الخطاب الملكي يرفع سقف المواجهة ضد تداعيات كورونا ويستكمل تدابير إصلاح الأعطاب

أصبحت خطب الملك محمد السادس موعدا يترقبه المغاربة، لاستجلاء أفق الامل والعمل في المملكة خاصة في ظل الوضعية الحالية التي بصمتها الازمة الصحية لجائحة فيروس كورونا المستجد، والتداعيات التي أثقلت كاهل كل الدول في العالم ومن بينها المغرب.

ويدخل الخطاب الملكي السامي الذي وجهه الملك محمد السادس مساء الجمعة، بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الخامسة من الولاية العاشرة، ليضع المزيد من النقاط فوق حروف التميز المغربي في مواجهة الجائحة والتي طبعتها التوجيهات الملكية السامية.

خطاب افتتاح البرلمان، هو بمثابة استكمال للتدابير والقرارات التي تم اتخاذها بتوجيهات ملكية سامية، منذ ظهور الحالات الأولى للإصابة بفيروس كوفيد 19 بالمغرب، وطيلة الأشهر الماضية.

وتبقى الإشارة القوية التي سجلها الملك في خطابه السامي، هي حرصه الدائم على النهوض بالأوضاع الاجتماعية وتحسين ظروف عيش المواطنين، وهو ما تمثل في توجيهات سابقة كإحداث صندوق مواجهة كورونا الذي مكن ملايين الأسر المتضررة من الحصول على دعم مالي ساعدها على تجاوز المحنة.

إضافة إلى ذلك شهدت مرحلة مواجهة كورونا العديد من القرارات الحاسمة والرصينة والحكيمة التي اتخذها الملك لفائدة المواطن والوطن.

ويأتي خطاب اليوم ليستكمل مسيرة الحفاظ على توازن البلاد، والنهوض بها من قلب عاصفة كورونا، حيث تضمن  قرارات وازنة، لمواجهة التداعيات الصحية والاقتصادية والاجتماعية لهذه الأزمة، التي يعرفها المغرب والعالم.

الاكيد أن هذه القرارات الجديدة التي أعلن عنها الملك في خطاب افتتاح البرلمان، يعكس المنظور الملكي المتكامل، ويحمل إجابات عملية.

كما تجسد هذه القرارات التوجه الملكي الذي يعتبر إيمانا راسخا لدى جلالته، والذي يقوم على التلازم بين تحقيق النمو الاقتصادي، والنهوض بالمجال الاجتماعي، مع الحرص على اعتماد مبادئ الحكامة الجيدة وربط المحاسبة بالمسؤولية، خاصة في القطاع العام.

ووضع الملك في خطابه السامي، إنعاش الاقتصاد في مقدمة أسبقيات المرحلة، مؤكدا على أن الخطة التي تم اعتمادها لهذا الغرض، تهدف لدعم القطاعات الإنتاجية، خاصة المقاولات الصغيرة والمتوسطة، والرفع من قدرتها على الاستثمار وخلق فرص الشغل والحفاظ على مصادر الدخل.

طبعا وضع الملك في خطابه خارطة الطريق لضمان شروط نجاح خطة الإنعاش الاقتصادي، حيث  قرر جلالته إحداث صندوق خاص للاستثمار الاستراتيجي، اطلق عليه اسم “صندوق محمد السادس للاستثمار”.

ولم يتوقف قرار الملك عند إحداث الصندوق، بل وجه بتخويله الشخصية المعنوية، وتمكينه من هيآت التدبير الملائمة، وأن يكون نموذجا من حيث الحكامة والنجاعة والشفافية ؛ مع الارتكاز على صناديق قطاعية متخصصة تابعة له، حسب المجالات ذات الأولوية، وحسب حاجيات كل مرحلة.

وقبل الخوض في مضمون وأهمية الصندوق، نتوقف عند التسمية التي حملت اسم الملك محمد السادس، بحث تمنح ضمانة إضافية ويضفي عليه المزيد من الإشعاع لتحفيز الشركاء الوطنيين والدوليين لمواكبة تدخلاته والمساهمة في المشاريع الاستثمارية، في إطار شراكات بين القطاعين العام والخاص. كما يعكس الدور الريادي المنتظر منه في النهوض بالاستثمار، والرفع من قدرات الاقتصاد المغربي.

وإذا قلنا ان خطاب الملك محمد السادس بمناسبة افتتاح الدورة التشريعية الجديدة للبرلمان، شامل مانع، فنحن على يقين أن جلالته سيخص بالذكر احد القطاعات الأساسية، وهو الفلاحة الذي يحظى بعناية مولوية موصولة انطلاقا من العناية بالساكنة القروية، حيث اكد جلالته على الأهمية التي يجب أن تعطى للفلاحة والتنمية القروية، وضرورة دعم هذا القطاع الوازن، وتسريع تنفيذ جميع البرامج الفلاحية.

