصحفيين)، والمالية (مثل إصلاح الضرائب).
- الهدف هو الوصول إلى دعم عمومي بقيمة مليار درهم، مع التركيز على الاستدامة والاستقلالية.
- ورقة طريق تشاركية:
- يجب إعداد ورقة طريق تشمل جميع الأطراف المعنية (مؤسسات إعلامية، صحفيون، حكومة، منظمات دولية) لتحديد الأولويات وتنفيذ الإصلاحات.
- هذه الورقة يجب أن تأخذ بعين الاعتبار المكتسبات الحالية (مثل زيادة الدعم وإنشاء المجلس الوطني للصحافة) والتحديات المستقبلية.
- الاستفادة من التجارب الدولية:
- فرنسا: زيادة الدعم إلى مليار يورو مع التركيز على التحول الرقمي والتكوين.
- النرويج: دعم الصحف المحلية من خلال إعفاءات ضريبية وتمويل مشاريع رقمية.
- كندا وأستراليا: فرض ضرائب على الشركات الرقمية لدعم الإعلام المحلي.
- إصلاح النظام الضريبي:
- إعادة النظر في إعفاء الطباعة من الضريبة على القيمة المضافة لتشمل الاستثمارات الرقمية، مثل شراء البرمجيات أو تطوير المواقع الإلكترونية.
- تعزيز التحول الرقمي:
- تخصيص جزء من الدعم لتطوير منصات رقمية وتدريب الصحفيين على المهارات الرقمية.
- إنشاء صندوق تمويل مدعوم بإيرادات الشركات الرقمية لدعم المشاريع الإعلامية الرقمية.
ب. التحديات المستقبلية
- الاستدامة المالية:
- بدون مصادر تمويل جديدة (مثل إيرادات الشركات الرقمية)، قد يستمر القطاع في مواجهة صعوبات مالية.
- الحاجة إلى نماذج أعمال مستدامة (مثل الاشتراكات الرقمية أو الإعلانات المستهدفة) لتقليل الاعتماد على الدعم الحكومي.
- الاستقلالية:
- تعزيز الشفافية في توزيع الدعم ضروري لتجنب أي شبهات التسييس. هذا يتطلب آليات رقابة مستقلة ونشر بيانات دقيقة عن المستفيدين.
- التكيف مع الرقمنة:
- الصحافة المغربية بحاجة إلى نماذج أعمال رقمية مبتكرة لاستعادة الجاذبية للمعلنين والقراء. على سبيل المثال، يمكن تطوير تطبيقات إخبارية تجمع بين المحتوى المجاني والمدفوع.
- المنافسة العالمية:
- الشركات الرقمية العالمية (مثل جوجل وفيسبوك) تسيطر على سوق الإعلانات، مما يتطلب استراتيجيات محلية لاستعادة حصة من هذا السوق.
ج. ملاحظات الجريدة:
- بحسب تقرير World Association of News Publishers (WAN-IFRA) لسنة 2023، فإن الصحف في الدول النامية التي نجحت في التحول الرقمي اعتمدت على شراكات مع القطاع الخاص ودعم حكومي مستهدف. المغرب يمكن أن يستفيد من هذه التجربة من خلال تشجيع الشراكات بين المؤسسات الإعلامية وشركات التكنولوجيا.
- تجربة كوريا الجنوبية، التي طورت صندوقا لدعم الإعلام ممولا من ضرائب على الشركات الرقمية، تُظهر أن مثل هذه المبادرات يمكن أن توفر تمويلا مستداما للصحافة.
7. خلاصة وزير الاعلام السابق :
السيد مصطفى الخلفي خلص الى أن هناك تقدم ملموس في زيادة الدعم المالي العمومي (من 65 مليون درهم إلى 330 مليون درهم في 2024) ووضع أطر قانونية مثل المادة 7 من قانون الصحافة ومرسوم 2023. لكن يواجه القطاع تحديات هيكلية عميقة:
- تراجع المبيعات: من 89 مليون نسخة سنويا إلى 15 ألف نسخة.
- انخفاض الإيرادات الإعلانية: من إمكانية 1.2 مليار درهم إلى أقل من 300 مليون درهم.
- مشاكل التوزيع: تحول شركات التوزيع إلى منتجات أخرى بسبب انخفاض الطلب على الصحف.
- هشاشة وضعية الصحفيين: أجور منخفضة (أقل من 5000 درهم) وضعف التكوين.
- ضعف التحول الرقمي: غياب استراتيجيات رقمية ناجحة يحد من قدرة الصحافة على المنافسة.
8- التوصيات
- زيادة الدعم المالي:
- السعي للوصول إلى دعم بقيمة مليار درهم سنويا، مع تخصيص جزء كبير للتحول الرقمي والتكوين.
- تعزيز التحول الرقمي:
- دعم إنشاء منصات رقمية وتطوير محتوى مخصص للشبكات الاجتماعية.
- إنشاء صندوق تمويل مدعوم بإيرادات الشركات الرقمية (مثل جوجل وفيسبوك).
- إصلاح النظام الضريبي:
- إدخال إعفاءات ضريبية للاستثمارات الرقمية وإعادة النظر في إعفاء الطباعة من الضريبة على القيمة المضافة.
- تحسين وضعية الصحفيين:
- زيادة الأجور لتتماشى مع الاتفاقيات الجماعية.
- إطلاق برامج تكوين على المهارات الرقمية (مثل صحافة البيانات وإنتاج الفيديو).
- إصلاح التوزيع:
- تطوير شبكات توزيع رقمية (مثل تطبيقات إخبارية) لتقليل الاعتماد على التوزيع التقليدي.
- تعزيز الشفافية:
- تعزيز دور المجلس الوطني للصحافة في مراقبة توزيع الدعم ونشر تقارير سنوية مفصلة.
- الاستفادة من التجارب الدولية:
- دراسة نماذج ناجحة مثل فرنسا، النرويج، كندا، وأستراليا لتكييفها مع السياق المغربي.
9- خلاصة
يعكس العرض الذي قدمه السيد مصطفى الخلفي صورة معقدة لواقع الصحافة المغربية، حيث تتجلى جهود ملموسة لتطوير القطاع من خلال زيادة الدعم المالي ووضع أطر قانونية، لكن هذه الجهود تواجه تحديات هيكلية عميقة. تراجع المبيعات، انخفاض الإيرادات الإعلانية، مشاكل التوزيع، وضعف التحول الرقمي تشكل عقبات كبيرة. وضعية الصحفيين، مع أجور منخفضة وضعف التكوين، تضيف إلى هذه التحديات.
الحل، حسب السيد الوزير السابق، يكمن في إصلاح شامل يعتمد على نهج تشاركي، يركز على التحول الرقمي، إعادة توزيع الموارد، وتعزيز استقلالية الصحافة. التجارب الدولية، مثل فرنسا والنرويج، تقدم نماذج يمكن الاستفادة منها، لكن نجاح أي إصلاح يعتمد على إرادة سياسية قوية والتزام بتعزيز الشفافية والاستدامة. في ظل التحولات الرقمية العالمية، يبقى السؤال المركزي: هل يمكن للمغرب بناء نموذج إعلامي مستدام يحافظ على دوره الديمقراطي والثقافي؟
10- السؤال المستقبلي
ونختم بسؤال مستقبلي مستخلص مما جاء على لسان السيد مصطفى الخلفي وزير الاتصال السابق، والقيادي في حزب العدالة والتنمية، في ظل التحولات الرقمية العالمية والمنافسة المتزايدة من المنصات الدولية:
هل يمكن للمغرب بناء نموذج إعلامي مستدام يحافظ على دوره الديمقراطي والثقافي؟
نعتقد جازمين أن الإجابة تتطلب إرادة سياسية قوية، تعاونا بين القطاعين العام والخاص، واستثمارا طويل الأمد في التحول الرقمي والموارد البشرية.