وتضمنت قرارات الملك خاصة في ظل هذه الظروف الصعبة، تحفيز الاستثمار والتشغيل في المجال الفلاحي، وتثمين المنتوج الوطني، وتسهيل الاندماج المهني بالعالم القروي، لاسيما من خلال ما توفره عملية تعبئة المليون هكتار من الأراضي الجماعية من فرص وإمكانات. وهو ما سيساهم في خلق القيمة المضافة (نقطتين إضافيتين سنويا من الناتج الداخلي الخام)، وإحداث عدد هام من مناصب الشغل، خلال السنوات القادمة.

وعاد الملك محمد السادس في خطابه السامي إلى ورش تعميم التغطية الاجتماعية لجميع المغاربة، مما يؤكد حرص جلالته على أن يكون للتطور الاقتصادي تأثير مباشر وملموس في تحسين ظروف عيش المواطنين.

كما يشدد الملك ليس في هذا الخطاب فقط، بل في كل خطبه السابقة، على العمل من اجل تحقيق العدالة الاجتماعية، مؤكدا بإستمرار على ضرورة تمكين جميع المغاربة من الحماية الاجتماعية.

فبالنسبة للملك الحماية الاجتماعية، هي صيانة الكرامة الإنسانية وتوطيد التماسك الاجتماعي، وحماية الفئات الهشة، خاصة خلال فترة عصيبة مثل هذه التي يعيشها المغرب والعالم أجمع.

وأشار الملك في خطابه السامي، إلى أن تعميم التغطية الاجتماعية، مشروع كبير وغير مسبوق، ويهدف لتمكين كل المواطنين المغاربة، مهما تعدد سبل كسب رزقهم ووظائفهم وأعمالهم فإن التغطية الاجتماعية الشاملة، هي أساس أي تنمية إقتصادية.

وسطر الملك في خطابه السامي، المرتكزات الأساسية لهذا المشروع الكبير، اولها التغطية الصحية الإجبارية (22 مليون مستفيد إضافي وتهم مصاريف التطبيب والدواء والاستشفاء والعلاج)، ثانيها الاستفادة من التعويضات العائلية (حوالي سبعة ملايين طفل متمدرس) ، ثالث هذه المرتكزات الانخراط في نظام التقاعد (حوالي خمسة ملايين مغربي يمارسون عملا ولا يتوفرون على معاش)، ورابعا الاستفادة من التأمين على التعويض عن فقدان الشغل (كل المغاربة الذي يتوفرون على عمل قار).

ومن المحاور الأساسية التي تطرق لها الملك في خطابه السامي، اعتماد الحكامة الجيدة وإصلاح القطاع العام، حيث اكد جلالته على أن نجاح أي خطة أو مشروع، مهما كانت أهدافه، يبقى رهينا باعتماد مبادئ الحكامة الجيدة، في كل مراحل إنجازه، وربط المسؤولية بالمحاسبة ؛ والمؤسسات العمومية يجب أن تعطي المثال في هذا المجال، وأن تكون رافعة للتنمية وليس عائقا لها.

لذلك ونظرا  للأهمية الاستراتيجية لهذه المؤسسات والمقاولات، دعا الملك للقيام بمراجعة  جوهرية لهذا القطاع، وهو ما يحيل مباشرة على مراجعة جدوى وجود بعض هذه المؤسسات والمقاولات، إضافة إلى فعالية أجهزة الحكامة والتنسيق فيما بينها وهو ما يعني الجمع بين عدد من المؤسسات ذات المهام المتكاملة.

موضوع أساسي جدا أشار إليه الملك في خطابه السامي، يتعلق بمراجعة عميقة لمعايير ومساطر التعيين في المناصب العليا، حيث اكد الملك على ضرورة اعتماد معايير تمكن من تحفيز الكفاءات الوطنية على الانخراط في الوظيفة العمومية وجعلها أكثر جاذبية، وذلك لتجاوز النقائص ووضع حد للاختلالات التي تعرفها عملية التعيين، وتحصينها من الاستغلال الحزبي والسياسوي، وتغليب معايير الكفاءة والاستحقاق.

وكعادته، شدد الملك في خطابه على أن هذه الأزمة غير المسبوقة، تقتضي تضافر جهود الجميع، بما فيها المؤسسات والفعاليات الوطنية التي عليها الارتقاء إلى مستوى هذه المرحلة وتطلعات المواطنين.

ولعل ابلغ جملة تحيل مباشرة على درس كبير في التضامن، هي حين أكد الملك في خطابه السامي على أن المسؤولية مشتركة، والنجاح إما أن يكون جماعيا لصالح الوطن والمواطنين، أو لا يكون، وأعرب الملك في هذا الإطار، عن ثقته في قدرة المغاربة على رفع هذا التحدي بروح الوحدة والوطنية والتضامن الاجتماعي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى